2018/07/05 | 0 | 3359
من المخطوطات والوثائق الأحسائية(1 )
تمهيد:
من مظاهر نشاط الحركة العلمية وازدهارها في المجتمعات، شراء الكتب وتبادلها بين العلماء، فهي الوقود الذي يحرك فيهم المعرفة ويزيدهم تألقاً وعطاءً، وكان للكتاب في الحياة الأحسائية دوراً كبيراً، بل أصبح جزءاً من حياة العلماء إما نسخاً أو شراءً أو استعارة، وكان الحرص يدفعهم إلى اقتناء المخطوطات المهمة والتي تشكل ركناً أساسياً في مجالها ورافداً مهماً للمعرفة، فكان لبعض الكتب رحلات وجولات بين البلدان يتناقلها العلماء ويدونون عليها تملكاتهم وبعض فوائدهم لتصبح هذه بمرور الزمن تاريخاً يرصد حركة العلماء وحياتهم، حتى أصبح الكتاب المخطوط أحد أهم مصادر تراجم العلماء، لما يبينه من ثقافتهم النابعة من محتوى الكتاب، ونسبهم عندما يدونوه ضمن قيودهم، وتنقلاتهم لضمها تاريخ ومكان اقتنائهم للكتاب، إضافة إلى خطوطهم، وغيرها من الفوائد التي يقتنصها المتخصصون فتكون كالكنز الذي يشعرهم بنشوة الفوز والنصر، وما هذه المخطوطة إلا واحدة من تلك المخطوطات الهامة التي أرست رحالها في الأحساء لتكون مستقراً لها، ومنها تشدو بصوتها.
العنوان: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك.
المؤلف: بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي(ت 749هـ).
المصدر: مكتبة الشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر للمخطوطات بالأحساء.
الوصف: تقع المخطوطة في (164صفحة) في كل صفحة(21سطراً) وفي كل سطر حدود(12كلمة)فيها بعض التعليقات والحواشي، كتبت بخط جيد وجميل مقروء. غير كاملة الآخر، ولم يذكر فيها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، لكن من خلال بعض القيود يظهر أنها تعود إلى القرن الثامن الهجري إلى عصر المؤلف وهذا ما سنحاول الكشف عنه خلال السطور القادمة، كما تضمنت تملكات لشخصيات علمية كبيرة، مما يدلل على أهمية النسخة وجودتها، تنقلت المخطوطة بين مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ونجد، والأحساء، يوجد على النسخة آثار طمس لبعض القيود يظهر من بعضها أنها وقفية.
وعلى أي حال تعتبر هذه النسخة من نفائس الكتب، والنسخ العتيقة التي وصلت إلى الأحساء، والجديرة بالاهتمام والدراسة.
القيود: ضمت النسخة الكثير من القيود أغلبها قيد تملك[1]، وبعضها استعاره واطلاع، والقسم الآخر وقفية، وهي كما يلي:
قيود التملك:
- ( انتقل إلى ملك العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محب الدين الطبري الراجي لطف الله، وختم الصالحات له وللمسلمين).
يعتبر هذا أقدم تملك للنسخة، فوالده محب الدين الطبري المكي، المعروف بمحدث الشافعية، وشيخ الحجاز، وإمام الحرم المكي، عاش إلى نهاية القرن السابع الهجري( 615 – 694هـ )[2]، مما يعني أن أبنه الرضي(محمد)-صاحب التملك- عاش خلال النصف الأول من القرن الثامن الهجري، وهو عصر المؤلف بدر الدين حسن بن قاسم المرادي المصري المالكي(ت 749هـ)، مما يؤكد أن النسخة كتبت في عصر المؤلف وليس بعده.
- ( الحمد لله به انتصر وهو حسبي انتقل إلي ملك كاتب هذه الأحرف الفقير أبو القاسم بن أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الأنصاري السعدي عامله الله بلطفه الخفي الشريف وحسن أحواله وختم له بالحسنى جميع ما يتمنى وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب ).
أبو القاسم هو( محمد ) بن أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري المكي الشافعي، (909 هـ - 974 هـ)[3]، صاحب التصانيف الكثيرة، وشيخ الحجاز في عصره، فيكون أبنه( أبو القاسم محمد)عاش خلال النصف الثاني من القرن العاشر، وبدايات القرن الحادي عشر الهجري.
- (علي بن حسن بن شدقم بالشراء وحرره بيده الجانية يوم الجمعة عشرى ربيع الثاني سنة ألف وعشرين)، وفوقه ختمه من شعر الرجز:( بالله ظني الحسن... وبالنبي المؤتمن... وبالحسين والحسن سنة991).
هو السيد زين الدين علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن شدقم بن ضامن بن محمد شدقم الحسيني المدني(ق10 – 1033هـ )عالم فاضل ومحقق وأديب شاعر، قال الشيخ محمد العاملي حفيد الشيهد الثاني: " إني تشرفت بمكة المشرفة بالاجتماع بالمولى الأمجد الأوحد علامة الزمان وجوهرة الفخر لتاج الأوان.. ".[4].
ومن خلال التاريخ ندرك أن ابن شدقم ملك الكتاب سنة 1020هـ، عن عمرٍ ناهز الستين سنة، فختمه عام ( 991هـ ) وتملكه ( 1020هـ )، فإذا أخذنا احتمالية أن عمره حين عمل الختم بحدود ( 30 ) سنة ، فيكون مولده حدود سنة 961هـ، وهذه معلومة لم يكن هناك إشارة لها من قبل، وعمره عند شراء الكتاب حدود الستين، تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً.
كما نستفيد أن الكتاب خرج من مكة المكرمة وانتقل إلى المدينة المنورة بصحبة مالكة الجديد( ابن شدقم) بعد أن أمضى سنيناً طويلة في مكة المكرمة يتنقل بين أعلامها.
- (ثم صار الفقير لرحمة ربه محمد أبي ...[5]إلى الحسن من أولاده ...[6] في عام 1036).
يحتمل أنه من سكان الديار المقدسة في المدينة المنورة أو مكة المكرمة، لأن الكتاب بعد هذا التاريخ بعدة سنوات كان في مكة المكرمة ليدخل في ملك الشيخ شمس الدين عتاقي.
وإن كان يفهم من التملك الخاص به أنه ربما وقف ذرية بقرينة:" إلى الحسن من أولاده"، لكن العبارة غير مقروءة بسبب الشطب.
- (من كتب الفقير إليه سبحانه شمس الدين عتاقي شيخ الحرم ).
هو الجد الأعلى لآل ( عتاقي ) والذي عرف بلقب ( شيخ الحرم )، قدم إلى مكة المكرمة من تركيا سنة 1040هـ، معيناً من قبل السلطان العثماني، لإمامة المسجد الحرم، والإشراف على بناء الحرم الشريف بعد أن هدمه السيل في عهد السلطان مراد سنة 1039هـ[7].
وعلى هذا يكون تملكه للكتاب بعد سنة 1040هـ، وقبل سنة 1061هـ .
- ( دخل في نوبة الفقير إلى الله تعالى بطريق الشراء عبد القادر بن علي الصباغ غفر الله له وللمسلمين أجمعين سنة 1061).
من أعلام الحجاز تملك الكتاب بعد الشيخ شمس الدين عتاقي شيخ الحرم، سنة 1061هـ ، لم نعرف شيء عن حياته ومكانته العلمية.
- ( دخل في نوبة تصرف المذنب الجاني جمال الملة محمد الجيلاني تصرّفاً شرعياً بيعيّاً).
لم نعرف سيرة حياته ومكانته العلمية، وإنما المعلوم كونه من أهل مكة المكرمة لأن التملك الذي تلاه، وإن بعدت الشقة الزمنية إلى قرابة القرن.
- (ثم إلى نوبة الأقل الجاني عبد العزيز بن مبارك بن غنام بمكة المشرفة عام 1163هـ ).
هو الشيخ عبد العزيز بن الشيخ مبارك بن عثمان بن غنام الأحسائي، من مدينة المبرز، من أعلام القرن الثاني عشر الهجري، وهو من الأعلام البارزين تتلمذ على والده والشيخ حسين بن عبد الرحمن بن آل كثير، والشيخ عيسى بن عبد الرحمن المطلق، وهو يعتبر من كبار علماء المالكية في وقته، كان حياً سنة 1176هـ [8].
فقد كان على يديه القدوم الأول للمخطوطة إلى الأحساء، سنة 1163هـ من مكة المكرمة، لتستمر فيها سنوات عديدة، لتنقل بعدها في بدايات القرن الثالث عشر الهجري إلى نجد، وذلك ربما بعد رحيل الشيخ بن غنام مباشرة أو أحد أبنائه.
- (فقد انتقل هذا الكتاب إلى مالكه الفقير محمد بن عبد الله بن أحمد آل عبد القادر بالشراء الشرعي من تركة مالكه الشيخ سند بن مقرن سابع عشر شعبان سنة 1246)، وختمه بيضاوي:( الواثق بالله محمد بن عبد الله).
تضمن هذا القيد تملكين:
التملك الأول: الشيخ سند بن مقرن، والذي وافته المنية قبل شعبان سنة 1246هـ، إلا إني لم أجد شخصية بهذا الاسم من خلال المصادر والبحث، وإنما اسم ( مقرن بن سند الودعاني الدوسري)، والذي يعد ابنه الشيخ محمد بن مقرن بن سند ( ...- 1267هـ )[9]من أعلام نجد البارزين، لذا احتمل أن الشيخ محمد آل عبد القادر قد التبس عليه الاسم، فكتب الابن مكان الأب، والأب مكان الابن، وأن المتوفى سنة 1246هـ، هو الشيخ مقرن بن سند، وليس العكس.
التملك الثاني: الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد آل عبد القادر الأنصاري الخزرجي الأحسائي( 1200 - 1288هـ )[10]، من مدينة المبرز، له اهتمام كبير باقتناء الكتب ونسخها، حتى كوّن مكتبة جيدة من المخطوطات، وما هذه المخطوطة إلا واحدة من حسناتها.
قيود الاستعارة:
يوجد على النسخة قيدين استعارة واستفادة من النسخة المعنية بالبحث، وهما:
- (الحمد لله كما يستحق طالع فيه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد نجم الدين بن يعقوب المالكي لطف الله تعالى به، بالمسلمين، حسبنا الله ونعم الوكيل).
وهو قاضي القضاة بالحرمين الشريفين نجم الدين أبو المعالي محمد بن يعقوب المالكي المكي ( ت 790هـ )، صاحب كتاب"تنسم الزهر المأنوس عن ثغر جدة المحروس"[11]، وعلى هذا يكون قيد الاستعارة والاطلاع خلال القرن الثامن الهجري.
- (طالع فيه داعيا لمالكه واستفاد منه الفقير جمال الدين بن علاء الدين العراقي).
لم نتوصل إلى معرفة شخصيته، ولكن انغلاق الخط، وصعوبته يجعله ربما يعود إلى القرن التاسع أو العاشر الهجري.
فائدة للشفاء:
يوجد على الصفحة الأولى من المخطوط فائدة للشفاء من العلل والأمراض، يقول كاتبها:( الحمد لله. من خط سيدي الشيخ سعيد باقير، نقله من خط والده - نفع الله به- لأي وجع كان مجرب يمر بيده عليه ويقول:( قسمت عليك أيتها العلة بعزة عزة الله، وبعظمة عظمة الله، وبجلال جلال الله، وبقدرة قدرة الله، وبسلطان سلطان الله، وبلا إله إلا الله، وبما جرى به القلم من عند الله، إلى خير خلق الله؛ محمد بن عبد الله، وبلا حول ولا قوة إلا بالله؛ إلا انصرفتِ).
الفوائد المستخلصة:
يمكن من خلال السرد التاريخي للنسخة وتنقلاتها بين أيدي العلماء على مر العصور أن نستفيد من ذلك عدة نقاط:
- أن النسخة تعد من أقد النسخ لكتاب(توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)، وأنها كتبت في عصر المؤلف بدلال قيد التملك الأول للنسخة الذي يعود إلى ما قبل منتصف القرن الثامن الهجري.
- إنه رغم مجهولية الناسخ إلا أن المرجح أنها كتبت في مكة المكرمة لأن أول قيود التملك، بل معظمها، والاستعارة مكية.
- إن معظم قيود التملك لرموز علمية كبيرة من أئمة الحرم المكي، إلى كبار القضاة في الديار المقدسة، أضافة إلى أعلام بارزين وأبناء كبار الفقهاء، مما يؤكد أهمية النسخة وعناية الأعلام بها.
- أعطتنا لمحة عن الحراك العلمي وتبادل الكتب بين العلماء، وحرصهم على الكتاب من التلف والضياع ليبقى الكتاب كل هذه القرون الطويلة والنسخة في غاية الجودة والسلامة.
- تميزت النسخة بوجود عدد من التواريخ لنعرف من خلالها حال مالكيها وزمنهم الذي عاشوا فيه، إضافة إلى الكشف عن حرصهم على اقتناء الكتب والاستفادة العلمية منها، وأن العلم لا يعرف صغيراً ولا كبيراً.
- أن الكتاب رغم بقائه في مكة المكرمة لعدة قرون فقد عرضته، رحلات حيث انتقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي العشر، ثم ليعود بعد 16 عشر سنة أي عام 1036هـ، إلى مكة مرة أخرى، بعدها انتقلت ملكيته إلى الأحساء في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ثم إلى نجد خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر، ثم ليستقر برحله بشكل نهائي في الأحساء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر في بيت آل عبد القادر.
- كما أفاد أن الشيخ عبد العزيز بن مبارك بن غنام الأحسائي، كان سنة 1163هـ ، في كنف الديار المقدسة، ليستثمر موسم الحج بشراء الكتب الثمينة والعتيقة، مما يؤكد عنايته بالكتب وقدرته على تمييز النفيس منها.
- أن العلماء يضمنون النسخ قيود أخرى يرونها مهمة، وإن لم ترتبط بموضوع الكتاب بغرض حفظها من الضياع، أو خوفاً عليها من النسيان، وذلك من أمثال فائدة علمية، أو ميلاد ابن، أو غيره.
وأخيراً ينبغي أن نعرف أن للكتب تاريخ كما للبشر تاريخ، وحياة يتجولون فيها بين البلدان تكشف عن أهمية الكتاب ومكانته بقدر ما عليه من قيود وما يتميز به أصحاب تلك القيود، كما أنه شاهد يحدثنا عن أخبار الماضين، كما البشر يتحدثون، عن مشاهداتهم وحياتهم التي فيها السار والمحزن.
الصفحة الأولى من الكتاب وتتضمن عنوان الكتاب مع عدد من التملكات الهامة
الصفحة الثانية من المخطوطة، وفيها القيد الأخير للشيخ محمدآل عبد القادر، وفائدة
جديد الموقع
- 2024-05-21 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل توقع ثلاث اتفاقيات مع عدد من الجهات الطبية
- 2024-05-21 مركز طب الأسرة والمجتمع بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل يحتفي باليوم العالمي لطبيب الأسرة ويستعرض منجزاته
- 2024-05-21 رسالة توجيهية لطالب العلم مع كتاب العلمي والفقهي عند الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي (رحمه الله)
- 2024-05-21 العيون الخيرية تقدم 45 جهاز كهربائي للمستفيدين بتكلفة تتجاوز الـ 75 ألف ريال
- 2024-05-21 العيون الخيرية تقدم 45 جهاز كهربائي للمستفيدين بتكلفة تتجاوز الـ 75 ألف ريال
- 2024-05-21 أمانة الاحساء: تطوير ميدان سلوى وزراعة 45000 ( شتلة زهور صيفية)
- 2024-05-21 سماحة الشيخ عبد الله اليوسف: صديق الكتاب وحليف القلم والقرطاس.
- 2024-05-21 سمو محافظ الأحساء يكرّم فريق كرة اليد بنادي العيون بمناسبة الصعود للدرجة الأولى
- 2024-05-21 عرس تكريم الفائزين والفائزات بجائزة الصالح للتفوق العلمي الدورة "18" رعته صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة بنت فيصل
- 2024-05-21 تعليم الشرقية يشارك بركن توعوي تزامناً مع اليوم العالمي للامتناع عن التدخين 2024