2023/01/08 | 0 | 2255
عبد الوهاب أبوزيد: الشهرة أوشكت أن تكون مرادفة للرداءة
صحيفة عمان -حوار - حسن عبد الموجود
يرى أن الشعر أبعد ما يكون عن إمكانية تعريفه:
*لا أدري لماذا أصبحت الرومانسية «سيئة السمعة»
*هناك الكثير مما يُكتب في قوالب شعرية «حداثية» أبعد ما يكون عن الشعر
*بعض القصائد تمارين لفظية وأكروبات لغوية وعبث شكلاني
*أحترم وأقدر كثيرًا قصيدة النثر وشعراءها الحقيقيين
*أحب شعر محمود درويش كثيرًا ولا أمل من الرجوع إليه
*بيسوا أوحى لي أن الشاعر يستطيع أن يكون كلاسيكيًّا ورومانسيًّا وحداثيًّا وشعبيًّا
*الشعراء الذين أخذوا حقهم النقدي والإعلامي قليلون جدًّا
*ترجمة الشعر صعبة ولكنها صعوبة مستلذة ومحببة إلى النفس
*فرحتي شخصيًّا بترجمة قصيدة جديدة جيدة لا تقل عن فرحتي بكتابة نص جديد
______________________________
تنطبق مقولة «الشعر عزيز» على تجربة الشاعر السعودي عبد الوهاب أبوزيد، فرغم أنها تمتد لأكثر من 15 عاماً، إلا أنه لم يُصدِر إلى الآن سوى أربعة دواوين هي «لي ما أشاء»، «ولا قبلها من نساء ولا بعدها من أحد»، «عشاء وحيد لروحي الوحيدة»، و«لا تترك الليل وحده».
لا يزال أبوزيد بعيداً عن قصيدة النثر، لا يقاطعها، ولكنه يخلص لقصيدة التفعيلة، وينسجم أكثر مع إيقاعها، ولا يستبعد أن يصدر له ديوان نثري في المستقبل، وهو يحترم شعراءها الجادين، ويرى أن أفضل القصائد التي تُكتب حالياً هي من إنتاجهم.
عبد الوهاب أبوزيد صوت شعري جاد في الثقافة السعودية والعربية، وهو أيضاً مترجم متميز نقل للعربية عدداً مهماً من التجارب العالمية. في هذا الحوار يتحدث عبد الوهاب عن تجاور الشاعر والمترجم داخله وأيهما أثر على الآخر، وطموحه للشعر وللكتابة والترجمة.
_______________________________
- لماذا أنت مهتم بتعريف الشعر في قصائدك، وعلى سبيل المثال «محاولات بائسة لتعريف القصيدة» و«القصيدة تبكي وتضحك» في ديوانك «عشاء وحيد لروحي الوحيدة»؟
لا أنظر إلى الأمر من زاوية اهتمامي وحرصي على تقديم تعريف للشعر، لأن الشعر أبعد ما يكون ربما عن إمكانية تعريفه، بقدر ما يعبر ذلك عن انشغالي وهوسي ربما بالشعر عمومًا، وبالقصيدة على وجه الخصوص. لطالما كنت مفتونًا، دون نية مسبقة وتخطيط مسبق، بالحديث عن الشعر بالشعر، ومحاولة القبض على جوهره بالكلمات في مهمة أجمل ما فيها أنها مستحيلة.
الشعراء يهتمون بالليل منذ خاطبه امرؤ القيس: «ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي» وحتى خصصتَ له أنت ديواناً كاملاً هو «لا تترك الليل وحده». لماذا الشعراء مغرمون بالليل، وما الرؤية التي أضفتها أنت إلى قصيدة الليل إن جاز التعبير؟
بين الليل والشعر كثير من التشابه، فكلاهما غامض ومبهم ومليء بالأسرار والحُجب. ثم إن الليل يرتبط عادة وغالبًا بالهدوء والسكون والسكينة والصمت، وهي أمور ضرورية يحتاجها الشاعر لكي يهيئ لنفسه الأجواء المناسبة لميلاد القصيدة المحتملة التي تأتي أحيانًا، ويكون انتظارها بلا طائل في أحيان كثيرة.
- كثير من الشعراء يعتبرون أن وصفهم بالرومانسيين أو شعراء الحب سُبَّة.. فلماذا لا يقلقك أن يطلق عليك البعض هذا اللقب؟
لا أدري حقيقة لماذا أصبحت الرومانسية «سيئة السمعة» بهذا القدر وهذه الدرجة لدى الشعراء والنقاد والدارسين، خاصة حين تكون الرومانسية «متخففة» إن صح التعبير مما يقيد ويثقل القصيدة الرومانسية بصورتها التقليدية المحضة من هيام ساذج بالطبيعة وتفجع مفرط على الذات وفجاجة ظاهرة أحيانًا في التعبير.
شخصيًّا لا أحسب أنني شاعر رومانسي ولا أنظر إلى نفسي على هذا النحو ومن هذه الزاوية. صحيح أن هناك ملامح رومانسية واضحة في كثير من قصائدي، ولكن هناك جوانب أخرى وقصائد أخرى كثيرة بعيدة فيما أحسب عن المناخ الرومانسي الذي لا أتبرأ منه ولا أعلن انقلابي عليه كليًّا، وإن حاولت ذلك في مرحلة ما من مراحل كتابتي للقصيدة بتأثير من النقاد والأقران معًا.
- أصدرت إلى الآن أربع مجموعات شعرية في 14 عاماً أولها كان «لي ما أشاء» 2008.. لماذا أنت مقل في إنتاجك الشعري؟ وهل تصدق مقولة «الشعر عزيز» على إنتاجك؟
ربما أكون مقلًّا حين أقارن نفسي بشعراء آخرين، وقد لا أكون كذلك حين أقارن نفسي مع شعراء آخرين أقل إنتاجًا مني. المسألة فيها شيء أو ربما كثير من النسبية. ثم إن ما نشرته حتى الآن في كتب، لا يمثل كامل نتاجي الصالح للنشر كما أرى، فهناك كثير من القصائد المشتتة التي ما تزال بانتظار دورها لتولد في هيئة كتب، وبعض هذه الكتب تعتمل في ذهني الآن أو منذ مدة طويلة، ولكنها بانتظار لحظة المخاض المناسبة التي كثيرًا ما تتأخر لأسباب عدة مرتبطة غالبًا بمشاغل العمل والحياة وارتباطات الكتابة والترجمة الأخرى.
- هل اشتغالك بالترجمة هو ما أثَّر عليك كشاعر بالسلب؟
ربما يكون العكس صحيحًا. لا أدري حقيقة. ما لا شك فيها هو أن الوقت والجهد الكبيرين اللذين تتطلبهما الترجمة يؤثران ويجوران على الوقت والجهد اللذين يفترض تخصيصهما للانصراف لكتابة الشعر والاهتمام بتنقيحه ومراجعته ومن ثم إخراجه في صورة كتب، كان من الممكن ومن اليسير نظريًّا أن تكون ضعف ما هي عليه الآن حسب تقدير أولي سريع.
ألا يُقلقك أن تُصنَّف كلاسيكياً خاصة وأنت حتى الآن لم تغادر الشكل التقليدي للقصيدة سواء في شكلها العمودي أو التفعيلي؟
أبدًا! دعني أخبرك بأمر ما مهم بالنسبة لي. الشكل والتصنيف الذي يتخذ من الشكل معيارًا له لا يهمني ولا يعني لي شيئًا. الشعر شعر في أيما قالب صب فيه، وفي أيما شكل انتمى إليه. هناك الكثير مما يكتب في قوالب شعرية «حداثية» و«تجريبية» وهو أبعد ما يكون عن الشعر، على الأقل كما أرى وللآخرين أن يروا ما يرونه حيال هذا الأمر بالطبع، فهو لا يعدو كونه تمارين لفظية وأكروباتات لغوية وعبثًا شكلانيًّا يتشبه بالحداثة وهي منه براء.
- وما رؤيتك لقصيدة النثر وشعرائها؟ وهل يمكن أن يصدر لك في يوم من الأيام ديوانٌ نثريٌ؟
أحترم وأقدر كثيرًا قصيدة النثر وشعراءها الحقيقيين طبعًا، وليس كل من تسلل إلى فضائها الشاسع والمغري من أشباه الشعراء أو من يحسبون أنفسهم شعراء وما هم كذلك. وفي رأيي، أن أغلب الشعر الحقيقي الذي يكتب الآن ينتمي إلى قصيدة النثر، إذ أن أغلب ما يكتب الآن بشكلي القصيدة التناظري والتفعيلي بعيد عن التميز والجدة والوهج والروح التي يُستدل بها على جمرة الشعر المتقدة بين الرماد.
