2025/11/11 | 0 | 522
دردشة تحوّلت إلى وثيقة
علي عساكر يتحدث (لعيون هجر) عن تجربة التوثيق المرئي والمكتوب في الأحساء من خلال برنامجه الحواري التوثيقي (دردشة مع...) وكتابه (دردشة مع المهندس عبد الله الشايب: أطروحات في الفكر والسيرة)
مـدخـل:
تفضل عليّ أحد الأخوة الأعزاء، والأصدقاء الأوفياء (أتحفظ على ذكر اسمه نزولا عند رغبته) بتفريغ الحوار الذي أجراه معي مشكورا فريق (عيون هجر) ممثلا بالأخوين الكريمين: (الإعلامي عبد الله الياسين، والإعلامي موسى الشايب) حول برنامجي الحواري التوثيقي: (دردشة مع...) وكتابي: (دردشة مع المهندس عبد الله الشايب: مطارحات في الفكر والسيرة) الذي هو ثمرة طيبة من ثمرات هذا البرنامج.
ولأن الحوارات بطبيعتها لا تخلو من مقاطعات ومداخلات واستطرادات، وبعض الجمل العامية...وما شابه ذلك من أمور، فقد قام هذا الأخ العزيز بالتصرّف في الصياغة والتعبير خصوصا في الموارد التي رأى أنها بحاجة إلى ذلك، مع بذل الجهد في الحفاظ على المعنى والجوهر، فمن القلب إلى القلب: شكرا له متابعته للحوار، وما بذله من جهود كبيرة في تفريغه وإعداده، والشكر موصول لفريق عيون هجر، الذي أصبح اسمه الآن: (نادي عيون الإعلام) تفضله بإجراء هذا الحوار، الذي آمل أن يكون جامعا بين المتعة والفائدة، ومعرّفا ببرنامج (دردشة مع...) وطبيعته، خصوصا وأنني أعدت هذا البرنامج بعد توقفه عدة سنوات، وإن غيّرت اسمه إلى (في صالون العساكر)
معد البرنامج والكتاب/ علي محمد عساكر.
المقدمة والتمهيد:
عيون هجر:
في أمسية ثقافية أقيمت بمدينة الجفر، تلك المدينة التي تُعد من منارات الفكر والأدب والتاريخ في واحة الأحساء، التقينا بالكاتب والباحث (علي محمد عساكر) للحديث حول كتابه «دردشة مع المهندس عبد الله الشايب: مطارحات في الفكر والسيرة»، وهو عمل توثيقي متميز انبثق من سلسلة حلقات حوارية مصوّرة أجراها الكاتب عساكر مع المهندس الشايب في خمسة أجزاء كل جزء يمتد إلى الساعة، ثم فُرغت لاحقا وحُوّلت إلى كتاب صدر في طبعته الأولى سنة (1442هـ/2021م).
أجرى الحوار مع عساكر حول برنامجه وكتابه فريق "عيون هجر" ممثلا بالإعلاميين الرائعين عبد الله الياسين وموسى الشايب، وذلك ليلة الجمعة (25 محرّم 1443هـ)، وسط أجواء حميمية تعكس عمق الانتماء للمكان والذاكرة.
افتتح الباحث (عساكر) اللقاء بعبارات ترحيبية مفعمة بالتقدير قائلاً:
أرحب بفريق "عيون هجر" في مدينة الجفر، وفي هذا المنزل المتواضع الذي شرّفتموني بزيارته. وأثمّن مبادرتكم الكريمة لإجراء هذا اللقاء التوثيقي الذي يسلّط الضوء على تجربة «دردشة مع...» سواء كبرنامج حواري يوثق سير الشخصيات الفاعلة وإنجازاتها، أو ككتاب هو ثمرة عملية من ثمرات هذا البرنامج، يسلط الضوء على حياة قامة أحسائية كبيرة، اسمها المهندس عبد الله بن عبد المحسن الشايب.
بدايات الفكرة وانطلاق برنامج "دردشة مع...":
عيون هجر:
نود أن نبدأ من الجذور الأولى للفكرة، كيف نشأت مبادرة أو فكرة برنامج دردشة مع...؟ وهل كانت وليدة مشروع محدد أم نتاج تراكم فكري وتجارب سابقة؟
عساكر:
انطلقت الفكرة في أواخر عام (1438هـ)، بعد تأمل طويل في واقع الشخصيات الأحسائية وما تزخر به من قامات علمية وفكرية وثقافية وأدبية وفنية واجتماعية...لم تسلط عليها الأضواء بما يتناسب مع مكانتها وعطائها، كنت أحمل همّ هذه الشخصيات، وأرى أنّها لم تأخذ حقها من التوثيق، لا في سيرها ولا في إنجازاتها. حتى كتب التراجم -التي يُفترض أن تؤدي هذا الدور- قصّـرت في حق الكثيرين من أعلام الأحساء في مختلف المجالات وشتى الحقول والميادين، فوجدت في نفـسي دافعًا قويا للقيام بهذا الدور الذي أعتبره واجبًا مقدسا تجاه رموز المجتمع.
فكّرت أولاً في الكتابة عن هذه الشخصيات، وبالفعل كتبت عن عدد منها، لكنني أدركت أن اللقاء المباشر معها يمنحها حيوية مختلفة، فاخترت أن يكون المشروع حواريًّا، يغوص في الأعماق، ويتناول كل التفاصيل، ويسلط الضوء على مختلف جوانب حياة تلك الشخصيات ويعرّف بإنجازاتها، ولا يخلو من الاستطرادات الإثرائية الغنية بالمعلومات حسب طبيعة الجواب وما يمكن أن يفتحه من آفاق معرفية قابلة للإثراء، وإن حمل (أعني البرنامج) عنوانا يدل على البساطة والعفوية والتلقائية، وهو عنوان «دردشة مع...».
ومع ذلك أردته برنامجًا لا يتكلّف الإنتاج ولا يعتمد على الدعم المؤسـسي، بل يكون قريباً من الناس، خفيفًا في شكله، عميقاً في محتواه. إذ لم يكن الهدف أن يكون حوارا فكريا بقدر ما هو توثيقي لسير تلك الشخصيات وما حققته من إنجازات للأحساء خصوصا وللوطن عمومًا.
بدأت أولى خطوات التنفيذ لهذا البرنامج بتشكيل فريق صغير ضمّ الأستاذ هاني الشطيب، وولدي عقيل، وبهما انطلقت أولى الحلقات. ثمّ تطوّرت التجربة لاحقًا لتشمل شخصيات متعددة، إلى أن جاءت سلسلة اللقاءات مع المهندس عبد الله الشايب، التي تحوّلت لاحقًا إلى هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن.
الكتاب وتوثيق تجربة المهندس عبد الله الشايب:
عيون هجر:
ورد في مقدمة الكتاب أن الحوار مع المهندس عبد الله الشايب تحوّل إلى مشروع توثيقي متكامل، فهل يمكن أن تحدّثنا عن مسار هذا التحوّل، وكيف وُلد الكتاب من رحم البرنامج؟
عساكر:
كانت الفكرة من الأصل أن أجمع بين التوثيقين: (المرئي) من خلال الحوارات المباشرة، (والمكتوب) عن طريق العمل على تفريغ تلك الحوارات ولو في المستقبل وإخراجها في كتاب، ولهذا حاولت في حواري مع المهندس عبد الله الشايب التعريف بشخصه الكريم من حيث المولد والنشأة والحياة العلمية والعملية والاجتماعية، وكذا تسليط الضوء على إنجازاته في مجال التراث والعمران والفكر الأحسائي، تماما كما فعلت مع الذين تشرفت باستضافتهم قبله، حيث وثقت سيرهم وسلطت الضوء على إنجازاتهم، وكان هدفي من ذلك أنه متى وفق الله وتمّ تفريغ تلك الحوارات وإخراجها في كتاب، أن يكون مصدرا مهما وأكثر دقة ووثاقة من غيره كونه بلسان الشخصية نفسها، وهذا ما حدث فعلا مع المهندس الشايب في الحوار معه أولا، ثم تفريغ ذلك الحوار وإخراجه في هذا الكتاب ثانيا، وأسأل الله التوفيق ليتم ذلك لغيره من الشخصيات.
عيون هجر:
في ختام الدردشة مع المهندس الشايب، أي في نهاية الجزء الخامس من الحوار معه قدمت له هدية، إذا ممكن أن تحدثنا عن هذه الهدية ولماذا قدمتها؟
عساكر:
الحقيقة ليس المهندس الشايب هو الوحيد الذي قدمت له هدية، بل قدمت هدايا لجميع ضيوف البرنامج، وكنت أحرص أن تكون الهدية متوافقة مع توجه واهتمامات ضيف البرنامج، وذلك من باب التقدير لتلك الشخصية ولما حققته من إنجازات في الحياة، وأيضا لشعوري بأنها صاحبة فضل عليّ لتلبيتها دعوتي، وموافقتها على إجراء الحوار معها، وإتاحتها الفرصة لي لتوثيق سيرتها وإنجازاتها للتاريخ.
بالنسبة لهديتي للمهندس الشايب تتمثل في قيامي بالبحث في المواقع والشبكات والمنتديات والصحف وغيرها، عن كل ما يتعلق بشخصه الكريم، مستخدما في البحث عدة مفاتيح وجمل وكلمات، إلى أن جمعت كل أو جل المواد المتعلقة به، سواء من مقالات كتبت عنه، أو حوارات أجريت معه، أو ندوات كان ضيفها، أو تغطيات إعلامية لفعالياته وأنشطته، كما جمعت ما هو مرفق بتلك المواد من الصور التوثيقية، وعملت بعد ذلك على تصنيف هذه المواد حسب طبيعتها ووفق الأنشطة أو البرامج الخاصة بها، فمثلا: ما يتعلق بمركز النخلة في مجموعة، وما يتعلق بمشهد الفكر الأحسائي في مجموعة، وما يتعلق بجمعية العلوم للعمران في مجموعة...، ثم قمت بتصنيف آخر وذلك بأن فرزت هذه المواد لأجعل التغطيات الإعلامية لوحدها، والمقالات وحدها، واللقاءات وحدها...بعدها قمت بمراجعة تلك المواد وعملت على تنقيحها، وتصحيح ما بها من أخطاء إملائية ونحوية ومطبعية، كما قمت بتعديل ما يحتاج إلى تعديل في الصياغة، كما ضمّنت كل مادة ما يتعلق بها من صور توثيقية، وكتبت لها مقدمة وأخرجتها في كتيب، وقدمته هدية رمزية تقديرية للمهندس الشايب، وذلك في نهاية الجزء الخامس والأخير من الحوار معه، وقد قدمتها باسم فريق برنامج (دردشة مع...) وليس باسمي الشخصي؟
قد تكون هذه الهدية بسيطة في قيمتها المادية، لكنها كبيرة جدا في قيمتها المعنوية، بل والعلمية أيضا، لأنها جمعت هذا التراث المتناثر الذي ليس من السهل العثور عليه، بل الكثير منه قد لا يمكن الوصول إليه والوقوف عليه، لأنه غير معروف ولا يدري أحد عنه لقدمه، أضف إلى ذلك أنه مهدد بالضياع، إذ متى تعطلت هذه المواقع والشبكات، أو أغلقت لأي سبب من الأسباب، فحينها سنخسر هذه المواد كما سنخسر غيرها، لذا يمكنني القول إن هذه الهدية هي (عملية إنقاذ لهذا التراث وحفظ له من الضياع والاندثار) وهذه هي القيمة الحقيقية لهذه الهدية.
عيون هجر:
واضح من خلال ما تفضلت به أنك بذلت جهدا كبيرا في جمع هذه المواد وإخراجها في كتيب، ولا شك أن هذا يحتاج إلى وقت كبير ربما يمتد إلى أشهر، كم استغرقت من الوقت في هذا العمل؟
عساكر:
هو فعلا كان جهدا كبيرا ومتعبا، لكن الحقيقة أنه لم يأخذ ذلك الوقت الذي تتصوره، ربما بضعة أيام لا أكثر، وذلك لأن من عادتي إذا توجهت إلى عمل معين أن أخلص فيه، وأتفرغ له، وأبذل جهدا مضاعفا في محاولة إنجازه في أسرع وقت ممكن، لذا أنا أمضي في المكتبة وقتا طويلا جدا، قد يصل في الكثير من الأحيان إلى ما يقرب من أربعة عشرة ساعة أو أكثر، كلها ساعات عمل متواصلة رغم ما يمكن أن يتخللها من راحة بسيطة، ولذا لدي بعض المؤلفات أنجزتها في شهر أو شهرين رغم كثرة صفحاتها، بل أحيانا أجمع بين أكثر من عمل في وقت واحد محاولا تقسيم الوقت بين تلك الأعمال، لذا فإن هذه الهدية لم يأخذ جمعها وإعدادها إلا بضعة أيام، لكن بعمل شبه متواصل في كل يوم.
عيون هجر:
وكيف كانت ردة فعل المهندس الشايب حين قدمت له الكتيب كهدية؟
عساكر:
أولا: فاتني أن أشير إلى أن كل ذلك العمل الذي قمت به في جمع هذه المواد وإعدادها إنما كان على (ورد) لكنها لم تطبع ويتم إخراجها في كتيب، وإنما ما أعنيه أنها صالحة لتكون كذلك.
ولكن الجميل أنه حين تم تفريغ الحوار والعزم على إخراجه في كتاب، بحثت من جديد فعثرت على مواد أخرى أضفتها إلى ما سبقها، ووضعت ذلك في ملحق خاص بهذا الكتاب، فأصبح يجمع بين دفتيه الحوار وتلك المواد معا.
أما عن ردة فعل المهندس الشايب، فحقيقة كانت جدا جميلة ورائعة، ومفعمة بالفرح والدهشة، فقد استقبل الهدية بابتسامة كبيرة، وشكرني بحرارة. ربما لأنه لم يكن يتوقع أن جهوده الموزعة في مقالات ومحاضرات وتقارير وتغطيات إعلامية مبعثرة هنا وهناك سوف تُجمع وتُحفظ من الضياع، مما جعل الأمر مفاجئا بالنسبة له.
شعرت بسعادة حقيقية حين رأيت ابتسامته العريضة، وعلامات البشر والارتياح طافحة على وجهه، ومرسومة على محيّاه، ولا شك أن ذلك لإدراكه أنّ العمل التوثيقي لا يقدّر بقيمته المادية، بل بمعناه الإنساني. وحقيقة ما هذه الهدية إلا نوع من الوفاء تجاه من أعطى للأحساء الكثير.
التحديات والحيادية في الحوار:
عيون هجر:
يبدو من طبيعة الحوارات مع المهندس الشايب أنّها لم تكن سهلة دائمًا، إذ تناولت قضايا فكرية واجتماعية حساسة. هل واجهت صعوبة في الحفاظ على الحياد أثناء إدارة الحوار؟
عساكر:
بالفعل، كان ذلك من أصعب الجوانب في التجربة. فرغم علاقتي الطيبة بالمهندس عبد الله الشايب إلا أنني لم أجامله أثناء حواري معه، فهو حوار جاد وحقيقي، ومطارحات في بعض فصولها تكون فكرية وقوية أحيانًا. فقد مارست الحياد الكامل، وكنت أنقل رأيي أو رأي المجتمع بموضوعية حين أختلف معه في بعض الرؤى والأفكار، ولكن دون أن يتحوّل الأمر إلى مواجهة شخصية.
الحياد لم يكن سلبياً، بل كان مشاركة نقدية إيجابية، تضيف بعدًا جميلا للحوار وتثريه. وكان المهندس الشايب يتقبّل ذلك برحابة صدر، ويدافع عن وجهات نظره بنديّة ووضوح. كانت هناك لحظات احتدام، لكنه كان احتدامًا فكريًا راقيًا، يقوم على احترام متبادل. وهذا التنوّع في الرؤى هو ما جعل الحوار صادقًا وعميقًا، لأنه كشف للمشاهد أن الاختلاف لا يفسد الودّ، بل يثري الفكر.
ولكن أيضا لم يكن هذا إلا في القليل من مفاصل الحوار ومحطاته، وذلك لأن طبيعة البرنامج هو توثيقي يتحدث فيه الضيف عن نفسه ومشاريعه، وليس حوارا فكريا تختلف فيه الآراء.، وتتضارب الأفكار.
عيون هجر:
إذن كانت طبيعة البرنامج أقرب إلى التوثيق منها إلى الجدل الفكري؟
عساكر:
نعم، كان الهدف الأساس لهذا البرنامج توثيق السيرة والتعريف بالمنجزات لا محاكمة الرؤى والأفكار. لذا لم أكن معنيًا بتوجهات الضيوف الفكرية أو مواقفهم الأيديولوجية، بل بما حققوه من إنجازات، وما قدّموه للمجتمع من أعمال وخدمات.
كنت أعتبر نفسي مجرد محفّز ومحاور يساعد الشخصية المستضافة على استحضار تجربتها والحديث عنها، لأنّ كثيرًا من المبدعين لا يميلون إلى الحديث عن أنفسهم بمبادرة ذاتية. وهذا هو الصحيح لأن المبادرة للحديث عن الذات صعبة، وقد تسبب الحرج وربما الاتهام لتلك الشخصية، وهذا هو السبب الذي دفعني إلى القيام بهذا البرنامج، أن أكون مفتاحا لهذه الشخصيات للحديث عن نفسها وإنجازاتها، وكنت أشارك الضيوف في التعريف بأنفسهم من خلال تقديمي لبعض المعلومات التمهيدية قبل السؤال، وعرضي بعض البيانات التي جمعتها بنفسي دون الرجوع إليهم، وهو ما جعلهم يتفاجؤون أحيانًا من دقة التحضير، ووقوفي على معلومات عنهم هي بالنسبة إليهم في طي النسيان، خصوصا وأنني في التحضير والإعداد لم ألجأ إليهم لاستقاء المعلومات، أو وضع هيكلة الحوار، بل كنت أعمل على جمع المادة من مختلف المصادر، ثم أقوم بإعدادها ووضيع هيكلتها دون الرجوع إليهم في شيء.
ما أريد قوله: إن برنامج «دردشة مع...» لم يكن منبرًا للمناظرات الفكرية، بل أرشيفًا حيًّا لتاريخ الأحساء ورجالها البارزين في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق جاءت كل الحلقات - ومنها الحوار مع المهندس عبد الله الشايب - متسقة في منهجها: توثيق، وتحليل، وتعريف.
العمل الجماعي وإعداد الكتاب:
عيون هجر:
دعنا ننتقل إلى الجانب العملي، من ساهم معك في إخراج هذا العمل؟ وهل اعتمدت على فريق متكامل كما يُفترض في الإنتاج الثقافي المرئي والمكتوب؟
عساكر:
عادة يكون لتعاون في الأعمال المشتركة، أما أعمالي الخاصة فكلها أقوم بها وحدي كما أشرت قبل قليل، محاولا التنسيق بين التأليف ومن ثم التنقيح والتصحيح والإعداد للطباعة، وكذا إعداد الدورات وتقديمها، وإجابة ما يصلني من أسئلة، وكتابة المقالات ونشرها في المواقع والشبكات، وتحميل موادي المرئية على قناتي في اليوتيوب، وإشرافي على صفحاتي الخاصة نشرا ومتابعة، والعمل على تصنيف ما لدي من مواد كالصور والفيديوهات والكتب والمقالات والبرامج التلفزيونية...وفهرستها على جهازي الخاص...وهكذا الحال في سائر الأعمال.
العملية قد تكون صعبة ومرهقة، لكنها بالنسبة لي ممتعة أيضا خصوصا وأنها تشعرني بروعة الإنجاز، كما أنني أرى أنها أعمال خاصة وواجبي أن أقوم بها دون التكليف على أحد.
ومع ذلك، فبرنامج «دردشة مع...» كان له فريق محدود دعم التجربة في مراحلها الأولى. ضمّ الفريق الأستاذ هاني الشطيب كمصور ومنتج للحلقات، وولدي عقيل الذي كان يقوم بالتصوير الفوتوغرافي وتحضير ما أحتاجه من بعض مستلزمات البرنامج، ثم لاحقًا انضمت ابنة أخي زينب لتتولى منتجة الحلقات الأخيرة، كما شارك الأخ نايف العوجان في تركيب الصوت والإخراج الفني.
كانوا جميعًا متطوعين يعملون بحبّ، وكان فضلهم كبيرًا في استمرار البرنامج. لذا، حين أُنجز هذا الكتاب، أهديته لهم اعترافًا بدورهم، لأن هذا المشروع ما كان ليكتمل لولا جهودهم.
عيون هجر:
ذكرتَ في سياق الحديث أن المهندس الشايب هو من أشرف على تفريغ الحوار وتحويله إلى مادة مكتوبة، هل لك أن توضّح هذه النقطة؟
عساكر:
نعم، فأنا أخبرتُ جميع ضيوفي أن هدفي توثيق الحوار كتابيًا أيضًا، وطلبت منهم أن يجيبوا على الأسئلة التي طُرحت خلال اللقاء كتابة، حتى تُجمع في مؤلفات تحفظ سيرهم. بعضهم لم يتمكنوا من ذلك ربما لانشغالاتهم، غير أن المهندس الشايب بادر لاحقًا وكلف جهة متخصصة بتفريغ الحلقات، ثم سلّمني النسخة فقمت بمراجعتها وتنقيحها وإعدادها لتكون صالحة للطباعة والنشر، بعد أن كتبت مقدمتها، وأضفت إليها ما كنت قد جمعته من مواد عن المهندس الشايب، فكان دور المهندس الشايب هو التفريغ، ودوري هو المراجعة والإعداد.
عيون هجر:
هل كان هذا المشروع التوثيقي بداية لتجربة جديدة في التأليف؟
عساكر:
بمعنى ما، نعم. كانت تجربة «الدردشة مع المهندس عبد الله الشايب» نموذجًا يمكن تكراره مع شخصيات أخرى، وقد تمنيت أن تتاح لي الفرصة للاستمرار في هذا النوع من البرامج، لأنها تقدّم للأجيال القادمة مادة حيّة عن رموز الأحساء. إلا أن ظروف المصور الأستاذ هاني الشطيب وعدم تمكنه من المواصلة معي، جعلني أوقف البرنامج رغم إدراكي لقيمته وأهميته. وأملي أن تتاح لي فرصة إعادة هذا البرنامج، لأن الأحساء تزخر بشخصيات كثيرة في مختلف المجالات تستحق التوثيق لسيرها، والتعرف على إنجازاتها، والاستلهام من تجاربها.
الكتاب والشخصيات المذكورة فيه:
عيون هجر:
ورد في الكتاب ذكر عدد من الشخصيات إلى جانب المهندس عبد الله الشايب، فهل كان اختيار هذه الأسماء مقصودًا لتوازن الطرح، أم جاء عفويًّا وتبعًا لسياق الحديث؟
عساكر:
لم يكن ذكر هذه الشخصيات موجّهًا أو محسوبًا لغرضٍ معين، بل جاء طبيعيًا وتبعًا لموضوعات الحوار. فحين نتحدث مثلاً عن حريق سوق القيصرية ودور المهندس الشايب في إعادة الإعمار انطلاقا من موقعه كرئيسٍ لجمعية علوم العمران، يصبح من الضروري أن نذكر الجهات والشخصيات الأخرى التي شاركت في الحدث. والتي قد يكون فيها من هو متفق مع المهندس الشايب في الرأي والتوجه، وفيها من يختلف معه في ذلك، لكنّ الغاية لم تكن إبراز التباين بل توثيق الحدث بمن شارك فيه.
لذلك، كل شخصية أتيت على ذكرها في الحوار ومن ثم في الكتاب إنما كانت نتيجة موقف واقعي، أو حوار مشترك، أو تجربة عملية جمعت المهندس الشايب بتلك الشخصية. لم أذكر أحدًا لمجرد الذكر أو لإثارة الجدل، لأنني لست ممن يميلون إلى الإثارة أو الصدام. هذه الأسماء ظهرت لأن طبيعة الموضوع فرضتها، وكان لا بدّ من الإشارة إليها في سياق السرد الموضوعي.
عيون هجر:
بما أنّ اللقاءات امتدت لأكثر من خمس ساعات من التسجيل، وكانت ثمرتها هذا التوثيق المرئي والمكتوب، كيف تنظر إلى أثر هذه التجربة الطويلة عليك؟
عساكر:
يمكن أن أختصـر الأثر في كلمة واحدة، هي: (السعادة) فقد أضافت لي هذه اللقاءات معرفة غزيرة كنت أجهلها، وكشفت لي أبعادًا جديدة في الفكر الأحسائي والعمل الثقافي المحلي. الحوارات مع الشخصيات، سواء المهندس الشايب أم غيره جدا ثرية ومهمة ومفيدة، لأنك تستمع إلى الرواية من صاحبها مباشرة، وهذا يمنحها قيمة توثيقية عالية.
كنت حريصًا على سؤال ضيفي عن كل التفاصيل وكل شيء مهما كان صغيرا، وبالنسبة للمهندس الشايب كان ذلك في مسيرة العمل الثقافي والتراثي والعمراني: من مشهد الفكر الأحسائي إلى مركز النخلة للصناعات الحرفية، ومن إشرافه على صفحة التراث في جريدة اليوم إلى رئاسته لجمعية العلوم للعمران، وحتى مشاركاته في المهرجانات كـ«الجنادرية». كثير من هذه المعلومات لم تكن معروفة حتى للمقربين منه، وهذا ما جعلني أؤمن بأهمية البرنامج كوسيلة لإحياء الذاكرة وتثبيت الإنجازات.
الرؤية الفكرية والأثر المستقبلي:
عيون هجر:
من خلال متابعتك لمسيرة المهندس عبد الله الشايب، كيف تصف رؤيته الفكرية واستشرافه للمستقبل، خصوصًا فيما يتصل بالتراث والتنمية الاجتماعية؟
عساكر:
الحديث عن المهندس الشايب في هذا الجانب يقودنا إلى سمة أساسية في شخصيته، وهي انفتاحه المبكر على الفكر والحوار منذ شبابه، كان محبًّا للنقاش والاطلاع، وقد ساعدته البيئة التي نشأ فيها على تكوين رؤية مبكرة، إذ كان ملازمًا لوالده ويحضر المجالس التي تُعقد فيها مناقشات حول شؤون الأحساء. هذه التجربة صقلت فيه حسًّا اجتماعيًا وثقافيًا عميقًا، وجعلته أكثر وعيًا بأهمية التراث في تشكيل الهوية.
يمتلك المهندس الشايب نظرة استشـرافية قلّما نجدها في جيله، فهو يرى أن الحفاظ على التراث لا يتناقض مع التطور، بل هو شرط من شروطه، لأن المجتمع الذي ينـسى جذوره لا يستطيع أن يبني مستقبله بثقة. وقد انعكست هذه الرؤية في مشاريعه المتعددة، من تأسيس مراكز الحرف والصناعات التقليدية، إلى الدعوة المستمرة للتوازن بين الحداثة والهوية.
ما لفت انتباهي خلال الحوار هو أنه لا يتحدث عن التراث كماضٍ جامد، بل كحياة متجددة تسهم في تعزيز روح المواطنة والانتماء. هذا النوع من التفكير هو ما جعل منه شخصية أحسائية ذات تأثير واسع، تتعامل مع مفردات المكان والزمان بعقلٍ منفتح وقلبٍ مخلص.
عيون هجر:
في ضوء هذه التجربة، كيف تفسّر اهتمام الأحسائيين عمومًا بقيم التعايش والتنوع والانفتاح التي تتكرر في أحاديثك؟
عساكر:
هذه القيم الفاضلة والمثل العليا ليست طارئة على الأحساء، بل متجذّرة في طبيعة الإنسان الأحسائي منذ القدم. فالأحساء عبر تاريخها كانت ملتقى ثقافات ومذاهب، وتعايشت فيها مكونات المجتمع بانسجامٍ فريد. السلم الأهلي، والتعاون، والمودة، سمات أصيلة في الشخصية الأحسائية، تسهم في ترسيخ روح التجانس بين جميع الأطياف.
ولذلك أنا دائمًا أقول: إنّ ما يميّز الأحساء ليس أفرادها كأسماء، بل روحها الجماعية. هذه الروح هي التي شكّلت بيئة خصبة للحوار، وأسّست لمجتمعٍ يحترم التنوّع ويراه مصدرَ ثراءٍ لا تهديد. وما المهندس الشايب إلا أحد أبناء هذا النسيج الكبير والمتجانس الذي يفخر به كل من ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة.
كلمة شكر وتقدير:
عيون هجر:
قبل أن نختم هذا الحوار، نود أن نعرف لمن توجّه كلمات الشكر والامتنان في ختام هذه التجربة، سواء في إعداد البرنامج أم إنجاز الكتاب؟
عساكر:
الشكر أولاً لله تعالى على التوفيق والسداد، ثم لفريق «دردشة مع...» الذي وقف معي منذ البداية، وفي مقدمتهم ولدي عقيل الذي كان ساعدي الأيمن في التصوير الفوتوغرافي، وتحميل الحلقات في قناتي في اليوتيوب، إضافة إلى تكليفه بتوفير كل ما أحتاجه لهذا البرنامج، والأستاذ هاني الشطيب الذي تولّى مهام التصوير المرئي والمونتاج، وزَيْنَب ابنة أخي التي أبدعت في إخراج الحلقات الأخيرة، والأخ نايف العوجان الذي ساهم في تركيب الصوت والمونتاج الفني. والحق أنه لولا تعاونهم لما تمكنت من عمل هذا البرنامج، ولا رأت هذه الحلقات النور، ولا خرج هذا الكتاب من ظلمات العدم إلى أنوار الوجود.
