2017/07/04 | 1 | 1433
الولاية التكوينية
بسم الله الرحمن الرحيم -
قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ «٤٠» – صدق الله العلي العظيم – النمل.
لنفرض أن س = ص وأن أ = ب. رياضيا لا نستطيع أن نقول س = ب بما أن س = ص لعدم وجود أي علاقة بين هذه المتغيرات، وقد يجادل البعض أنه في حالة س = أ فإن س = ب، ولكن هذه حالة شرطية وشاذة أيضا لأنه وعلى خط الأعداد هناك فرصة واحدة فقط لأن تكون س تساوي أ بينما هناك عدد لا متناهٍ من الأرقام عندما لا تتساوي قيمتي أ و س. وهكذا يفكر الرياضيون الذين يبنون استنتاجاتهم على الراجح وليس على الشاذ.
الولاية التكوينية نظرية يؤمن بها أكثر الشيعة، وهي قدرة النبي محمد (ص) أو أحد أفراد عترته من الأئمة (ع) على التصرف في الكون كيفما يشاؤون، وهذه تبقى مجرد نظرية قابلة للأخذ والرد وعصية على الإثبات في وقتنا الحالي، وهناك أيضا نظريات مشابهة عند الشيعة مثل ولاية الفقيه أو وجوب التقليد وغيرهم وهذه من الأمور التي يختلف عليها أساسا فقهاء الشيعة ومنها يختلف العوام على حسب ميولاتهم وعلى من يرتضون أو يسخطون ولكن دون علم لأن مثل هذا النوع من الجماهير يقولون إنهم لا يعلمون ولذلك يسلمون رقبتهم لعالم يعلم، ولكن من أين أتى لهم العلم لأن يرجحوا قول فقيه على آخر لدرجة شن الحروب الإعلامية والكلامية في بعض الأحيان؟!
يستند المؤيدون على الولاية التكوينية من قدرة آصف من برخيا عندما أحضر عرش بلقيس في لمح البصر، والله لم يقل إن آصف عنده قدرة تكوينية ولكن وصفه بأن عنده علم من الكتاب، والإشارة للعلم واضحة الدلالة ولا وجود لأي إشارة أو تلميح على قدرة تكوينية. ولو افترضنا أن آصف امتلك هذه القدرة التكوينية، هذا الافتراض لا يمكن إسقاطه على غير آصف لأننا سنعود للمسألة المطروحة وهي هل س = ب كون س = ص ولا نعلم ما علاقتها بـ أ؟!
أنا لا رأي لي في هذه القضية وأظن أنه غير مهم ولن يغيّر الواقع؛ نعم أؤمن بأفضلية محمد (ص) وآله ودليلي القوي في الوقت الراهن هو القرآن كما أوصى الرسول (ص) مع غياب الثقل الثاني عن مجال التعاطي حيث تبقى الروايات محل أخذ ورد حتى من قِبَلِ المتخصصين في هذا الأمر، ولا يمكن للرواية أن تساوي الآل (هل يقبل الشيعة أن يساوي السنة الرسول –ص– بالحديث؟) كما يحاول أن يروج البعض وهذا غير ممكن أصلا لأن إشكال الشيعة على "كتاب الله وسنتي" أن الكتاب قول والسنة قول قد يشوبها الخطأ البريء أو المتعمد، ومنها وجب علينا جميعا عرض أي رواية على القرآن كما أوصى أهل البيت (ع) أنفسهم حيث قال الإمام جعفر الصادق (ع): "سيتقول عنا الأقاويل ... اعرضوا ما أتاكم عنا على كتاب الله فخذوا به إن وافقه أو اضربوا به عرض الجدار". وكذلك هناك ضابطة قرآنية لقبول الرواية أو رفضها حسب ما أتى في الآية ١٨ من سورة الزمر: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ). وفي وقتنا الراهن يمكننا أيضا أن نستخدم العلم للتحقق من صحة هذه الروايات لأنه من المستحيل أن يتعارض كلام لمعصوم مع العلم الثابت وإلا سقطت عصمته، فمن غير اللائق والمعقول أن نضحي بشخص الإمام لأجل رواية، وهذا حديث يطول ويتشعب ولا نريد أن نفتح أبوابه من كل جانب.
قد تكون هناك اختلافات في تصوّر الخالق عزّ وجلّ بين الناس. هناك من يعتقد أن الله أعلم الأعلمين وخلق كل شيء بعلمه وبدقة متناهية لا يمكن أن يصيبها الخلل ولو بمقدار ضئيل كما هو الحال مع الثوابت في هذا الكون ومنها الثابت الكوني التي تصل درجة دقته إلى ٥٢ خانة فلو اختلفت الخانة ٥٢ بمقدار واحد في الزيادة لانكمش الكون على بعضه ولو نقص بمقدار واحد فقط بعد هذه الخانة لتبعثر الكون، وفي كلتا الحالتين لا يتكون أيّ كون. وقد أودع الله جزءا من علمه في هذا الكون فمن عباده من ورثه ومنهم من اكتسبه، وهذا ما يشير الله إليه بخصوص آصف والذي لا نعلم كيفية صيرورة هذا العلم، وراثة أو اكتساب وهذا ليس هو المهم، ولكن الذي نعرفه ومن صريح الآية أن آصف استطاع نقل عرش بلقيس بالعلم. هناك فريق آخر يظن أن الله كيانا يمتلك عصا سحرية (إن صحّ المجاز) وأخذ هذه العصا ويشير بها إلى الأشياء ليخلقها وبعد إتمام الخلق أخذ أجزاء من هذه العصا ووزعها على بعض من خلقه ليفعلوا في هذا الكون ما يشاؤون.
سأذكر قصة مجازية لتوضيح الغرض. لنفرض أن هناك سباق لدراجات هوائية فأحضر الجميع دراجاتهم استعداد للسباق وبما أن ربّ السباق يحب متسابقين دون غيرهم قام وأهداهم درّاجات تعمل بالطاقة الميكانيكية وبها محركات. من المؤكد أن من يمتلك الدراجة الآلية سيفوز، ولكن هل فوزهم هذا انعكاس لأفضليتهم؟ واقعا، الناس (المتسابقون والجمهور) سيتذمرون ويرفضون هذا الانحياز الفجّ، فيصر ربّ السباق على أفضلية المتسابقين ذوي الدراجات السحرية ويفرض هذه الأفضلية على الجميع ومن عصى يحكم عليه بالعصا!
هذه القصة المجازية تعكس تصور الخالق (رب السباق) وأهل البيت (ذوي الدرّاجات المميزة) عند البعض. واقعا، هذا تصور غير منطقي إذ يعكس انحياز الله سبحانه (وهو أعدل العادلين) لمجموعة من خلقه لا يمتلكون الأهلية الكافية لذلك أعطاهم جزءا من قدرته لكي يثبت هؤلاء أهليتهم؟!
أظن أننا بحاجة إلى تصحيح بعض المفاهيم كي لا نسيء لله سبحانه وتعالى ونتهمه ضمنا بالانحياز وكذلك لكيلا نستنقص أيضا من قدرات ومؤهلات أهل البيت (ع) لتجبر الله أن يعطيهم أدواتا تكوينية لا يمتلكها غيرهم وبذلك نصوّر أن كينونتهم البشرية لا تؤهلهم لأن يكونوا الأفضل وهذا ما اضطر الله أن يتدخل ليغطي هذا النقص. كيف يكونون هم الأفضل والأجدر إذا أعطاهم الله قوى خارقة لا يمتلكها سواهم؟ أين الجدارة؟
جديد الموقع
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
تعليقات
حسين
2017-07-04السلام عليكم أحب أن ألفت نظر الكاتب الكريم إلى أن الاعتقاد بالولاية التكوينية ليس من عقائد الشيعة ولا يؤمن بالمسألة المذكورة أكثر الشيعة كما ورد في المقال ، ولا أصل لمصطلح ( الولاية التكوينية ) في التاريخ العقدي الشيعي ، وهي من حيث المضمون لو تجاوزنا المصطلح تلتقي مع المعتقدات الغنوصية التي تلقفها الصوفية وأعادوا تدويرها وأصلوها بالمكاشفات والواردات وما شابه من أدلة مصدرها الذوق أو القلب الذي لا يثبت بدليل معتبر بل هو يصرح بمناوءته للدليل والبرهان ، ثم تلقف المضمون المذكور الغلاة الذين حاربهم الأئمة عليهم السلام ملخصين مقامهم بأنهم عباد مكرمون أذهب الله عنهم الرجس ونصبهم هداة للدين يبلغون رسالات الله ، فوظيفتهم الدعوة إلى الله وليس التصرف بنواميس الكون ، ويمكن الرجوع إلى المصادر العقدية الأصلية غير المتأثرة بمنهج المتصوفة والغلاة لتجلية الأمر ومنها كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد وغيره من الكتب المعتبرة . ولا ننكر أن وسائل انتشار الكتابات هذه الأيام قد ساهمت في الترويج لأقوال غير المتخصصين القائلين بالمسألة المذكورة ، مع ترويج مناوئي الشيعة لها ولكل الآراء الشاذة بغية تعميمها ووصم الشيعة كلهم بالغلو . وكلمة أخيرة لا بد أن تقال : إن المروجين للولاية التكوينة وواسطة الفيض المعادل الموضوعي لنظرية العقول أو المثل في الفلسفة اليونانية وما قبلها ، لا نجدهم يدرسون حركة أهل البيت حضارياً ، فلا علومهم ولا حراكهم التبليغي يعنيان لهؤلاء الغلاة والغنوصيين شيئاً ، بل إنهم لا يستطيعون أن يفهموا أهل البيت من خلال حجيتهم العلمية والعملية على أهل الأرض ، فعوضوا عن ذلك بإعطائهم صفات الخلق وتدبير الكون وإفاضة الوجود ليوهموا الناس بمنسوب التقديس العالي في عقيدتهم وولائهم ، ويلتقوا مع الغلاة الذين حاربهم الأئمة وواجهوهم في زمنهم .. بل إن من بدع الغلاة المعاصرين أنهم صاروا يرمون من يقف مع أهل البيت في رفض الغلو والتفويض ومستعارات التصوف والغنوصيات بالتقصير ليساووهم بالنصب مع الأسف ، ومن يدقق في الأمر سيكتشف أن الغلو ما هو إلا نصب مسرحي غايته تنفير الناس من أهل البيت ، وفي رواياتهم - عليهم السلام - شواهد تشير إلى مكر أعدائهم في عملهم على تكوين تيار الغلو والترويج له بقوة ...! "من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصمُ إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قي من خير أهل الأرض قيل همُ " " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " ولله الأمر من قبل ومن بعد .