أقلام وكتابات
2025/09/27 | 0 | 624
خطباء الفواتح.. رسل الشعور
للمنبر الحسيني مكانة رفيعة، لكن المنبر في مجالس العزاء الخاصة (الفواتح) يحمل طابعاً استثنائياً خاصاً، فهو ليس مجرد أعواد يعتليها الخطيب ليلقي مقالا ولا يلقي بالا، لذلك أودّ أن أقسم هذا المقال على النحو التالي:
أولاً: ربط المصاب:
نعلم جميعاً أن الوجدان الشيعي، مخضب بدم الإمام الحسين منذ مقتله عليه السلام عام61هـ لذلك كثيرًا ما يلجأ الخطيب إلى ربط مصاب الفقيد بمصيبة كربلاء، لكن هذا الربط، إن لم يكن بمهارة عالية، فقد يحيل المواساة إلى مأساة، لأن الحزن على الميت لا يزال ساخنًا كالرغيف، وأي مقارنة قاسية تستهين بفجيعة أهل المصاب قبالة فجيعة أخرى وإن كانت كربلاء، قد تُشعرهم بأن حزنهم لم يُحترم، فللحزن أيضا قيمة لا يجب أن يُستخف بها باسم التخفيف، ثم لا يستحسن من الخطيب أن يحول التعزية إلى استعراض عاطفي، عبر تذكيرهم بفقيدهم (وش حالكم الليلة إذا رجعتوا شفتوا مكانه خالي، هل شفتوا ضلع مكسور في بنتكم وانتوا تغسلونها؟، وش لون قلبك يا بوفلان وانت متعود فلان هو اللي يستقبلك لما ترجع البيت، واليوم شفت عظامه كلها منثرة بعد الحادث....) هذه كلها أمور لا تمت إلى التعزية بصلة من وجهة نظري، بل هي استثمار فج للفجيعة الخاصة، قبالة الفجيعة العامة، غرضه استدرار الدموع على الحسين وآله عليهم السلام ليس إلا، ونحن نعلم أن من أراد أن يُبكي على الحسين ففي مأساة كربلاء ما يكفي لذلك، دون التعريض بمصاب أهل العزاء، بل وصل الحال بأحد الخطباء أن تعرض للحديث عن نجاة اثنين وموت ثالثهم في حادث سير وأن الذي ربما أنجاهما هو دفع الصدقة التي تدفع البلاء، فيما لو أن الثالث فعل ما فعل صاحباه، ربما نجا، فلنتخيل أن هذا الحديث يطرح في مجلس عزاء هذا المتوفى بحضور أهله ومحبيه، كل ذلك باسم الحث على استحباب الصدقة، أي تعزية هذه
أعود للحديث عن ربط المصاب بكربلاء، وأحسب أن الخطيب البصير يعرف كيف يستلهم منها دروسًا في الصبر والرضا والثبات، لأن المواساة الحقيقية هي التي تبعث الطمأنينة في القلوب، لا التي تفتق الجرح وتضاعفه، وكذلك هي ليست مجرد إثارة للدموع بل هي محاولة لإيجاد بلسمٍ يخفف وطأة الفقد، دون أن تُمسّ خصوصية الحزن الذي جاء الخطيب والحضور من أجله.
ثانياً: الحضور:
نعلم أيضا أن الفاتحة أو (حتى التشييع) هي فضاء مفتوح يجمع القلوب من فئات شتى في مكان واحد، وعلى الخطيب استثمار هذه الظاهرة بأن يصون الوحدة من أي شق عبر احترامه التنوع والثقافات لدى الحاضرين، وأن يمد جسور الحب والحديث عن القيم الإنسانية المشتركة، وعدم إحالة المنبر إلى ساحة للصراع المذهبي أو التعريض بالرموز الأخرى باسم الولاء لفاطمة (عليها السلام) فليس للعاطفة أن تُفرّق، ولا للرثاء أن يزرع النفور، ثم للمعزّي حق الإجلال والإكبار، وذلك لا ينحصر في تقديمه إلى صدر المجلس ثم تقديم الضيافة إليه، وإنما يتعدى ذلك إلى ضرورة تجنيبه ما يجرح مشاعره، ويحط من قيمة معتقده، ولا أدعو الخطيب في المقابل إلى التنازل عن معتقده، أو تذويبه، إنما أدعو إلى مراعاة العمل النبيل الذي يقوم به مخالفه المتمثل أدائه واجب العزاء .
ثالثاً: الوقت:
الحاضرون جاءوا من طرقات عديدة وبعيدة، ومن أعمال وأشغال وتركوا أُسَراً في انتظارهم، جاء بهم الشعور النبيل وفي جيوبهم تعب الحياة، ومعاناة العيش، والخطيب اللبيب هو من يراعي هذه الأحوال، عبر التركيز على المعنى الإنساني الرفيع، مع الاختصار في الحديث، تجنباً لتعطيلهم، ومراعاة لعدم تكدسهم أثناء القراءة، ومن ثم ازدحامهم على أصحاب العزاء، بما يشق على الطرفين.
أخيرا:
ما ورد أعلاه لم يكن سوى برقية أبعثها من قلب الفجيعة، راجياً أن تشق طريقها للوصول إلى أصدقائي الخطباء الكرام جميعا، دون الحط من علو قدرهم في نفسي، ودون المساس بمقام الحزن الكربلائي العظيم.
جديد الموقع
- 2025-12-30 الحسن رئيسًا لملتقى شعراء الأحساء والعطية نائبا
- 2025-12-30 مبنى العين المسلحة تحت «التلسكوب».. نقض علمي
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء