2020/09/11 | 0 | 1630
معاداة الحراك الثقافي في واحة الاحساء
لربما من الصعب الاعتراف بحجم التقهقر المؤدلج في صياغة مشهد عام يكتسح الساحة الثقافية الاحسائية حيث مركزية الاتجاه ودورانها نحو شخصية طالب العلم الديني ، أقول طالب العلم لأننا نفتقد للعالم الموجه والشيخ المربي وكل ما يوجه الساحة عبارة عن طلبة علم لهم مسارهم الوحيد الذي لا يمكن أن يتعدوه سوى لساحة الشعر والادب فقط دون أي توجه آخر بل لربما يصل الأمر لمرحلة ازدراء للمشارب الفكرية الناهضة قبالة طلب العلوم الدينية.
هذه البيئة الخصبة والتي امتدت لحضارات متتالية حافظت واحة الاحساء على هوية المثقف وتجسيد الصراع الديمغرافي من قلب التكوين الصعب لواحة في وسط صحراء قاحلة تستمر ألف واربعمائة سنة مشعل وقبلة للفنون والعلوم عبر الالتزام بمبادئ الحرفة والهوية الا أنها خضعت واستسلمت للتعدي واكتساح غير العابئ لفرض وصاية من نوع آخر يصب في تكريس حلم الجيل الحاضر والجيل الناشئ نحو اصطفاف خارجي لا نعلم سوى استمتاع أهل الصف والتكريس لهذا التوجه وفرضه كحالة أزلية غير قابلة للنقد أو التعريض .
وقد يتبادر للقارئ أني تجاوزت أدبيات ومحاذير اجتماعية ولكن التشخيص يستلزم هذه الأنواع من أسلوب المكاشفة حتى نستطيع بناء أسس حقيقية تبعد عن الخيال وتؤسس لمرحلة مرتقبة ، رغم أن محاولتي قد لا تتعدى جانب المحاولة وقد أدفع الثمن غالياً من سمعتي وكرامتي .
حديثي سيقتصر عن العقد الأخير فقط وأرجو من القارئ تحمل الشواهد والمعالجات بسعة صدر المثقف البعيد عن عوارض العصبية والرجعية والمستشرف للمشاركة في القفز من حالة العقم والقطيعة الى جوهر التواصل والبناء المشترك أملاً لنجاح مشروع اجتماعي يعتمد تنمية الفكر بما يليق به من معطيات ونتائج .
لا يخفى على كل متابع وان كان غير مختص حالة الانقسام بالمجتمع الاحسائي على ركائز متعددة منها ما يكون حصيلة شد بين أطراف تصدر للبيئة الحاضنة خلافاتها وتوجهها نحو اتخاذ مواقف راديكالية متشددة كما وتصنع لهذه المواقف مقدمات تصل للقطيعة بين تيارات المجتمع ولحماته وبالتالي خسارة كل فريق لمنجزات الفريق الآخر وذلك راجع بالأساس لافتقار رموز كل فريق للبيئة الثقافية البناءة وارتكازهم على سراب المعرفة الإيجابية مما يولد مجتمع متشنج وقابل للانفجار في أي وقت وحسب توجيه وإرشاد رموز كل فريق.
كما أننا ابتلينا بعجز حقيقي للمواجهة واعتماد بعض الرموز على حالة القفز المتعمد على الواقع والتنكيل بسمعة الطرف الآخر مما يزيد المشهد تعقيداً ويؤسس لمرحلة جمود حقيقي في الحراك الثقافي المبني على آليات التداول البناء ومواجهة الحجة بالحجة .
السؤال الذي لطالما أرقني وهو من أين تكونت حقيقة أن مرجعية الفكر والثقافة والتوجيه المجتمعي حكراً على طلبة العلوم الدينية فقط ؟
ولماذا افتقرت واحة الاحساء لرموز من أهل التقييم والتنظير معروفين ومكشوفين على غرار مناطق ومحافظات أخرى ؟
هل طبيعة المجتمع الاحسائي من أسهمت في خلق هذه الأجواء أم أن هناك أجندة تعتمد هذا النهج لتأصيله وتغذيته ؟
ثم ما الذي استفادت منه منطقة الاحساء من هذا النهج الذي لازمها طيلة العقود السابقة وهل بالإمكان تعزيز مبدأ الشراكة بين مثقفي ومفكري الاحساء مع طلبة العلوم الدينية بحيث يتقبل بعضهم نقد الآخر في المنهجية ؟
لم يكن هذا المقال مسخراً للإجابة على هذه الاستفسارات بقدر كشف الواقع من وجهة نظري شخصياً حيث يتجلى لكل مطلع حجم التراكم المغلوط لضبط العلاقة بين المفكر والمتصدر للمشهد والتي عادة ما تكون غير متوافقة نتيجة غلبة الوضع الراهن وعدم اكتمال نضج بيئة أكثر اعتدالاً مما نحن عليه.
نعم قد تكون طبيعة التركيبة المجتمعية سبباً حتمياً حيث أن عصب الاحساء من مجتمعات قروية تعنى بحرفة كما هي الحاضرة تعنى بحرفة أخرى ولا مجال للفكر الا بتطبيق ما يلزمنا به طلبة العلوم الدينية من تكليف فقط ، حتى أننا ولعدم تمتعنا بجو قيادة العلماء لم نرتقي لمصاف مركزية وبؤرة العلم كالنجف وقم كما ارتقى لها أقراننا من مجتمع البحرين وجبل عامل فتكونت لديهم ثقافة فكرية متعددة ومشارب ثقافية عالية المضامين والأهم أنهم لم يبتلوا بما دهانا من اصطدام ثقافي وفكري بل كانت بيئتهم أكثر خصوبة في استيعاب الاختلاف وتطويعه نحو الاستثمار الفكري المغذي والايجابي.
فمثلاً ولتقريب الرؤية نستعرض ظاهر واقعية بالحراك العلمي والثقافي الديني المتمثلة بالسيد كمال الحيدري والتي ملئت الساحة الثقافية الاحسائية تجاذباً بصورة انقسمت النخب الفكرية حولها سماطين .
فبالرغم من أن مشروعة حسب ادعاءه التجديد في التراث الديني وتقديمه بصورة عصرية إلا أن أغلب الردود توجهت صوب اسقاط شخصية السيد حتى تتساقط نظرياته تباعاً ولا أعرف من أين ابتلينا بتسويق الهبل في أدبيات الرد على العلماء وكيف خرصت طبقة طلب العلوم الدينية اتجاه هذا الأسلوب الوضيع في مجاراة العلماء ، ألم تكن ادعاءات السيد الحيدري فرصة من ذهب للباحث ولتكوين حركة ثقافية تعزز الدليل والحجة ولماذا تقاعست مراكز الأبحاث عن دورها في ضبط التدوال الفكري والثقافي بما يليق وحجم هذه الفتنة .
من المؤكد أن حالة الاستجابة تكيفت ورغبات البعض في تأسيس منهج يعتمد على تعزيز العصبية والضرب بيد من حديد تجاه كل من يقترب للثوابت حسب تفسيرهم بل وقد يستدر من وراء ذلك ما تبقى من عاطفية المجتمع نحو الاستثمار الأمثل لمثل هذه المواقف أملا في التأديب حسب رؤيتهم . ولكن كل هذه الحلو تبقى على حساب اللياقة الفكرية المفقودة وتسير بالمجتمع نحو هاوية حقيقية اذ أن تعزيز مثل هذا النهج سيرتد على صاحبة في يوم من الأيام وهذه نتيجة طبيعية حال اعتمدنا ثوابت لا تقبل الحراك في الفكر والتراث فمن له القدرة على عدم تكييف الفكر لمقتضيات الحياة !!
قد لا تكون المجتمعات الأخرى حال بيئة الاحسائيين في مواجهة الأفكار الغريبة لذا كان من اللازم أن نخفف الطلب من ادراك حجم الثقل الفكري الى استنساخ مكتسبات المجتمعات الأخرى في آليات المواجهة .
ضربت مثال بالسيد الحيدري كشخصية دينية ثار اللغط حولها فما بالك بشخصيات علماء الاجتماع كشريعتي والوردي أو مفكري القسم الآخر من المسلمين كسيد قطب ، كيف سيكون تناول فكرهم هل بعقلانية أم أن نصيبهم لا يقل عن ما ناله السيد الحيدري من تسقيط .
ولكي نستخلص ثمرة لهذا التداول ، من الأكيد أن بيئة الاحساء تعرضت لضياع هوية بصورة غير مقصودة من بعض طلبة العلوم الدينية وترجع بالأساس لحسن نية قادة البعض للتنمر على الفكر وتكييف الظروف لاستيعاب هذه الفئة فقط حتى تم اهمال كل الابداعات الثقافية بجميع مشاربها وأصبحت الشخصية الاحسائية رهينة تشريع طالب العلم من عدم حتى في أصعب المواقف التي تحتاج للمختص كوباء كورونا او تثبيت هلال شهر قمري أو تقييم مفكر علم اجتماع او لغة عربية أو فلسفة فكل هذه المشارب رهينة تشريع من طالب العلم الديني ، وقد تزول هذه الحالة مع الوقت حال ادراك المجتمع بمسؤوليات والتخفيف عن طالب العلم في سبل الولاية الفكرية التامة حتى يتمكن في الابداع لنهج طلب العلم الدينية .
جديد الموقع
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي
- 2024-04-25 يحيى العبداللطيف و ( دكتوراه ) جديدة لسجل شرف ( الينابيع الهَجَريّة )
- 2024-04-25 13298 خريجًا وخريجة أمير الشرقية يرعى حفل تخرج الدفعة الـ 45 من خريجي جامعة الملك فيصل بالاحساء
- 2024-04-25 %150 زيادة الطاقة الاستيعابية لمطار الأحساء
- 2024-04-25 16 جمعية وقفية في المناطق والمحافظات
- 2024-04-25 احصل على 800 ختمة قرآنية شهرياً
- 2024-04-24 جمعية البيئة الخضراء بالأحساء تكرم البورشيد لاطلاقه (ديك الماء)
- 2024-04-24 الأمير محمد بن عبد الرحمن رئيساً فخرياً لجمعية أصدقاء لاعبي كرة القدم
- 2024-04-24 جود بخاري تحقق أول برونزية سعودية في البطولة الآسيوية للبلياردو
تعليقات
د عبدالله عيسى البطيّان
2020-09-12أحسنت العنوان وأجدت الفكرة عموماً أعانك الله على اكمال المشوار وفتح سلسلة مقالات في هذا الشأن كي يكون صوت الحق واضح وجلي ضد من سيقف ضد مبدأ هذا التوجه الأصيل في الاحساء.