2016/01/12 | 0 | 3573
كي نرى عطارد علينا أن نكون أكثر مرونة
سنتسائل بعدها لماذا لم يراها رغم وضوحها ؟؟؟
عندما نتأمل بعالمنا المزدحم بالأشياء التي تشغل حيزا من الفراغ ونتسائل ماذا لو أزلنا جميع هذه الأشياء التي تسكن حولنا, ماذا لو أزلنا الأرض , والكواكب , والنجوم والمجرات حتى الذرات ...
ياترى ماذا سيبقى ؟
معضمنا سيجيب لا شيء , و لكن الواقع خلاف ذلك فما تبقى هي مساحة فارغة تسمى بالفضاء .
ولأن جميع الأشياء تسكن هذا الفضاء , فقد أخذ وصف هذا الفضاء حيزا كبيرا من تفكير العلماء .
تصور اسحاق نيوتن عالم الرياضيات و الفيزياء (1642م - 1727 م ) هذا الفضاء كخشبة المسرح الفارغة وبالنسبة له كان الفضاء هو الإطار لجميع الأحداث و الساحة التي تحدث فيها الدراما الكونية وكانت خشبة نيوتن مطلقة أبدية وثابتة لا تتغير ولا تتأثر بالأفعال المحيطة . هذا الإطار رغم جموده وثباته إلا أنه استطاع أن يفسر الكثير من الحركات ومن خلالها استطاع أن يصوغ العديد من القوانين التي تشرح هذه الحركات , ولكن هذا الإطار عجز عن تفسير بعض الظواهر وأهمها حركة دوران كوكب عطارد الذي كان بمثابة اللغز المحير ؟
لماذا لم يستطع إطار نيوتن أن يفسر حركة هذا الكوكب ؟؟؟
في عام 1915م طرح الفيزيائي الشهير ألبرت اينشتاين (1879م - 1955 م ) مجموعة من الأفكار ألتي هزت مسرح نيوتن من أساسه. ومع الثورة العلمية وتقدم الأجهزة لفتَ إنتباه اينشتاين الرقم الكبير لسرعة الضوء الذي يقدر بحوالي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية مما جعله ينظر لإطار نيوتن بشكل مختلف .فلم تعد الأبعاد ثابتة أو مطلقة وإنما أصبحت ديناميكية و أكثر مرونة بإدخال بعد الزمان على هذا الإطار فأصبح الإطار الجديد زمكاني يحاكي التغيرات ويجاريها مما أكسبه المرونة والتجاوب مع الأحداث بشكل أكبر ومن خلال هذا الإطار استطاع العلماء أن يجدوا تفسيرا لحركة كوكب عطارد التي عجز إطار نيوتن الثابت عن تصورها .
هذه الحقيقة العلمية لو أسقطناها على حياتنا اليومية سنجد السبب المنطقي وراء إختلاف الناس حول فكرة ما , حيث تبدو لأحدهم واضحة جدا وللأخر عكس ذلك.
فالإنسان اعتاد أن ينظر إلى الكون من خلال إطار فكري معين يحدد مجال نظره ويستغرب بـل وينكر أي شيء لا يراه من خلال ذلك الإطار .
يبدأ هذا الإطار بالتشكل مع ولادة الإنسان وتبدأ معالمه بالوضوح يوما عن يوم كلما تقدم الإنسان في العمر .
إن الإنسان متأثر بهذا الإطار من دون أن يشعر، فهو حين ينظر إلى ما حوله لا يـدرك أن فكرته مقيدة ومحدودة وكل يقينه أنه حر في تفكيره و أن الأمور واضحة وجلية أمامه .
إن أغلب الخلافات بين البشر ناتجة عن وجود هذا الإطار اللاشعوري على عقل الإنسان , والأغلب منهم لا يستشعر وجود هذا الإطار ولذلك تراه متعصبا لرأيه مقصيا للأخر.
إن ما يميز الباحثين والمبدعين عن غيرهم معرفتهم بهذه الإطارات اللاشعورية ولذلك تجدهم أكثر مرونة من غيرهم في مواجهة الأفكار المختلفة .
هنالك عدة أبعاد تشكل هذا الإطار أهمها البعد النفسي والبعد الاجتماعي وحيث أن الإنسان يمتلك نفسا معقدة التركيب فيها الكثير من الرغبات والعواطف ولذلك تجده ينطلق في رؤاه من خلال ذلك البعد .
البعد الآخر هو البعد الاجتماعي وحيث أن الإنسان لا ينفك عن مجتمعه ولذلك تجد إطاره الفكري يتأثر بشكل كبير بالقيم التي يحملها ذلك المجتمع
هذه الأبعاد تتغلغل عميقاً في اللاشعور الذي ينشأ عليه الفرد ويعتاد عليها حتى تصـبح جزءاً لا يتجزأ من منطقه وأسلوب تفكيره .
وفي الواقع نجد أن الشخص الذي جعل من إطاره قالبا جامدا وثابتا ولا يتصور أبعادا غير الأبعاد التي يرى من خلالها يصعب عليه أن يكون مبدعا أو عبقريا لأنه باختصار أصبح أسيرا لما اعتاد عليه من مألوفات اجتماعية ونفسية.
وعلى العكس من ذلك نجد أن الشخص الذي أدخل بعد الزمن على أبعاده السابقة جعل من إطاره الفكري اللاشعوري أكثر مرونة لمواجهة المتغيرات ومواكبة الأحداث ولذلك تجده يتنقل بين الإطارات بسهوله دون تكلف فيرى ما يراه الآخر حتى وإن اختلف معه .
الخلاصة
إن أردنا أن نتقبل الآخر حتى وإن إختلف معنا في رؤيته علينا أن نتقبل فكرة تعدد الإطارات وأن نجعل أبعادنا الفكرية أكثر مرونة, ولنتذكر دائما أن كوكب عطارد لم يكن يشاهد لو لم تكن تلك الأبعاد مرنة.
جديد الموقع
- 2024-05-06 مدينة مصغرة لواحة الأحساء الزراعية
- 2024-05-05 مثقفون وأعيان يرصدون العطاء الأدبي للبابطين
- 2024-05-05 قصيدة (مطية الغياب)
- 2024-05-05 افراح الغزال و الدخيل في رويال الملكية بالاحساء
- 2024-05-05 شَبَه الكتابة بالرسم
- 2024-05-05 ما بعد الوظيفة (1).
- 2024-05-05 ابن الأحساء الحبيبة الفلاح الفصيح
- 2024-05-04 بيت الشعر في الفجيرة ينعى الأمير بدر بن عبد المحسن
- 2024-05-04 الأمير سلطان بن سلمان : الأمير بدر بن عبدالمحسن ترك ارثاً لا يمكن أن يحمى مهما طال الزمن
- 2024-05-04 افراح الدويل و الغزال في احلى مساء بالاحساء