2022/12/06 | 0 | 1883
مفهوم الزمن في الشعر المغنّى
القافلة الأسبوعية
قد يعبّر الشعر الشعبي المعاصر أكثر عن الفكر الجمعي وثقافته بشكل أوضح منه في الفصيح، وذلك بإبرازه قيمًا انسلت إلى ثقافته الجمعية وتوارثها من أزمنة سحيقة؛ كمفهوم «الزمن» أو «الدهر». هنا لن نذهب إلى مفهوم الزمن الفلسفي ولن نقاربه وجوديًا كما تناوله هايدغر، إنما سنحفر عميقًا في ثقافتنا العربية لنلقي الضوء على مفهوم الزمن «الدهر»، ونسبة الأقدار إليه كعامل مؤثر على مصائرنا ويحدد كثيرًا من ردات أفعالنا كما وعاها الإنسان العربي القديم في عصره الجاهلي، كما في قول عنترة العبسي:
كَمْ يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أَرْجُو أُقارِبُهُ
عنِّي ويبعثُ شيطانًا أحاربهُ
وكذلك في القرون الأولى من الإسلام في شعر ابن حمّاد البصري:
لا تَـأمنِ الـدَّهرَ إنَّ الدّهرَ ذُو غِيَرٍ
وَذو لِـسانينِ فـي الـدُّنيا ووجهينِ
فتأثير الدهر هو مفهوم ربما أمكن إرجاعه مباشرة إلى عبادة الكواكب في الزمن الجاهلي، والإيمان بمقدرتها على التأثير على الطبيعة والبشر وتحديد أقدارهم، ونسبة كل مصادفة غير سعيدة أو حدث خارج عن الإرادة إليها. ولعل استنطاق الكواكب في قراءة الأبراج المعاصرة أحد مظاهر ذلك المعتقد القديم. ومع أن هذا المفهوم تصادم مع مفاهيم دينية تنهى عن نسبة الحوادث النازلة إلى الطبيعة، لكنه استمر متغلغلًا في طبقات اللاوعي الشعبي.
وعندما نستحضر قصيدة الشاعر عبدالقادر الكاف، كمثال على ذلك، نجده ينسب تعثره في الحب وخلل العلاقة إلى «الزمن» أو الدهر كإطار محدد لمصائبه بحسب ما تقوله «الحكمة»، أي ما يرويه الحكماء في تنظيراتهم التي يقبلها العقل الجمعي: «الزمن غدار والحكمة تقول: كل شي معقول».
لكنه في استدارة قوية، يرفض هذه المقولة، وينحو باتجاه السببية ويقدم افتراضات قد تكون أكثر معقولية من علل الدهر أو الزمن، وذلك عندما يأخذ بالأسباب الطبيعية الممكنة:
«ربما مليت مني يا رشيـق / ربما حصلت لك غيري عشيق / ربما غروك أصحاب الفضول / كل شي معقول».
لذا نراه في المقطع التالي من القصيدة وهو ينزل من شجرة الحكمة المتوارثة، ويتحدث بعاطفة أشبه ما تكون بهواجس يبوح بها بصوت عالٍ، وهو يستشعر وجود أسباب طبيعية أخرى غير حتمية الدهر:
«خاف قلبك بين أحضاني يضيق / خاف طيرك فوق غصني ما يليق / خاف ما شَي لي أنا عندك قبول / كل شي معقول». هذه الأسباب المعقولة لا تطمئنه، ويرجع ثانية إلى مفهوم مكائد الدهر ويلصق بها تعثر حبه كتخفيف عن لوعته ويكرر من جديد هذه «اللازمة»: «الزمن غدار والحكمة تقول: كل شيء معقول».
إذن، استطاع العقل الجمعي الشعبي أن يتحرر قليلًا من مفهوم الدهر القديم، والتعامل مع مشكلات الحياة، والإخفاق في الحب بالذات، على أنها تقبل السببية، وليست في مطلقها من «مصائب الدهر»، وهذا الانزياح الثقافي يمكن عزوه إلى نمو ثقافة مغايرة، بتأثير ديني من جهة، ونتيجة لتطور مفهوم الفردانية في مواجهة الوجود، وأن العقل الحديث لم يعد أسطوريًا إلا من بقايا ثقافات يحاول الخروج عن سلطتها.
جديد الموقع
- 2024-05-14 استكشاف كيف تؤثر كيمياء الدماغ وتدفع الناس لتكوين آراء سياسية
- 2024-05-14 لماذا نشيخ؟ خبراء يحاولون معرفة كيف تتغير بيولوجية أجسامنا مع تقدمنا في السن، وما إذا هناك طرق لإيقاف هذه التغيرات
- 2024-05-14 "الوكيل الأدبي يسوق لنفسه شاعرًا في ترانيم"
- 2024-05-13 (بين الأمير والقامات الثلاث)
- 2024-05-12 مع الشيخ عبد الجليل البن سعد في عقلية فقيه
- 2024-05-12 من اوئل المؤسسين في مشروع الري والصرف بالاحساء الحاج عبدالرسول السلطان في ذمة الله تعالى
- 2024-05-12 أصعب القراءة بداياتها
- 2024-05-12 شعرية الحياة ونثرها إدغار موران نموذجاً
- 2024-05-12 مقياس ميول مهنية لطلبة أول ثانوي
- 2024-05-12 أول جمعية سكري وسمنة وغدد بالأحساء