الشكل الحر والمتحرر من قيود القصيدة الكلاسيكية، بشكليها التناظري والتفعيلي، الذي تتمتع به قصيدة النثر يتيح للشاعر أن يخوض مغامرات وتجارب كتابية ويخوض في عوالم غير مسبوقة وغير مألوفة، شريطة توفر الموهبة والقدرة والمهارة الكافية للإبحار في محيط هذه القصيدة الشاسع الذي لا يحسن السباحة فيه والإبحار فيه إلا قليل من الشعراء الحقيقيين، وللأسف الشديد لست واحدًا منهم، وإن كنت قد جربت وكتبت قصائد قليلة جدًا وفق هذا النمط بالغ الصعوبة وإن بدا سهلًا ومستسهلًا لمن لا يدرك جوهر الشعر وحقيقته.
هل سأصدر كتابًا مخصصًا لقصيدة النثر؟ مما يلوح في الأفق القريب، لا أظن ذلك ممكنًا، ولكن من يدري! قد أفلح في مفاجأة نفسي وأتخطى العقبات التي حالت بيني وبين كتابة قصيدة النثر بشكل جدي حتى الآن.
- قلت إن إيقاع القصيدة يُسيطر عليك دائماً.. فهل الشعر لا ينبغي له تحت أي ظرف أن يتخلى طواعية عن الموسيقى؟
صحيح! لدرجة أنني أحس كثيرًا بالملل والتململ والسأم من قيود الإيقاع التي لم أختر لنفسي أن أكون أسيرًا لها وواقعًا تحت سطوتها. لا يعني ذلك أنني أكره الإيقاع أو أجد في نفسي حرجًا من الخضوع لإملاءته، ولكن الإيقاع يظل قيدًا مهما كان جميلًا ومريحًا للنفس والأذن. أما فيما يخص التخلي طواعية عن الموسيقى، فلا أظن في ذلك ما يضير بالشعر ولا يقلل من درجة الشعرية فيه، بل إنه قد يعززها وينميها ويسمو بها، ويظل ذلك مرتبطًا بمدى قدرة الشاعر على استغلال حرية الخروج على القيد الموسيقي الظاهري، كما يحدث عادة لدى شعراء قصيدة النثر المميزين.
- من هم أساتذتك شعرياً سواء من العرب أو من الشعراء العالميين.. ولماذا؟
الحديث عن ذلك قد يطول ربما، ولعلي أستطيع القول إن كل من قرأت له وأحببت شعره أعده أستاذًا ومعلمًا لي، حتى إن كان أصغر سنًا وأحدث تجربة مني. قال الصديق الشاعر جاسم الصحيح ذات مرة عني أنني «مستعمرة درويشية خضراء»، طبعًا نسبة إلى الشاعر العظيم محمود درويش. لا أدري عن مدى صحة ودقة ذلك، ولكن ما أدري عنه وأعرفه على وجه اليقين هو أنني أحب شعر درويش كثيرًا وقد قرأته كثيرًا، ولا أمل من الرجوع إليه، ومن الطبيعي أن يتسرب أثر منه إلى بعض نصوصي. هناك شعراء كثيرون تعلمت منهم ومن نصوصهم، ولعلي أذكر منهم محمد العلي ومحمد الثبيتي وأمل دنقل ومحمود البريكان وسعدي يوسف وفوزي كريم وطاهر رياض وعبدالقادر الحصني وآخرون كثيرون طبعًا.
بالنسبة للشعراء العالميين، هناك شاعر واحد أكثر من غيره ربما كان له تأثير كبير عليّ وعلى تجربتي وعدم وجود غضاضة في نفسي أن أكتب بأكثر من شكل شعري وبأساليب وطرق عدة وببعض اللهجات المحلية أحيانًا. ذلك الشاعر هو فيرناندو بيسوا الذي كما هو معروف عنه كتب بأسماء مستعارة عدة، ولكل شاعر من هؤلاء الشعراء المتوهمين والمتخيلين أو الأنداد، كما كان يسميهم، أسلوبه الخاص وطريقته ونبرته الخاصة في الكتابة. وهو ما أوحى لي بفكرة إمكانية أن تحتوي ذات الشاعر على ذوات أخرى مصغرة ومتفرعة عنها، إن صح التعبير، فالشاعر نفسه يستطيع أن يكون تارة شاعرًا كلاسيكيًّا، وتارة رومانسيًّا، وتارة حداثيًّا، وحينًا شعبيًّا، وأحيانًا جادًّا، وأخرى هازلًا، وهكذا.
- وهل ترى أنك أخذت حقك نقدياً وإعلامياً؟
الشعراء الذين أخذوا حقهم النقدي والإعلامي قليلون جدًّا وربما يمثلون حالة استثنائية في هذا السياق، فهناك شعراء كثر، ولا أزعم أنني منهم، لم ينالوا حقهم نقديًّا وإعلاميًّا، بل إنهم شبه مجهولين، لأنهم لا يحبون الظهور أو لا يجيدون فن تسويق الذات، خاصة في زمن باتت الشهرة فيه سيئة السمعة بكل ما للكلمة من معنى، فما يشتهر الآن ويظهر إلى السطح هو الرديء في الغالب، في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة، حتى أوشكت الشهرة أن تكون مرادفة للرداءة.
- هل ترجمة الشعر هي أكثر أنواع الترجمات صعوبة بالنسبة لك؟
ترجمة الشعر صعبة بكل تأكيد، ولكنها صعوبة مستلذة ومحببة إلى النفس، بالنسبة لي على الأقل. فأنت حين تترجم نصًّا تكون كمن يكتب نصه الخاص به، وفرحتي شخصيًّا بترجمة قصيدة جديدة جيدة لا تقل أبدًا، بل ربما تفوق أحيانًا فرحتي بكتابة نص جديد لي. وقد ذكرت سابقًا أنني كثيرًا ما كنتُ ألجأ لترجمة الشعر في أوقات الجفاف الشعري التي يمر بها كل شاعر.
- وكيف تختار الكتب التي تُترجمها؟
لم أختر كل الكتب التي ترجمتها، وإن كنتُ أتمنى ذلك طبعًا. بعض الكتب عُرضت عليّ، ووافقت على ترجمتها بعد اطلاعي عليها أو على جزء منها على الأقل. ترجماتي الشعرية كلها فيما عدا كتابي الأول «خزانة الشعر السنسكريتي» جاءت باختيار شخصي مني فهي متوافقة مع هواي ورؤيتي ورغبتي الشخصية.
-وفي النهاية.. ما طموحك للشعر؟
طموحي هو أن أكتب نصًّا شعريًّا خاصًّا بي، يحمل ملامحي وسماتي الشخصية التي تميزني كشاعر عن من سواي من الشعراء، وطموحي هو أن أكتب شعرًا خالصًا مصفّى يكون خالصًا لوجه الشعر لا سواه. وطموحي أيضًا أن أسلك في الشعر طرقًا ومسارب مجهولة وغير مألوفة بالنسبة لي، كي لا أكرر نفسي وكي لا أقع في فخ استنساخ الذات.
جديد الموقع
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء
- 2024-05-04 عميدة اسرة العليو بالاحساء في ذمة الله تعالى
- 2024-05-04 فريق طبي في مدينة الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) الطبية يجري عملية تثبيت وتعديل الفقرات القطنية لمريض بعمر (56) عام
- 2024-05-03 مستشفى اليرموك التعليمي يجري عملية قسطارية طارئة لمريض يعاني من احتشاء العضلة القلبية
- 2024-05-03 مستشفى الأمام علي (عليه السلام) العام في بغداد يجري عملية تداخل قسطاري طارئ لمريض يبلغ من العمر 48 عام
- 2024-05-03 "بيئة الأحساء تنفذ يوم بيئي مع جماهير نادي الفتح الرياضي"
- 2024-05-03 النجف رصاصة طائشة تصيب زائر أثناء تأدية صلاة المغرب في الصحن الحيدري
- 2024-05-03 بعد عقم دام 7 سنوات أسرة ترزق بتوأم في مستشفى كمال السامرائي
- 2024-05-03 طوارئ مستشفى الحلة التعليمي في بابل تنقذ حياة طفل تعرض إلى صعقة كهربائية
- 2024-05-03 مستشفى بعقوبة التعليمي في ديالى ينجح بإجراء عملية تطويل عظم الساق لمريض يعاني من قصر الطرف السفلي