كما لا أنسى ضيوف البرنامج جميعًا، كونهم منحوني الثقة وأتاحوا لي فرصة توثيق سيرهم. وقد غمروني بلطفهم الكبير في سرعة استجابتهم لدعوتي وحسن تعاملهم معي، فمثلا المؤرخ المرحوم جواد الرمضان مع كبر سنه وتقدمه في العمر، هو من الأصل لا يميل إلى الحوارات والظهور الإعلامي، إلى حد أنني حين طلبت من الأستاذ محمد الرمضان (أبو كميل) أن يكلمه ويخبره أنني أريد استضافته في البرنامج، اعتذر ليقينه بأنه لن يقبل بذلك، حينها بادرت أنا إلى الكلام معه وتوجيه الدعوة إليه، وكانت المفاجأة أن ظفرت بموافقته ربما في أقل من خمس دقائق، بعد أن قال لي ما مضمونه: أنا لا أعمل حوارات لكن من أجلك ولمكانتك في نفسي سأقبل بذلك، وهذه الموافقة فاجأت حتى ابنه الأستاذ المؤرخ (حسين) الذي كرّر على مسامعي عدة مرات: أنت لك مكانة خاصة لدى والدي، وإلا لما أمكن أن يقبل بمحاورتك له رغم أنه رد الكثيرين قبلك.
وحتى المهندس الشايب كانت دعوتي له في وقت هو يمرّ فيه ببعض الظروف، ومع ذلك أنا ما زلت أتذكر جوابه لي إلى اليوم: لدي بعض الظروف، لكنني أقبل بالحوار لأن الذي سيحاورني هو أنت.
فهؤلاء الضيوف الكرام هم أصحاب فضل كبير عليّ، ليس فقط لموافقتهم على الحوار معهم، بل أيضا لسمو أخلاقهم في التعامل معي حين الدعوة وأثناء الحوار وبعده، فلهم الشكر مضاعفا، أما أنا فليس لي أي فضل عليهم، فكلّ ما قمت به هو توثيق ما أنجزوه لتبقى آثارهم شاهدة للأجيال، وهو واجبي الذي لا أستحق عليه جزاء لا شكورا.
عيون هجر:
وماذا عن مصير الكتاب الآن، وهل هناك خطط لتوزيعه أو الاحتفاء به رسميًّا؟
عساكر:
الكتاب صدر حديثًا، ولذا لم يُوزّع بعد على نطاق واسع. من المقرر أن يُقام له حفل توقيع في الليلة القادمة بإذن الله، وقد سبق أن وجّهت الدعوة لفريق «عيون هجر» للحضور، والآن أجدد توجيهها إليه من خلالكم.
أتوقع أن يقوم المهندس الشايب بتوزيعه على الجهات المهتمة، مثل المكتبة العامة بالأحساء، وجامعة الملك فيصل، وبعض الباحثين والمؤسسات الثقافية. أمنيتي أن يصل هذا العمل إلى كل محبٍّ للأحساء، لأنه توثيق لجانبٍ من ذاكرتها الثقافية.
عيون هجر:
كلمة أخيرة تختم بها هذا اللقاء.
(عساكر):
أكرر شكري وتقديري لكل من شاركني هذه الرحلة الرائعة الجميلة، سواء في إعداد هذا البرنامج أم إصدار هذا الكتاب، وإن كان الشكر لا يفيهم حقهم، لما بذلوه من جهود مشكورة تكشف عن حسن منبتهم، وطيب معدنهم، وتعبر عن وفائهم الكبير لجيل رائد من المبدعين الأحسائيين الذين يستحقون التوثيق والتكريم.
وأجدد شكري وامتناني لفريق «عيون هجر» لمبادرته إلى إجراء هذا الحوار، الذي آمل أن يكون خطوة أخرى في سبيل حفظ الذاكرة الثقافية للأحساء، وترسيخ قيم الحوار والانتماء.
جديد الموقع
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا
- 2025-12-27 المهندس "المطر" يدشّن حملة التبرع بالدم في مركز صحي الفضول والختام اليوم السبت
- 2025-12-27 د.نسيبة أحمد أخصائية الجلدية بمستشفيات الحمادي: ضرورة شرب الماء الكافي وتناول الأطعمة الصحية واستخدام أجهزة الترطيب في الشتاء