2021/03/15 | 0 | 2349
ما تخر بس منقوبة
نظراً للظروف الراهنة التي نعيشها بسبب وباء كورونا _أجارنا الله وإياكم_ وامتثالاً للتوجيهات والإجراءات الاحترازية فأنا أمتنع عن تلبية أي دعوة توجه لي لغداء أو عشاء في أي مناسبة اجتماعية أخرى سواء كانت تلك المناسبة محزنة ومفجعة كالعزاء وما يتلوها من مناسبات أخرى كالسابع والأربعين والسنوية أو كانت تلك المناسبة مفرحة كالزواجات والعقيقة ... إلخ
وفي ظل هذه الظروف وجَّهَ أحدهم دعوة لي في يومٍ من الأيام على مأدبة غداء واعتذرت كعادتي لنفس الأسباب السابقة الذكر إذ أعتذر عن الاستجابة للدعوات بسبب هذا الوباء _أجارنا الله وإياكم_ ولا أحبذ الاختلاط ولا أحبذ التساهل في الاحترازات كما أني أفضل الالتزام بالاحترازات والتوجيهات والارشادات قدر المستطاع فعلينا جميعاً بذل الأسباب والنتائج بيد الله _عز وجل_ وكما قال تعالى : "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، إلا أن صاحب الدعوة أصر وألح في دعوته وتعهد لي بأنه سيحرص على تطبيق كافة الاحترازات اللازمة وأن عدد المدعوين لا يتجاوز العشرة أشخاص وبالفعل استجبت له بعد إلحاحه الشديد وإصراره .
وفي اليوم الموعود توجهت إلى منزل الداعي وطرقت الباب ففوجئت بأن الداعي خرج لاستقبالي وهو لا يرتدي الكمام _الكتاب يبين من عنوانه_ وعندها أدخلني المجلس فوجدت بأن عدد المدعوين لا يتجاوز العشرة أشخاص كما أخبرني بالفعل، ولاحظت بأن جميع المدعوين يجلسون متباعدين عن بعضهم البعض إلا أنهم لا يرتدون الكمامات والغريب أيضاً بأنه لا يوجد معقم للأيدي؟!!
هممت بمصافحة المدعوين عند دخولي للمجلس إلا أنهم امتنعوا عن المصافحة بما فيهم الشخص صاحب الدعوة فاكتفيت بالسلام عبر الإشارة والتحية من بعيد ثم اتخذت مكاني في المجلس وأخذنا نتبادل أطراف الحديث ونناقش بعض الموضوعات وبينما نحن كذلك إذا بصاحب الدعوة يرحب بنا للدخول إلى غرفة الطعام (المقلط) لتناول وجبة الغداء، فدخلنا جميعنا إلى غرفة الطعام وإذا به قد وضع سفرة مستديرة في وسط الغرفة يتوسطها إناء كبير من الأرز (صنية رز) وقد افترش ذلك الإناء خروف مفطح _يحبه قلبك_ ناهيك عن تزيين ذلك الطبق بالحشوة والمكسرات وقطع الكبدة الشهية وقد حفت بذلك الطبق صنوف الفواكه والخضروات وأنواع مختلفة من السلطات والمقبلات بالإضافة إلى بعض أطباق (الصالونه) ولك _أخي القارئ_ أن تتخيل تلك السفرة كيفما شئت بعد أن استمعت إلى وصفها.
وبينما نحن نتأمل منظر تلك السفرة الشهية إذا بصوت صاحب الدعوة يقاطعنا قائلاً: تفضلوا بسم الله وعلى بركة الله أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم واسمحوا لنا على التقصير وعلى قل الكلافة ، فجلس الجميع وتزاحموا على تلك السفرة، وكل واحد منهم ملاصق لصاحبه، وأخذوا يتناولون الطعام ويقلبون المفطح بأيديهم، وبدأوا جميعهم بعمليات الحفر والتنقيب داخل المفطح، وفي وسط طبق الأرز بحثاً عن قطع الكبدة اللذيذة، وتلاقت أيديهم وتصافحت وتعانقت داخل المفطح وفي طبق الأرز وأخذ كل واحد منهم يضع اللقمة بيده في فيه ثم يعيد يده مرة أخرى في طبق الأرز، وأخذ كل واحد منهم يقدم للآخر قطع اللحم الشهي مؤثراً لصاحبه على نفسه فيها، وهكذا استمروا مستأنسين بتناول وجبة الغداء ومتبادلين أطراف الحديث وطال بهم المقام على تلك السفرة ساعةً كاملةً وهم يصولون ويجولون داخل تلك السفرة فقلبوا عاليها سافلها، وقلبوا القلب على الجناحين والجناحين على القلب، كأننا نخوض حرباً ضروس في ذلك الطبق، فبلغت الحرب أوجها وعلت الغبرة حتى أتخم البعض وكاد يغشى على البعض الآخر من لذة الأكل وطيب الطعام، فلما انقضت تلك الساعة ووضعت الحرب أوزارها وشبع كل واحد منهم وهدأت الفورة وانجلت الغبرة فإذا بالطبق فارغ قد بان العجز فيه وتهدمت أركانه وهوى بنيانه.
فلما قضي الأمر تفرقوا عن السفرة فقاموا ليغسلوا أيديهم ثم رجعوا إلى المجلس لتناول ما لذ وطاب من أصناف الحلويات ويحتسون الشاي والقهوة وقد لفت انتباهي تفرقهم وتباعدهم مرة أخرى أثناء الجلوس في المجلس حتى أنهم يرفضون مصافحة أي شخص يهم بمغادرة المجلس فاعتلاني العَجَبَ والذهول من هول ما رأيت من تناقضات منذ دخولي للمجلس مروراً بجلوسي على وجبة الغداء وانتهاء بمغادرة هذا المجلس، فلم أتمالك نفسي بأن أفصح لهم ولصاحب الدعوة عما يجول في خاطري فقلت لهم: " بئس الاحترازات فتلك والله احترازات مخرومة" فلم تعرفوا منذ دخولي معكم وحتى حين خروجي من عندكم من الاحترازات شيئاً سوى عدم المصافحة والسلام وأما ما عدا ذلك فقد أوغلتم في الاختلاط وتجلى ذلك عند تزاحمكم كلكم _عشرة أشخاص_ في سفرة واحدة وكذلك اختلاط أيديكم وتداخلها واختلافها داخل طبق الأرز يؤكد بأنكم لا تعرفون معنى كلمة احترازات، بل تجهلون مفهوم تلك الكلمة، بالرغم من أن وزارة الصحة وغيرها من جهات الاختصاص والجهات ذات العلاقة في الدولة لم تدخر جهداً في توعية الناس بماهية الاحترازات وبأهميتها وإرشاد الناس إلى الطرق الصحيحة في كيفية تطبيق تلك الاحترازات.
ومع كل أسف فهذا واقع مؤلم ومرير تعيشه أغلب الأسر والعوائل وبعض الأفراد في المجتمع إذ تكون لديهم الاحترازات مزاجية إنتقائية أو أن تقتصر الاحترازات لديهم فقط على السلام والمصافحة وما عداها فلا يوجد لديهم أية احترازات أو أنهم يفهمون ويطبقون تلك الاحترازات بطريقة خاطئة.
همسة أخيرة: أرجو من جميع أحبتي وكل من لديه حس إنساني أن يتقيد بالاحترازات والإجراءات الوقائية على أكمل وجه بدءاً من عدم المصافحة أثناء السلام ومروراً بعدم التزاحم والاختلاط أثناء الطعام وعدم الأكل في طبق واحد واستخدام أدوات الأكل بالطريقة الصحيحة وعدم التزاحم والاختلاط إلا للضرورة القصوى وأن نترك مسافة كافية بيننا وبين الآخرين في الأماكن الخاصة كالمنزل والاستراحة والديوانيات، وفي الأماكن العامة كأماكن العمل والمرافق العامة كالحدائق والمتنزهات والمستشفيات وغيرها، واستخدام الكمامات دائماً، والابتعاد عن الأماكن والمجالس المغلقة قدر الإمكان واستخدام الجلسات والمجالس المفتوحة، وتعقيم الأيدي باستمرار عند الدخول والخروج من وإلى الأماكن العامة والخاصة، وهذا ما يمليه علينا واجبنا الإنساني والديني والوطني والأخلاقي أن نتقيد بالاحترازات والإجراءات والتوجيهات والإرشادات وفق الطرق الصحيحة، فكما ورد في الحديث الشريف: " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" وإلا فمَثَلُنا كَمَثَلِ قِربَةِ الماء الي "ما تخر بس منقوبة".
جديد الموقع
- 2024-05-18 قطوف دانية من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)
- 2024-05-18 قطوف دانية من كلام الإمام الرضا (عليه السلام)
- 2024-05-18 مشهد الطروبة "في ذكرى مولد المولى أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام"
- 2024-05-17 (نادي ابن عساكر) يستضيف الباحث (المطلق) في فعالية (الآراء التاريخية الشاذة)
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ
- 2024-05-17 انقطاع العلاقات بعد التقاعد.
- 2024-05-16 خطط مرحلية لإنجاز مشاريع ( سفلتة مخططات المنح ) بالأحساء
- 2024-05-16 سمو محافظ الأحساء يستقبل وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان للتخصيص والاستدامة المالية
- 2024-05-16 " لوحات تفاعلية " في المواقع الحرجة مرورياً بالاحساء