2017/11/25 | 0 | 1445
حوار عن الخلق والكون والرحمة والدين والعلم
القانونان الأول والثاني للميكانيكا الحرارية كالآتي:
1) المادة لا تفنى ولا تستحدث ولكن تتحول من شكل إلى آخر.
2) لا يمكن إنتاج نظام من فوضى بدون تدخل عاقل (entropy).
هل المادة شيء أزلي (الأزلي شيء لا بداية له)؟ كلا. المادة شيء مُسْتَحْدَثٌ ولكل مستحدث مُحْدِثٌ. يقول علماء الكون إن المادة أمر طرأ على الكون بعد الانفجار العظيم واحتاج تكوينها لوجود مادة ومادة مضادة لأن اتحادهما يولِّد طاقة قوية جدا وتسمى الصمغ النووي (gluon) وذلك لبناء أنوية الذرات، وبدون هذا الاتحاد لا وجود للمادة، فسبحان من خلق من كل زوجين اثنين (مادة ومادة مضادة) لولادة هذا الكون العجيب.
كل انفجار في هذا الكون يُحْدِث فوضى عارمة. الانفجار العظيم أحدث أعظم فوضى في تاريخ الكون ولكن هذه الفوضى اتخذّت نظاما وولدت الكون، والنظام الكوني يمشي على عكس هذا القانون، ولذلك ليس من المعقول أن تكون مخالفة لهذا القانون إلا طبعا بتدخل كيان عاقل له القدرة أن يخلق نظاما من فوضى.
الله زرع قوانين في هذا الكون ليتحول من فوضى إلى نظام. الله لم يخلق هذا الكون بروايات أو لغة بشرية، وإن جهد البعض على ترسيخ هذا المفهوم بصبغة دينية. الله خلق الكون بعلمه والذي يتجلى اليوم للعلماء التجريبيين بقوانين فيزيائية تعتمد على رياضيات، وتبقى الرياضيات أقرب لغة يمكن من خلالها صياغة الكون، والفيزياء أفضل سبيل لفهم هذا الكون. الرياضيات + الفيزياء أفضل سبيل لفهم المخلوقات، ومعرفة الخالق لا تتم إلى بمعرفة مخلوقاته، وليس من المعقول أن يقفز أي منا فوق حواجز العلم ليصل للمعرفة المطلقة دون التدرج في سلالم العلم. ويتوهم من يظن أنه يعرف الله وهو لا يعرف مخلوقاته: تدبروا في خلق الله ولا تدبروا في ذاته. البعض يقول كيف تقفز على العلوم الأخرى مثل الكيمياء والأحياء ...الخ. الجواب هو كل هذه العلوم بما فيها الأحياء تنضوي تحت مظلة الفيزياء لأن لكل شيء تفسير فيزيائي بما في ذلك التفاعلات الكيميائية والخصائص الأسموزية لخلايا الكائن الحي.
النبوة كلمة قد نستفيد منها الإخبار بالأنباء أو التنبؤ بالمستقبل. الأنبياء أتوا لأقوامهم لغربلة الموروث وتنقيته من الشوائب وتطوير الحاضر والتخطيط للمستقبل، ولا يمكن لوراثتهم أن تتم إلا بهذه البنود. ليس من المعقول أن يرث الأنبياء أشخاص متشبثون بالماضي ويحاولون تغيير الحاضر ليتناسب مع ما مضى وفوق ذلك لا يعيرون أي اهتمام للمستقبل؛ بل لا ترى كلمة المستقبل تطرأ على ألسنتهم، ولو فعلوا فعلا لما رأيت القوم يعيدون نفس الأخطاء جيلا بعد جيل.
ما هدفية الخلق؟ حسب القرآن الخلافة، والخلافة لا تتم إلا بالعلم لأن الله خلق كل شيء بالعلم (الحمد لله على حلمه بعد علمه)، هذا بالإضافة للأخلاق والرحمة. نعم، العبادة تنضوي تحت هدفية الخلق، ولكن ما معنى العبادة؟ هل هي الطقوس الشكلية أو التدبّر والتفكّر؟ حسب القرآن، التدبر والتفكر. القرآن لم يولِ اهتماما كثيرا للشكليات وركز كثيرا على ما تحوي الصدور، بل أهمل في كثير من الأحيان تلك الشكليات (كما في الصلاة) لكنه لم يهمل روحها (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
المصيبة، أن كلَّ جهلٍ يُروج له تحت عباءة دينية يتم قبوله بسهولة وبقداسة مفرطة، وفي الواقع لا يمكن لعالم حقيقي أن يتّهم العلم التجريبي الذي أنفذنا من أقطار السماء أو الذي أخذ يعالج القلوب والأوعية الدموية بالقسطرة، وهذا ما تراه العين (الفرق بين الحق والباطل أربعة أصابع) ومن يجلد في العلوم التجريبية ومنها الطب فلا يمكن له أن يحمل فكر شخص متخرج من المرحلة الثانوية ناهيك أن يطلق عليه مسمى عالم؛ نعم، قد يكون عالما على مجموعة من الجاهلين (الأعور على العميان باشا).
أين الرحمة؟ هل من الرحمة أن ينتظر البعض الحجة (عج) ليستعبدوا الكفار ويسبون نساءهم ويجعلون منهن جواري يذهب أصحاب مَالِكِهن لهن لساعة أو نصف لقضاء حاجة وتفريغ شهوات حيوانية؟! وفوق كل هذا الظلم والحيف للإنسان الذي كرّمه الله في الدنيا (بالإضافة إلى الحكم عليه بالنجاسة) يدخله البعض النار؟! وكأن الجنة ملك لهم يتصرفون فيها كما يشاؤون بعيدا عن يد العدل الإلهية وعن رحمته المتجلية التي وسعت كلَّ شيء.
أين الأثر؟ البشر توصلوا لله من خلال الأثر حيث لا تجد أمة إلا ويعبدون خالق إذ يتصورونه هم بأذهانهم البسيطة، ولكن الله لم يهمل هؤلاء البشر إذ جعل لكل أمة بشير ونذير، وإن اختلف الناس بعدها فهذا بسبب جهلهم وليس بسبب إهمال الخالق لهم، والناس للأسف مجبولة على تقديس الجهل مع وجود مستغلين لهذا الجهل وهم أولئك الذين يناضلون من أجل تغييب العقول. علماء التجربة، يدرسون الكون من خلال الأثر بنسبة تزيد على 99.99% حيث من المستحيل لنا أن نذهب للشمس لنأخذ منها عينة ونحللها في المختبر. عرفنا محتويات الشمس من خلال الأطياف وهي عبارة عن ألوان مختلفة لكل عنصر، ومنها عرفنا أن أكثر مكونات الشمس من الهيدروجين ثم الهيليوم. وكذلك نقيس بُعْدَ الأجرامِ السماويةِ من خلال الأثر، ونعرف ما في باطن الأرض من خلال الأثر. قال تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا. وقال أيضا: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ. وهذه نصوص قرآنية صريحة ولا لبس فيها أن اتباع الحق له أثر إيجابي في الدنيا، ولكن الكل يدعي الحق، ودليله الأثر الذي يتركه هذا الحق على أهله، فليس من المعقول أن يتذيل قوم المستوى الحضاري والعلمي والاستهلاكي ومن ثم يدّعون الحق المطلق؟!
العلم يؤدّي إلى نفس النتيجة وإن اختلفت السبل والمدارس. وعلى سبيل المثال، أمريكا والاتحاد السوڨيتي نفذوا من أقطار السماء رغم العداء بينهما لأن أساس معرفتهم العلم، وكذلك نحن اليوم نستطيع حساب مساحة الدائرة على الأقل بثلاثة طرق؛ هندسية، وجبرية، وتكاملية. لكن عندما نرى قوما يأتون من نفس الخلفية ونفس المدرسة ونفس الفكر ونفس المصادر ولكن لا نراهم يتفقون في رأي، فهذا أمر يثير العجب واقعا. أين تجلي المعرفة وأين أثرها؟ وأين أثر هذا العلم على التابع والمتبوع؟!
هل العبادة شيء ميكانيكي وشكلي وطقوسي؟ لو كانت كذلك لاكتفى الله بخلق الملائكة الذين يقدسونه ويسبحون له ولا يعصون ويفعلون ما يؤمرون، ولكن للعبادة منظور آخر من قِبل الخالق الكريم لأنه يعلم ما لا نعلم، وإذا انحرفت بوصلة العبادة للشكليات والطقوس بدلا من محاولة معرفة الله من خلال خلقه العجيب (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته) فهذا يوحي أن القائمين على مثل هذه الأمور لا يستطيعون واقعا النهوض بالعقل لكمال المعرفة ولذلك السبيل الوحيد لهم التركيز على الشكليات بعيدا عن المضامين.
قال تعالى: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. فهل التنافس في بيع العقول وتسليمها للغير؟ أو كما قال الكاتب محمد الخباز في مقدمة كتابه (صورة المرأة في التراث الشيعي، تفكيك لآليات العقل النصي): "النقد في المجتمعات الدينية، هو بمنزلة الجريمة التي يُعاقَبُ عليها الإنسان، فالمجتمع الديني يجعل من التسليم مرادفاً للإيمان، والإيمان مرادفاً للثبات على الموروث، والثبات على الموروث مرادفاً للتدين". هل التنافس في الابتذال في الطقوس والتشبث بالموروث بحلوه ومره أو القويم منه بالمعوج؟ هل التنافس يأتي في طرح مشروعية وفلسفة السب في القرآن؟ أو التنافس في الإقرار بالإعجاز والمعجز دون النظر لكيفية عمله؟ مثلا، كان معرفة جنس الجنين وقت الرسالة المباركة من الإعجاز، ولكن اليوم هي أمر حقيقي ولم يعد من الإعجاز. وكذلك تكوين جنين بدون ذكر كان من الإعجاز، والعلم قبل أكثر من عشرين سنة تمكن من خلق نعجة (دوللي) بدون ذكر. إذا استمر البعض على الإيمان بالمعاجز (نحن مؤمنون أن الله لا يعجزه شيء ولكن الله خلق الأمور بنواميس معينة لن تجد لها تحويلا أو تبديلا) فإن هؤلاء البعض لن يتقدموا خطوة للأمام وسيبقون في القاع يتنافسون على الشكليات والابتذال في الطقوس وفنون السب واكتشاف طرق جديدة للاعتداء على كل من اختلف لأن أمورهم لا يمكن لها أن تستوي إلا بهذه الأساليب الهزيلة والضعيفة.
جديد الموقع
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي