رواية سرمد تخصصت في تقنية التخدير

 أصدرتُ أربع روايات، وبعد أن اكتملت تجربة الكتابة ونضجت الفكرة، وصرتُ أحتاج إلى المزيد من الاستفادة من خبرات الآخرين، وتقييم النقد الأدبي، والاطلاع على كل رواية عن كثب لمعرفة نقاط القوة والضعف.

وقد تُوّج هذا الإنجاز بالحصول على شهادة تخصص تقنية التخدير.

فلنتعرّف على التخدير:

هو إجراء طبي يتم فيه إعطاء المريض أدوية معينة تؤدي إلى فقدان الإحساس والشعور. وقد يكون التخدير موضعيًا في منطقة محددة من الجسم، حيث يُعطى الدواء في تلك المنطقة فقط، أو يكون تخديرًا عامًا يُؤثر على الجسم كله، ويُستخدم عادة في العمليات الجراحية الكبرى.

بعد سنوات من الدراسة والتدريب، أصبحتُ بانتظار الوظيفة.

وخلال فترة التدريب، عملت مع طبيب التخدير والفريق الطبي من المساعدين. كنا نرافق المرضى قبل العمليات الجراحية، ونشارك في قسم وحدة الألم. ولا زال شعارنا: حالتك الصحية تحت اهتمامنا.

نحن، كفريق طبي متخصص في التخدير، نعمل خلف الكواليس. وكثيرًا ما كنتُ أقول للمريض: نم بسلام، ودَع الطبيب الجراح يعمل ما يلزم لك. وهو مطمئن أننا نراقب حالته بدقة، ونتأكد من استقراره الصحي، دون أي آثار جانبية تُؤخر أو تُعيق إجراء العملية.

موقف مؤثر:

جاء مريض إلى العيادة يتقدّم خطوة ويتراجع خطوتين. كان القلق ظاهرًا عليه. طلبنا منه أن يذكر الله ويُصلّي على محمد وآل محمد، وطمأنّاه بأنه سيتم فحصه والتأكد من جاهزيته للعملية.

قال لنا بصوت مرتجف:

أخاف من التخدير... لا أستطيع أن أغيب عن الوعي. أخاف أن أنام وتُسحب روحي مع التخدير.

قلنا له: الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، لكننا نحرص على إعطائك جرعة التخدير المناسبة لوزنك وعمرك ونوع العملية. نعم، قد تظهر بعض الآثار الجانبية، لكننا نتابع الحالة ونعالج أي طارئ بعد العملية.

نشرح للمريض دومًا:

بعد العملية، تبقى في غرفة الإفاقة، نتابع تنفسك وضغطك ووظائف أجهزتك، ونمنعك من الأكل قبل وبعد العملية لتجنّب الغثيان أو القيء. كما نتأكد من سلامة الجهاز البولي، وأنك ذهبت إلى الحمام. الفريق الجراحي يتابع مع فريق التخدير قبل وبعد العملية. نحن نتعامل مع المريض كما لو كان محمولًا على كفوف الراحة.

داخل غرفة العمليات:

دخل المريض غرفة العمليات. بدأ طبيب التخدير التحضيرات، وكنتُ أذكره بذكر الله والصلاة على محمد وآل محمد. أخذ يرددها بهدوء، حتى بعد أن بدأ مفعول التخدير، كانت شفتاه تتحرك وأصابعه تنقبض وتنبسط كأنه يسبّح ويذكر الله.

هنا انتابني الخوف عليه، فدعوت له بالسلامة، وتصدقت عنه، وقلت في نفسي: لا يرد القضاء إلا الدعاء. وقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبرامًا، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة.

والحمد لله، انتهت العملية بنجاح:

تابعته في غرفة الإفاقة، ولا تزال يده تتحرك في تسبيح. أفاق، ثم نُقل إلى غرفته في قسم التنويم، وزرناه مع الطبيب المعالج. قال له طبيب التخدير مبتسمًا: أنت في أحسن حال... لقد كنتَ مصدر قلق لنا بخوفك، وجعلتنا ندعو لك من القلب. وأختنا الكاتبة والروائية صدّقت ودعت لك، وها أنت الآن بخير.

بعد هذه التجربة:

تجدّدت في داخلي الهمّة لإكمال دراستي، والحصول على شهادة الدكتوراه في مجال التخدير. أريد أن أظل أعتني بالمريض، وأراقبه عن قرب، خاصة في تلك اللحظة التي يسلّم فيها جسده لنا، ويغيب عن الوعي بثقة كاملة. نحن نُحقن معه، نشعر به، ونخشى أن نؤذيه. نبذل كل ما بوسعنا لتجنب أي أثر جانبي لا يمكن تداركه – لا قدّر الله.

وفي الختام، نبارك لها هذا التخرج والتفوق، ونتمنى لها النجاح في كتابة روايات أخرى، تلامس القلوب، وتنتشر في العالم، ونراها في مكان مرموق على رفوف أشهر المكتبات، وتصل إلى عقول وقلوب القرّاء.