2023/05/22 | 0 | 1294
لآلئ من "مرايا الماء والرماد"
الشاعر : حسين الطاط
لا أنسى حينما أهداني صديقنا الأستاذ الشاعر هاني الحسن ديوان الأستاذة الشاعرة نورة النمر " مرايا الماء والرماد " وطلب أن أقدّمَ قراءتي للديوان فكانت هذه القراءة تلبية لطلبه ، فلعل بها ما يرقى لذائقة
القارئ أيضا.
فأولُ ما يلفت نظر القارئ عتبة الديوان فلا يستطيع القارئ أن يتجاوزها دون أن يطأها بأدب قلمه وقلمِ أدبه !
وقد وفقت الشاعرة في اقتناص هذا العنوان ، ومن حيث تدري أو لا تدري تشبثت بمقولة الفيلسوف برناردوشو الذي يقول " إنك تستخدم المرآةَ لترى وجهك وتستخدم الأعمال الفنية لترى فيها روحك "وهي التي لا تستغني عنها المرأة عنها مطلقاً .
الشاعرة جعلت المرايا ملازمة لأعمالها الفنية المتمثلة في الشعر ملازمة الظلِّ لترى من خلالها روحها بين الفينة والأخرى ،كما يفسر العمل الأدبي بربطه بمؤلفه يذهب الناقد الفرنسي "سانت بيف " أن وظيفة الناقد النفاذ في ذات المؤلف واستشفاف روحه من وراء عباراته, بحيث يفهمه قراؤه ، ويقول : " يجب أن يؤخذ من دواة كل مؤلف الحبرُ الذي يراد رسمه به " ، فالناقد على حد تعبيره يعلّم الآخرين كيف يقرؤون !
وفي عنوان الديوان "مرايا الماء والرماد "
نلحظ التجانس اللفظي والصوتي بين هذه الدوال :
مرايا - الماء - الرماد والتي تعطي امتداداً ميتافيزقيا يتناسب وعناصر الطبيعة من :
مرايا والماء والرماد المتحول من عملية الاحتراق ، إذاً العنوان ما هو إلا انعكاس لما هو داخل الديوان ، انعكاس لروحية الشاعرة التي تتجلّى في نتاجها الأدبي وهنا أدَعْ صنارتي تلتقط ما أمكنها من لآلئَ أدبية علّها تحظى بذائقة القراء ، الشاعرة نورة النمر من سِماتِها البارزة في الشعر سعة الخيال، وخصوبة المفردات، واتساع المعاني، ودقة الإيقاع ، وحين تقرر أن تنزل إلى الديوان يأخذك الزورقُ في دورة كاملة انطلاقاً من محاكاة اللغة والشعر حتى المناجاة والحزن والألم والاشتياق :
تقول من قصيدة لها بعنوان
" لو أنّ لي " إذْ تفتح بابا من أمنياتها وهي لغة (المكان) الَّذي يتسع باتساع وجودها في الحياة لتفتح للأحبة الذين انطلقوا من القلب إلى القلب حيث الملاذ .
أما لغة البحار تكمن في اختلاس اللآلئ بريقها لتكتب عليها موجة حب صادقة صافية مقسمةً بين قلبها والضفاف، تقول :
لو أنّ لي لغة المكان أو الزمانِ
فتحتُ أوردتي ملاذاً
للعصافير التي عبرتْ
إليَّ من الشغافِ إلى الشغافِ
لو أنَّ لي لغةَ البحارِ
لرحتُ أختلسُ اللآلئَ
ما تجيدُ من البريقِ
ورحتُ أكتبُ موجةً أخرى
يقسّمها الهوى ما بينَ
قلبي والضفافْ
ولا شكّ أنّ الرسام يحتاج إلى مخيّلةٍ جيدةٍ لكي يبدع لوحاته الفنية تقول :
يلملمُ عقلَهُ الرسّام
تربكهُ الخيالاتُ
وما عادتْ لتسحرنا
أصابعُهُ النّديّاتُ
فلا الألوانُ ألوانٌ
ولا اللوحاتُ لوحاتُ
وفي رثائيتها ( لإيمان ) التي لم يمهلها القدر ساعة ، واستحضار اسمها هو استحضار للروح ، ورفع اسمها هو دليل على مكانتها الرفيعة في قلوب عارفيها ومحبّيها ، ولا يخفى عليك ما يكتنفه الاسم " إيمان " من مَدَّين متلازمين من مجموعة أحرفٍ أربعة ، انظر لترى :
إي+ ما +ن : وما لهما من حزن مُمَوْسقٍ ممتدٍّ ، ثمّ تطلب التمهل بعدم الاستعجال بالرحيل حيث الشباب بعدُ غضٍّ !
إيمانُ مهلَكِ فالشبابُ
الغضُّ لم يقطفْ وروده
رُحماكِ فالأحبابُ قد
زرعوكِ آمالاً رغيدَه
وفؤادُ أمّكِ أحرقَ ال
دّنيا بأنّتهِ الشديده
نامي ، دعي الذكرى تجدّد
للغدِ الباكي عهوده
وما عسى أن تفعل نار الشوق بالمشتاقين ؟! تقول :
مشتاقون تقتلنا هواجسنا
ونارُ الشوقِ منْ أوهامنا تقتاتْ !
الإنسان مدين إلى موطن ولادته
ومرتع صباه ، هذا الموطن الذي تمتد حدوده من أقصى اليقين بعطائه المتأصل ، وعلاقة الفلاح بأرضه تلك العلاقة التبادلية القائمة على النفع ، واستجابة المنجل لتلبية الفلاح وقت الجنْي ، و في "قصيدة وردة على كف القصيدة" تقول:
تمتدّ من أقصى اليقين حدودها
للمجد حيثُ عطاؤه متأصّلُ
وكلهفة الفلاحِ بين حقولها
لبّى ، فكبّرَ في يديهِ المنجلُ
لعلها تعبت الصنارة وهي تلتقط اللآلئ وتتأمّل فيها وتودّ أن تستريح وتتيحَ لقرّاءٍ جُدُدٍ أن يستأنفوا الطريق ويضعوا لمسات إبداعهم على مواطن الدهشة ، ومواضع السحر ، ومخابئ البيان من هذا الديوان الأنيق !
جديد الموقع
- 2024-03-29 الكتب والعزلة
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي