2009/09/15 | 0 | 2384
استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليالي القدر
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
جاء في الزيارة الشريفة: «السلام على المولود في الكعبة، المزوج في السماء»([2]).
نعيش هذه الأيام أهم الأحداث الإسلامية، ألا وهي استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وليلة القدر، وهاتان المناسبتان لهما خصوصية ومنزلة كبيرة، فعلي ابن أبي طالب، هو الشخصية العظيمة التي جسدت الإسلام، وتمثل الإسلام فيها، وقد كانت انطلاقة هذه الشخصية منذ البداية، حيث الولادة في الكعبة المشرفة، هذا البيت العتيق، الذي يعتبر مأوى الناس، ومهوى الأفئدة، فكانت انطلاقة هذه الشخصية العظيمة من ذلك المكان المعمور، والبيت المقدس.
لقد شاء الباري جل وعلا، أن يكرم هذه الشخصية منذ البداية، فكانت ولادته في الكعبة الشريفة، ولم يقف التكريم عند هذا الحد، فالولادة في الكعبة وإن كانت من فضائلة إلا أنها لم تزده شرفاً، لأن علياً لا نقص فيه، فهو الشخصية المتكاملة التي لا تحتاج لما يكملها، فشخصيته هي شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا تحتاج إلى عامل خارجي يكملها، لكن الباري جل وعلا، محيطٌ بتاريخ البشرية، منذ زمن آدم إلى أن تقوم الساعة، لذا قرن حياة علي بن أبي طالب بهذه الأحداث والمناسبات، فقد ولد في الكعبة، وزوج في السماء، كما ورد في الزيارة الشريفة، واستشهد في بيت من بيوت الله جل وعلا.
ولم يقف عند هذه المراحل الثلاث فحسب، وهي الولادة في الكعبة، والتزويج في السماء، والاستشهاد في بيت الله جل وعلا، إنما عاش حياةً مليئة كلها بالعطاء. لقد عاش ثلاثاً وستين سنة فقط، لكن حجمها كان أكبر من ذلك بكثير، فكانت السماء تصحبه في كل تحركاته، لاحظ النداءات التي نزلت من السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» وهو النداء الأول من جبرائيل، أما النداء الثاني الذي نزل من السماء فكان عند استشهاده (عليه السلام): «تهدمت والله أركان الهدى» وهو نداء من السماء ليُنبئ عن جانب عظيم في هذه الشخصية.
لقد ولد علي (عليه السلام) في الكعبة الشريفة، ثم قدم لها في قادم الأيام هدية ثمينة، فقد حطم الأصنام وأزالها من هذا البيت، وطهره من الأوثان والأرجاس. فعندما فتحت مكة وأراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصعد على أكتاف علي (عليه السلام) ويحطم الأصنام، لم تتم العملية، فطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من علي (عليه السلام) أن يصعد على أكتافه([3]) وهذا المشهد يحتاج إلى وقفة، وكل حياة علي (عليه السلام) بل كل لحظة منها تحتاج إلى وقفة وتمعن، فهذا الكتف الطاهر، كتف رسول الله، يحمل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ليكسر الأصنام، ورحم الله السيد رضا الهندي حيث يقول:
لما دعاك الله قدما لأن |
|
تـولد في البيت فلبـيته |
جزيته بين قريش بأن |
|
طهرت من أصنامهم بيته |
لقد لبى الدعوة، وولد في البيت، ثم أكرم البيت فطهّره من الأصنام والأرجاس.
ثم إنه (عليه السلام) بتحطيمه الأصنام المادية، حطم العديد من الأصنام المعنوية، منها تلك التي ركزت في نفوسنا، وتعايشنا معها وألفناها، فهناك الكبرياء والحسد والبخل وغير ذلك، وكلّها أصنام معنوية في نفوسنا، أراد منا علي بن أبي طالب أن نحطمها، فابتدأ بالأصنام المادية، لكنه قصد ما في نفوسنا من أصنام.
والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة بقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾([4]). فمن الناس من يؤمن بالله جل وعلا، لكنه مشرك بصورة من الصور، لأنه جعل في نفسه شريكاً يعبده من دون الله، فمن آمن بالله وكان فيه كبر فقد جعل لله شريكاً، وهو الكبرياء.
هذا هو الأمر الأول الذي أحببت أن أذكره في هذا اليوم.
ليلة القدر
أما الأمر الآخر فهو الليلة المباركة، ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، نسأل الله أن يتقبل أعمالنا وأعمالكم فيها، فهي الليلة التي أجمع عليها المسلمون، في شرفها وفضلها والروايات الواردة على لسان أهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى أنها الثالثة والعشرون من هذا الشهر الكريم، التي تصادف هذه الليلة. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العشر الأواخر من شهر رمضان يطوي فراشه، ويشد مئزره، وعلى وجه الخصوص في الليلة الثالثة والعشرين، فكان يوقظ أهله في تلك الليلة، وكانت فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تعمل كذلك في هذه الليلة، فترش الماء على أولادها كي لا يناموا، ولم يفعلوا مثل هذا في الليلة التاسعة عشرة، ولا الليلة الحادية والعشرين، صحيح أن هناك روايات كثيرة وردت في هذه الليالي، وأنها ربما تكون من ليالي القدر، ولكن الأقرب في الروايات على لسان أهل البيت (عليهم السلام) ـ ولعله إجماع لدى فقهائنا رحمهم الله ـ أنها ليلة ثلاث وعشرين من هذا الشهر، التي تصادف هذه الليلة.
قال الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) في الخصال: «واتفق مشايخنا رضي الله عنهم أنها ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان»([5]). وهذا الكلام ينبئ أن هناك إجماعاً على أن هذه الليلة هي ليلة القدر.
وفي كتاب الإقبال، للسيد ابن طاوس، عن ضمرة الأنصاري، عن أبيه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين»([6]).
وفي دعائم الإسلام للشيخ الصدوق في ذكر ليلة القدر: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يطوي فراشه، ويشد مئزره، في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، وكانت فاطمة (عليها السلام) لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلة الطعام، وتتأهب لها من النهار، وتقول: محروم من حرم خيرها»([7]).
وهناك عوامل كثيرة تساعدنا في هذه الليلة على القيام بالأعمال، ومنها عدم الإكثار من الأكل عند الإفطار، فهو يساعدنا على الصلاة والقيام في هذه الليلة، ومن لم يستطع أن يقوم هذه الليلة من أول الليل إلى الأسحار، فإنه ينام قليلاً بعد الإفطار، ثم يستيقظ.
وفي كتاب الإقبال، للسيد ابن طاوس أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان مريضاً في إحدى السنوات، وصادف تلك الليلة، أي ليلة القدر، وهي الليلة الثالثة والعشرون، فطلب من غلمانه أن يحملوه إلى المسجد، إذ لم يكن يستطيع أن يأتي إلى المسجد، مع أنه كان بإمكانه أن يأتي بأعمالها في بيته، لكنه لم يرض من نفسه أن يكون في البيت، ويأتي بالأعمال، إنما جاء إلى المسجد([8]).
فندعو الإخوة في هذه الليلة المباركة، للمشاركة في أعمال ليلة القدر، في الساعة الثامنة في مسجد الشيخ الأوحد (عليه الرحمة) وفي الساعة العاشرة في هذا المسجد المبارك. ونرجو من الآباء أن يدعوا أبناءهم وإخوانهم للقدوم إلى هذا المكان المبارك، وفي مسجد الشيخ الأوحد (عليه الرحمة) فمن استطاع أن يقوم بالأعمال من أول الليل فهناك مسجد يقوم بهذه الأعمال، وهو مسجد الشيخ الأوحد (عليه الرحمة) ومن لم يستطيع في أول الليل، بإمكانه أن يأتي عند الساعة العاشرة إلى هذا المكان الذي نحن فيه.
لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي أصحابه بأن من لم يستطع منهم أن يقوم في هذا الشهر كله، فليقم ليلة ثلاث وعشرين، وهي ليلة الجهني، فهو وإن كان يوصي بالقيام في كل الشهر، ولكن من لم يستطع ذلك كان يوصيه بليلة ثلاث وعشرين، وهي ليلة الجهني.
والجهني هذا، رجل كان يسكن خارج المدينة، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله): إن منزلي ناءٍ عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها، فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) بليلة ثلاث وعشرين([9]).
ليلة القدر والزهراء (ع)
يقول تعالى في سورة القدر: ﴿إِنّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ ~ وَمَا أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ ~ لَيْلةُ القَدْرِ خَيْرٌ من أَلفِ شَهْرٍ ~ تَنَزَّلُ الملائِكَةُ والرُّوْحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾([10]).
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إِنّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ أنه قال: «الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها، فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها»([11]).
فهذه الليلة ارتبطت باسم الزهراء (عليها السلام)، وهناك خصوصية أخرى لهذه الليلة، وهي أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) استشهد في هذه الليالي، ويرتبط اسم الزهراء بهذه المناسبة، فهناك معنى ومغزى لا يدركه إلا الإمام الحجة (عج) الذي نسأل الله جل وعلا أن نقيم هذه الأعمال بصحبته وبالتشرف بين يديه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-06 مدينة مصغرة لواحة الأحساء الزراعية
- 2024-05-05 مثقفون وأعيان يرصدون العطاء الأدبي للبابطين
- 2024-05-05 قصيدة (مطية الغياب)
- 2024-05-05 افراح الغزال و الدخيل في رويال الملكية بالاحساء
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء