2014/08/22 | 0 | 1212
"مفهوم الزمن والكتابة التاريخية لدى الشيعة، كتاب في رحاب الامام الجواد نموذجا":
في المآلات البعيدة للنزعة التاريخية وعند افتراضها وجود أرضية متماسكة صلبة تقيم عليها نموذجها التاريخي المادي للعالم والانسان وبمعزل عن التأويل الديني،فهي بالتأكيد ستقفز على لحظات تاريخية مضيئة مثلت تقاطع الغيب مع التاريخ وحضور المقدس فيه؛وذلك بالتضاد مع واقع التاريخ الديني.
فطقس العبور إلى الزمن المقدس لا يتطلب أية مناهج نقدية تاريخية،فقط لحظات قليلة من تهيئة الذات،الجلوة كما تصفها الطرق الصوفية،وعندها كل حديث عن وقائع ماضوية سيصبح حالاً معاشاً تتشارك فيه الروح كتابةً ووصفاً وتكون شاهدة على تفاصيله.
وعندما يحضر التاريخ كمادة،فهو بمقدار ترتيب الأحداث وفق سياقات ثقافية اجتماعية مهدت للحدث وأبرزته في صورته النهائية.
لذلك ستكون قراءتي هذه الليلة انطباعية على الكتاب المحتفى به "في رحاب الامام الجواد" عليه السلام،في ظروف يستحيل معها فصل الذات عن الموضوع ،وعذري أن موضوعه يقع في منطقة مشتركة حد التماهي؛بين المقدس والهوية وليس التاريخ فقط كمادة للبحث.
إلا أن حقائق التاريخ الموضوعية ليست بعيدة تماما عن هذا التاريخ الروحي،فبالرغم من النظرة المادية للمستشرق البريطاني مرغوليث،نجده وعندما ينطلق من روح التاريخ وفلسفته لا يستغرب حقيقة جلية صدح بها ذات يوم من على منصة الأستاذية في جامعة أكسفورد مطلع القرن الماضي،وذلك عندما كان يحاضر في مادة التاريخ الإسلامي،وكمدخلية ضرورية بالنسبة إليه حيث يقول : "فحين نقرأ كيف لم يكن الناس في العهد الأموي يجرءون على تسمية أبنائهم بعلي،أو حسن،أو حسين،لا يدهشنا أن تتأخر أقدم ترجمة للنبي إلى ما بعد قيام العباسيين،إذ لم يكن من الممكن أن تروى ترجمة النبي في أيام الأمويين دون زعزعة إخلاص المسلمين لحكمهم: زعزعة خطيرة: ولم تكن النتائج لتحسن الأوضاع،فإذا كان الناس خافوا أن يسموا أبنائهم علياً،أو حسناً،أو حسينا، وألفوا سماع سب علي على المنابر،فإنهم كلما قل سماعهم أنباء صدر الاسلام،ازداد احتمال احتفاظهم بطاعتهم).
الأمر الآخر الذي ورد في محاضرة المستشرق "مرغوليث" نستغربه نحن كمعاصرين ولا يستغربه هو كباحث تاريخي،وذلك عند حديثه عن الطفرة في كتابات المؤرخين المسلمين والسيل الهادر من المعلومات التاريخية والتي تحدى بها الطبري طلابه،وأخبرهم أن مادته قد تملئ ثلاثين ألف ورقة،استكثرها الطلاب فخفضها إلى ثلاثة آلاف صفحة!
يرجع ذلك مرغوليث إلى دخول الورق عالم المسلمين ويشبه هذه الظاهرة بطفرة اكتشاف آلة الطباعة في الغرب.
وهذا هو مثار استغرابنا ودهشتنا وتدفع الأسئلة باتجاه البحث عن تاريخنا الشيعي الموزع على كتب واختصاصات متعددة وردت فيها شذرات متفرقة عن أحداث تخص الشيعة وأئمتهم بالرغم من تهمة شيعية الكثير من المؤرخين الكبار؛الا يدفعنا هذا الأمر إلى تقدير كل جهد معاصر للكشف عن ذلك التاريخ وجمعه في موضوع ومحاور جديدة كالكتاب المحتفى به هذه الليلة والجهد المشكور للشيخ علي عساكر.
فبالرغم من تعدد الكتابات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام،إلا أن كتاب الشيخ عساكر أتى متفرداً من زاوية اهتمام الباحث بالكشف عن حقائق جديدة، وليجيب عن أهم الأسئلة والتي تبرز بشكل تلقائي عند الحديث عن الإمام الجواد عليه السلام،وكما أشار إليها المغفور له العلامة الدكتور الفضلي في تقريظ الكتاب، وهما: (صغر سن الإمام عند توليه الإمامة،وعلمه عليه السلام وهو بهذه السن المبكرة).
وفق هذا المحدد المفترض لمنهج البحث فنحن نفترض وجودا طاغيا لجدل عقدي يلقي بظلاله على مجمل الكتاب،لكن الشيخ عساكر وباقتدار الباحث،وسع آفاق البحث ليجعل من التاريخ وحقائقه المتحدث الأول،ويقدم القرائن على حقيقة منجزات الامام الجواد عليه السلام من خلال مريديه : ناقلي حديثه والمتتلمذين على يديه،وأمثلة على تعالق الإمام مع مشاكل عصره الفكرية والتشريعية،وانه متقدم بمسافة كبيرة على مجايليه من علماء الفرق.
وقد خصص لهذا المحور قريب من ثلث الكتاب،وهذا برأيي هو مكمن الفرادة في بحث الشيخ،والذي عمل على تخفيف حدة الخطاب السجالي المباشر والمحاججة التقليدية في تناول عقيدة الإمامة وموقع الإمام الجواد عليه السلام فيها.
إلا أن العقيدة وفلسفة الإمامة لم تغيبها الأحداث التاريخية تماماً،فهي تحضر في كتاب الشيخ تارة كتأويل لحدث؛مثل ربطه بين صغر سن الإمام الجواد أثناء تقلده مهام الإمامة واعتباره مقدمة تمهيدية لحدث أكبر وهو إمامة الإمام المهدي (عج).وتارة يحرضه موضوع البحث في أن يشتبك وبشكل مباشر مع قارئ متخيل يستوعب الإمامة بشروط مادية،وينفي ما وراء العقل.
وهنا لا بد من توضيح حقيقة منهجية مهمة،فقد كانت المنهجية التاريخية القديمة وعند تناولها للشخصيات المؤثرة في التاريخ،ترسم أبعاداً للشخصية من خلال الفهم الدائري المغلق للزمن،بمعنى أن تجعل من الولادة حدث الانطلاق ثم تصاحب الشخصية في جميع أدوار حياتها.. إنتهاء بالنهاية الطبيعية وحدث الوفاة ثم تُغلق الدائرة.
لكن الكتابة عن أبعاد شخصية الإمام الجواد عليه السلام والأئمة بشكل عام،وكما وعاها الشيخ علي عساكر،لا تتم إلا من خلال منهجية الزمن الأفقي المفتوح،حيث تصل حدث الولادة بسلاسل زمنية ترتبط بمفهوم الإمامة وتحوله المفاهيمي لدى مجتمع التشيع؛من الدور السياسي الاجتماعي والديني للإمام،إلى المعنى الوجودي العميق في مفهوم الإمامة وارتباطه بالفيض الالهي وذلك ما عبرت عنه طفولة الإمام الجواد وإمامته المبكرة والتي أحدثت زلزالا عقائديا عنيفا حسب وصف السيد جعفر مرتضى العسكري،حيث انعقدت الإمامة في ظروف ثقافية استثنائية نتيجة لثقافة الاعتزال المسيطرة والمفروضة بقوة المنطق العقلي الجدلي والسلطة السياسية في عهد المأمون العباسي.
