هل العوامل الوراثية(1) الكامنة وراء عملية تطور (نمو) اللغة لدى الأطفال(2) مرتبطة بمخرجات الحياة اللاحقة؟ وفي تحليل على مستوى الجينوم(3)، وجد فريق بحث دولي بقيادة معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي في مدينة نيميغن الهولندية اقترانات جينية بين عدد المفردات التي يعرفها الأطفال في وقت مبكر من حياتهم وبين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة(4) في وقت لاحق من حياتهم [مرحلة الدرج - وهي المرحلة التي يبدأ الطفل فيها بالمشي]، وبين القدرة على معرفة القراءة والكتابة(5)، وبين الذكاء العام (المعروف بمعامل جي «g» ويعرف كذلك بالقدرة العقلية العامة)(6). هذه الاقترانات بين هذه العوامل الآنفة الذكر تتغير ديناميكيًا خلال السنوات الثلاث الأولى من الحياة. إنتاج الكثير من المفردات في مرحلة الطفولة المبكرة وفهم واستيعاب عدد أقل من هذه المفردات في مرحلة الدرج كلاهما مقترنان بزيادة احتمال الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
تطور اللغة في مرحلة الحياة المبكرة يُعد مؤشرًا مهمًا لاكنساب مهارات اللغة والقدرة على القراءة والتعلم لدى الأطفال في مرحلة الدرج. علاوة على ذلك، صعوبات تعلم اللغة ترتبط بحالات اضطرابات النمو العصبي مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) واضطراب طيف التوحد (ASD).
يبدأ الأطفال عادةً في نطق مفرداتهم الأولى بين سن 10 و 15 شهرًا. عند بلوغهم السنتين تقريبًا، قد ينتجون ما بين 100 إلى 600 كلمة، ويفهمون / يستوعبون الكثير منها. كل طفل يشرع في مساره التنموي الخاص بتعلم اللغة، مما يؤدي إلى فروقات فردية كبيرة بين الأطفال. يقول بياتي سانت بوركين Beate St Pourcain، كبير الباحثين في الدراسة(7): "قد تكون بعض الفروقات في تطور اللغة مرتبطة بالاختلاف في البصمة الوراثية المستودعة في خلايانا".
إنتاج (نطق) الكلمة وفهمها
لفهم كيف تلعب الوراثيات(8)[genetics ويطلق عليها أيضًا heredity] دورًا في تطور إنتاج الأطفال للكلمات وفهمها، أجرى الفريق دراسة تحليلية على مستوى الجينوم (GWAS) لعدد مفردات الرضع (15 إلى 18 شهرًا) والأطفال الدراجين (24 إلى 38 شهرًا). . في المقاييس المبكرة لعدد المفردات، أبلغت أمهات الأطفال بعدد الكلمات في قائمة كلمات معينة التي ينطقها أطفالهن و / أو يفهمونها.
استخدم الفريق مفردات وبيانات جينية لـ 17298 طفلًا يتحدثون الإنجليزية أو الدنماركية أو الهولندية. عدد الكلمات المنطوقة كان متوفرًا لكل من الرضع والأطفال الدراجين. أما عدد الكلمات المفهومة كان متوفرًا فقط للأطفال الدارجين. تمت دراسة مخرجات فهم الكلمات للأطفال في مرحلة الدرج في الغالب باستخدام خلاصة معلومات جينية من كونسورتيومات (اتحادات بحثية) كبيرة مستقلة عن بعضها. وشملت هذه العوامل معرفة القراءة والكتابة (التهجئة والقراءة والوعي الصوتي(9))، والمعرفة(10) (الذكاء العام(6) وعدد سنوات التعليم) وحالات الاصابة باضطرابات عصبية (العامل الجيني(1) لاحتمال الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى الأعراض المرتبطة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة التي لوحظت (رُصدت) بشكل مباشر لدى بعض الأطفال الذين شملتهم الدراسة).
"يتعلم ليتكلم" في مرحلة الطفولة المبكرة مقابل "يتكلم ليتعلم" في مرحلة الدرج
تعرف الباحثون على عوامل وراثية(1) متعددة تكمن وراء عدد المفردات التي يتكلمها الأطفال في كل من مرحلة الطفولة المبكرة والطفولة الدارجة. الاقترانات الجينية مع مرحلة الدرج ومقاييس معرفة القراءة والكتابة والذكاء العام (g) واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة تباينت بشكل متسق أثناء النمو. انتاج الكلمات من قبل الرضع والأطفال الدارجين له علاقة بقدرات هؤلاء الأطفال على القراءة والكتابة، مثل تهجئة الكلمات، ولكن الاقتران مع الذكاء العام (g) وُجد فقط في مستويات عدد المفردات التي يفهمها الأطفال الدارجون. الأطفال الدارجون يتقنون بعض الطلاقة (الفصاحة) اللغوية [الفصاحة هي السلاسة أو التدفق الذي يربط الأصوات والمقاطع والكلمات والعبارات معًا عند التحدث بشكل سريع(11)] وقد "يتكلمون من أجل أن يتعلموا،" مما يتضمن معالجة معرفية(12، 13) عالية المستوى، على الرغم من أن تطوير القدرات اللفظية قد يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة [قبل مرحلة الدرج]. [المترجم: تكلم لتتعلم هي إحدى الاستراتيجيات التي عادة ما تستخدم في صفوف تعلم اللغات الأجنبية حيث يطلب من الطلاب أن يمارسوا الكلام حتى يتقنوا اللغة لا أن يتعلموا كيف يتكلموا(14)]
ووجد الفريق أيضًا أنه في مرحلة الطفولة المبكرة، عدد أكبر من الكلمات المنطوقة كان مرتبطًا جينيًا بزيادة احتمال الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وارتفاع أعراض هذا الاضطراب. ولكن العلاقة الجينية هذه في مرحلة الطفولة الدراجة كانت علاقة عكسية: حيث عدد أقل من الكلمات المفهومة كان مرتبطًا أكثر بأعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. في مرحلة الطفولة المبكرة، عندما "يتعلم الأطفال ليتكلموا"، قد يتساوى عدد الكلمات المنطوقة بالعمليات المتعلقة بالنطق. كما أن الأطفال المؤهلين وراثيًا لاحتمالات عليا للإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد يميلون إلى التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل أكثر. في المقابل، خلال مرحلة "تكلم من أجل إن تتعلم" عندما يرتبط عدد المفردات بالذكاء العام، مستوى الاحتمال المرتفع للاصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد يقترن بمستويات منخفضة من القدرات اللفظية والمعرفية.
وفقًا لـ بوركين، "التأثيرات الجينية الكامنة وراء عدد المفردات تتغير بسرعة خلال أقل من عامين أثناء مرحلة الطفولة المبكرة والطفولة الدارجة. وباعتماد منظور تطوري، نتائج الدراسة التي توصلنا إليها تزودنا بفهم أفضل لدراسة مسببات العمليات المبكرة المرتبطة بالكلام واللغة في الصحة والاضطرابات العصبية. تضيف المؤلف الأول إلين فيرهوف: " تفيد نتائج هذا البحث بأهمية عدد المفردات التي تقيَّم خلال السنوات القليلة الأولى من الحياة للسلوك والعمليات المعرفية في المستقبل، مما بؤكد على الحاجة إلى المزيد من جهود جمع البيانات أثناء مرحلة الطفولة المبكرة والطفولة الدارجة."