2025/12/05 | 0 | 36
القراءة في كتاب أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
قراءة في كتاب أخلاق أهل البيت (ع)، للمؤلف/ السيد محمد مهدي الصدر. الطبعة الرابعة :1429هــ /2008م.
حاجات الجسم والنفس:
يتألف الإنسان من عنصرين: عنصر الجسد، وعنصر الروح، وهما مترابطان ترابطاً وثيقاً، ومتفاعلان تفاعلاً قوياً، لا ينفك أحدهما عن الثاني إلا بتصرم العمر، ونهاية الحياة وسعادة الإنسان وهناؤه الجسمي والفكري منوط بصحة هذين العنصرين وسلامتهما معاً. لهذا كان على ناشد السعادة ومبتغيها أن يعني بهما عناية فائقة تضمن صحتهما وازدهارهما، وصيانتهما من المضار.
ولكل من الجسم والروح أشواقه وحاجاته:
فحاجات الجسم هي: المآرب المادية الموجبة لنموه وصحته وحيويته كالغذاء والشراب والكساء ونحوها من ضرورات الحياة.
وحاجات الروح هي: الأشواق الروحية والنفسية التي تنعشقها الروح وتهفو إليها، كالمعرفة والحرية والعدل، وراحة الضمير ورخاء البال وما إلى ذلك من المثل العليا والأماني الروحية. ولا مناص من تلبية هذه المرآب والرغائب الجسمية والروحية لتحقيق صحة الجسم والروح، وضمان هنائهما المرجو. فحرمان الجسم من أشواقه يفضي به إلى الضعف والسقم والانحلال وحرمان الروح والنفس من أمانيها، يقودها إلى الحيرة والقلق والشقاء .والسعادة الحقة منوطة بصحة الجسم والنفس وازدهارهما معاً ورعاية حقوقهما المادية والروحية .
حقوق الجسد:
وتتلخص هذه الحقوق في رعاية القوانين الصحية، واتباع الآداب الإسلامية الكفيلة بصحة الجسم وحيويته ونشاطه كالاعتدال في الطعام والشراب وتجنب الكحول والعادات الضارة، كالخمر والحشيش والأفيون والتوقي من الشهوات الجنسية الآثمة واعتياد النظافة وممارسة الرياضة البدنية ومعالجة الأمراض الصحية ونحو ذلك من مقومات الصحة وشرائطها مما هو معروف الغالب الناس لتوفر التوعية الصحية، والنصائح الطبية في حقول الإعلام الصحفي والإذاعي. فلا أجد حاجة إلى تفصيله والاطناب فيه.
حقوق النفس:
بيد أن صحة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها، وعوامل رقيها وتكاملها، ورعاية حقوقها وواجباتها، يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون لقلة احتفائهم بالقيم الروحية والمفاهيم النفسية، وجهلهم بعلل النفس وانحرافاتها. وما تعكسه من آثار سيئة على حياة الناس. فالأمراض الجسمية تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صور من الشحوب والهزال والانهيار.
أما العلل النفسية والروحية فإن مضاعفاتها لا يتبينها إلا العارفون من الناس، حيث تبدو في صور مقيتة من جموح النفس، وتمردها على الحق، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات، وهيامها بحب المادة وتقديسها وعبادتها، ونبذها للقيم الروحية ومثلها العليا. مما يوجب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان. من أجل ذلك كانت العلل الروحية والنفسية أصعب علاجاً، وأشد عناء من العل الجسمية، لعسر علاج الأولى، ويسر الثانية في الغالب. وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسد. وهذا ما يحتم على كل واع مستنير أن يعني بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملكاتها، ووقايتها من الشذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها وحسن سياستها وتوجيهها .
وإليك طرفاً من طلائع حقوق النفس:
1- تثقيف النفس:
وذلك: بتنويرها بالمعرفة الإلهية والعقيدة الحقة، وتزويدها بالمعارف النافعة التي تنير للإنسان سبل الهداية وتوجهه وجهة الخير والسداد. وهذه هي أسمى غايات النفس وأشواقها. فهي تصبو إلى العقيدة، وتهفو إلى الإيمان بالله عز وجل، وتتعشق العلم وتهفو إلى استجلاء الحقائق، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة. تتطلع إلى ذلك تطلع الظمآن إلى الماء، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سواء بسواء. فإن ظفرت بذلك أحست بالطمأنينة والارتياح، وإن فقدته شعرت بالقلق والسام.
2 - إصلاح السريرة:
للإنسان صورتان: صورة ظاهرية تتمثل في إطار جسده المادي، وصورة باطنية تتمثل فيها خصائصه النفسية، وسجاياه الخلقية. وكما تكون الصورة الظاهرية هدفاً للمدح أو الذم، ومدعاة للحب أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة. كذلك الصورة الباطنية يعروها المدح والذم، وتبعت على الإعجاب أو الإستنكار، تبعاً لما تتسم به من طيبة أو خبث، من تلألوء أو ظلام. وكما يهتم العقلاء بتجميل صورهم المادية، وإظهارها بالمظهر اللائق الجذاب. كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنية، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق لتغدو وضاءة مشعة بألوان الخير والجمال. وذلك بتطهيرها من أوضار الرياء والنفاق والحسد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقيتة. من أجل ذلك حرّض أهل البيت (عليهم السلام) على تهذيب النفس وإصلاح السريرة، وحسن الطوية لتكون ينبوعاً ثراً فياضاً بشرف الفضائل وحسن الأخلاق. فعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (ع): كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله له فيما بينه وبين الناس.
وقال الصادق (ع): ما من عبد يسر خيراً إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له خيراً، وما من عبد يسر شراً، إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له شراء. وعنه (ع) قال: قال رسول الله (ص): سيأتي على الناس زمان، تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم.
3 - ضبط النفس:
تنزع النفس بغرائزها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المضللة، حتى تجمع بهم في متاهات الغواية والضلال، ﴿۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ﴾[ يوسف: 53].
وهذا ما يحفز كل واع مستنير، أن يعني بضبط نفسه، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة الله تعالى، واتباع شرعته ومنهاجه. وقد حث القرآن الكريم على ضبط النفس والحد من جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح. قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۞ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ۞ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [سورة الشمس:7- 10].
وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٰ۞ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾
[ سورة النازعات:40- 41].
﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ۞وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا۞فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ [ سورة النازعات:37- 39].
وهكذا حرض أهل البيت (ع) على ضبط النفس، وقمع نزواتها، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد. فعن موسى بن جعفر عن آبائه (ع) قال. وقال أمير المؤمنين (ع): إن رسول الله (ص) بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟
قال (ص): جهاد النفس. ثم قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه.
وعن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي (ع) عن أبيها (ع) قال: قال رسول الله (ص): ثلاث خصال، من كن فيه، استكمل خصال الإيمان: الذي إذا رضى لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.
4 - محاسبة النفس:
والمراد منها هو: محاسبة النفس في كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي والموازنة بينهما، فإن رجحت كفة الطاعات، شكر المحاسب الله على توفيقه لها، وفوزه بشرف طاعته ورضاه. وإن رجحت كفة المعاصي أدب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة، والنزوع للآثام.
قال الإمام موسى بن جعفر (ع): وليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى، وإن عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب إليه.
تم المقال بعون الله الوهاب.
جديد الموقع
- 2025-12-05 القراءة في رواية أم البنين (ع)
- 2025-12-04 نائب أمير المنطقة الشرقية يطلع على عدد من الجوائز والاعتمادات العالمية لتجمع الشرقية الصحي
- 2025-12-04 جمعية البر بالاحساء تتسلم جائزة المركز الثالث في تميز المنظمات غير الربحية لعام 2025
- 2025-12-04 متدربتان من "التقنية الرقمية بالأحساء" تحصدان المركز الثالث في معرض "مبتكرون 2025"
- 2025-12-04 تعزيزا لدور المسرح . . جمعية المسرح والفنون الأدائية تطلق "مهرجان المونودراما" في الدمام بـ ١٠ فرقة مسرحية
- 2025-12-04 ("إثراء" يحصد جائزة العمل التطوعي للمرة الرابعة)
- 2025-12-04 رحال نجفي يصل المدينة المنورة على دراجة نارية قادماً من النجف
- 2025-12-04 مشكلة التسويف تكمن في التردد في بداية التنفيذ - تكنلوجيا جديدة تساعد على التغلب على المشكلة
- 2025-12-04 شبه القراءة بالأكل
- 2025-12-04 الدين حاجة للروح والنفس