لذلك لم يكن بمقدور الشيعة حينها أن يقبلوا بأمر يستبعده العقل إلا بدليل قاطع ينتج عن برهان متعال على العقل نفسه والذي تحقق في محاورة الإمام الجواد مع وجوه الشيعة أمثال الريان بن الصلت،وصفوان بن يحيى ومحمد بن حكيم،ويونس بن عبد الرحمن،فكان الإمام عليه السلام،أول تجسيد حي للإمام، على حسب ما يقوله الشيعة بكل ما لهذه الكلمة من معنى،وعلى حسب المواصفات التي وردت في الكتاب والسنة للإمام وأحواله وشؤونه،وأن الله سبحانه هو الذي يتولى تسديده وتربيته على الدوام.
فهذا المعنى هو الذي أنطلق من هنري كوربان لتوصيف مفهوم الإمامة الروحي وانه حمل للوصية النبوية الروحية من خلال حراسة سلسلة باطن الشريعة وحمايتها في مقابل الخلافة الزمنية باعتبارها حراسة الظاهر والتي تُقلص دور الإمامة وتحصره في الشأنين السياسي والاجتماعي.
وعلى نسق التاريخ الروحي الشيعي في حركته الأفقية المفتوحة،نجد أن الشيخ علي عساكر لم يغلق الدائرة باستشهاد الإمام عليه السلام،بل أختط النهاية المفتوحة عندما توجه بخطابه إلى المثقفين وجمهور الشيعة للمساهمة في دراسة وتحليل حياة الإمام وذلك باعتباره كنزا معرفيا غير ناضب،وطبيعة الامامة المفتوحة على الجهتين؛الماضي والمستقبل باعتبار المهدوية مشروع مستقبلي مفتوح يغلق بنهاية التاريخ الدنيوي.
أخيراً، وفي ختام هذه الورقة، أنبه إلى أنني قد تناولت الكتاب من زوايا محددة حتى تكون لكم أنتم أيضاً قراءاتكم والتي يسعدني الاطلاع عليها من خلال منتدانا الإفتراضي "آراء وأصداء" بإدارة المبدع الصديق الأستاذ زكريا العباد،والتي أجد في هذه المناسبة فرصة لتحيته والإشادة بنشاطه الثقافي الجميل، والشكر كذلك موصول للأستاذ المثقف والحقوقي علي البحراني لاستضافته لنشاطنا في عالمه الواقعي؛ديوانيته العامرة.أما الشيخ علي عساكر فهو غني عن شكري واشادتي فحسبه أن كتابه هذا قد حقق المركز الأول في مسابقة الغدير الثالثة في الاحساء لعام ١٤١٥ للهجرة برئاسة المرحوم الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي والذي قدم له كتابه وأشاد به.
جديد الموقع
- 2025-10-27 دراسة رائدة تكشف كيف تُعزز الرضاعة الطبيعية جهاز مناعة الرضيع وتحد من إصابته بأمراض الطفولة والشيخوخة.
- 2025-10-27 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الفرعية بالمحافظة
- 2025-10-27 "بصمات" تعزّز مهارات موظفيها بورشة تدريبية لرعاية المستفيدين
- 2025-10-27 أبناء "بصمات" يتألقون في ماراثون أرامكو للأمن السيبراني ضمن فعاليات التحول الرقمي برعاية مدير تعليم الأحساء
- 2025-10-27 "البيئة" تحصل على اعتماد الآيزو (ISO 42001) لعام 2025م لتطبيقها معايير وممارسات حوكمة الذكاء الاصطناعي
- 2025-10-27 العيون الخيرية توزع أكثر من 5000 آلاف كيلو من اللحوم وقرابة الـ 4000 الاف كيلو من الأرز على الأسر المستفيدة
- 2025-10-27 جامعة الأميرة نورة تُنظِّم حملات وفعاليات توعوية تزامنًا مع الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي
- 2025-10-27 26 متنافسًا ومتنافسة يتأهلون للأدوار النهائية بمسابقة الأمن السيبراني في تقنية البنات بالأحساء
- 2025-10-27 "ريف السعودية" تقنية عصر زيت السمسم هيدروليكيًا تُعزّز كميات إنتاجه بنسبة 25%
- 2025-10-27 غرفة الشرقية تستضيف نائب محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية لقطاع التقنية لاستعراض تحديات القطاع