2021/04/15 | 0 | 2486
كورونا ليست إيدز...؟!
إن الالتزام بحفظ النفس وعدم تعريضها لما يزهقها أو يضر بها هو واجب إنساني وعقلي وديني وعرفي وأخلاقي، فيجب على الجميع الحفاظ على أنفسهم وصونها وحراستها وحمايتها عبر كل الوسائل والاحتياطات والاحترازات والتدابير التي تضمن تحقيق الحفظ للنفس من الضرر أو الأذى أو حتى من الإزهاق، بل يجب على كل إنسان أن يحافظ على نفسه ويحميها وأن يحافظ على أهله وأسرته وكل من يلوذ به أو هم تحت دائرة مسؤوليته من كل ما قد يعرضهم للضرر او الموت.
ومن الأمور الواجب على الإنسان فعلها أن يأخذ هذه التدابير والاحترازات على محمل الجد، وأن يعمل بها في عصر هذه الجائحة (كورونا) _أجارنا الله وإياكم منها_.
إن من أبرز طرق وسبل الوقاية والحماية _قبل ان تأخذ المسحة الطبية_ أن تقوم بعزل نفسك عن أهلك وكل من حولك فور شعورك بأحد أعراض هذا المرض، ثم تسارع إلى أخذ المسحة الطبية لفحص (كورونا) وتلتزم بإجراءات الحجر الصحي المنزلي حتى ظهور نتيجة المسحة الطبية، وبعد ظهور نتيجة الفحص وتبين الإصابة _لا قدر الله_ فإن الواجب الإنساني والديني والعقلي والعرفي والأخلاقي والوطني يؤكد على ضرورة إخبار جميع الأشخاص الذين قمت بمخالطتهم خلال الفترة التي سبقت شعورك بأعراض هذا المرض؛ ليسارعوا إلى اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي قمت أنت باتخاذها قبل أن يشعروا بالأعراض، وقبل أن يبدأوا بنقل الفايروس إلى أهلهم ومحبيهم ومن يعز عليهم، وكل من حولهم ممن يحتكون بهم يومياً سواء في أعمالهم أو أثناء قضائهم لاحتياجاتهم اليومية عبر التسوق وغيره من أساليب المخالطة اليومية في هذا المضمار، وهذا هو التصرف الصحيح والسليم عند الشعور بأحد أعراض (كورونا) أو مخالطة أحد المصابين.
إن من أبرز الأمور التي تعيننا على تجاوز هذه المحنة وهذا الابتلاء وتناقص عدد الإصابات وانحسار المرض ومحاصرته هو التصرف السليم والصحيح بما تمليه علينا واجباتنا الدينية والإنسانية والأخلاقية والوطنية عند الشعور بأحد أعراض المرض أو مخالطة أحد المصابين به.
إن تصرف من أصيب بحكمة وعقلانية وإخباره لمن خالطهم بأنه مصاب بهذا المرض كفيلٌ بمحاصرة المرض وتقليص عدد الإصابات والقضاء على هذا الوباء، ولكن كيف سيكون وضعنا في حالة تكتم كل مصاب منا بهذا الوباء على مرضه ولم يخبر أحداً ممن حوله، واستمر في ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي، واستمر في مخالطة أهله وأحبائه و زملائه في العمل وفي المسجد وفي السوق وفي الشارع وفي كل مكان؟!!
نعم _أخي القارئ الكريم_ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه عليهم وعلى أنفسنا ولك أن تتخيل العواقب الوخيمة جداً لمثل هذه التصرفات اللامسؤولة التي قد يمارسها البعض من الناس عند إصابتهم بمرض (كورونا).
ولكن السؤال الأهم والأعجب هو ما السر الذي يجعل هؤلاء _المصابون بـ(كورونا)_ يقومون بإخفاء إصابتهم بمرض كورونا عن جميع من حولهم، ومن ثم يقومون بممارسة حياتهم بشكل طبيعي رغم إصابتهم بهذا المرض؟! ولماذا يقومون بهذا التصرف؟!
لقد لاحظنا في أوج الجائحة بأن سيارات الإسعاف كانت تصل إلى بعض البيوت لأخذ المصابين بوباء (كورونا) من منازلهم إلى بعض الأماكن التي حددتها وزارة الصحة _مشكورة_ للحجر الصحي، وعندما يتواصل الجيران مع أصحاب تلك البيوت التي زارتها سيارة الإسعاف للاطمئنان عليهم وعلى صحتهم وسؤالهم عن سبب وجود سيارة الإسعاف على بابهم تتعجب بأن بعضهم لا يجيبون على هواتفهم، والبعض الآخر قد يلجأ للكذب، ويعطيك أسباباً أخرى غير واقعية ولا علاقة لها بالسبب الفعلي وهو سقوط أحد أبناء هذا البيت فريسة في يد مرض (كورونا) يعني من الأخير يصرفونهم.
نعم لقد لاحظنا في تلك الفترة وحتى يومنا هذا بأن البعض ربما يصاب بمرض (كورونا) ويتكتم على إصابته كأنه ارتكب عيباً أو محرماً، أو كأنه أصيب بالإيدز، أو كأنه قام بإحدى الموبقات والكبائر والعياذ بالله، وكأن الإصابة بـ(كورونا) عيب أو نقص في حقه، أو حرام أو كبيرة من الكبائر، دون أن نفكر في عواقب هذا التكتم الذي قد يؤدي إلى تفاقم أعداد الإصابات بين أفراد الأسرة الواحدة وفي وسط العائلة وبين الجيران والأصدقاء وفي المجتمع إلى ما لانهاية، وبالتالي إلى تفشي هذا الوباء وانتشاره بدلاً من القضاء عليه وانحساره.
وحتى نصل إلى جواب السؤال الذي طرحناه حول السر الذي يجعل هؤلاء الأشخاص يكتمون إصابتهم بـ(كورونا) ولا يخبرون من حولهم، يجب أن نقف وقفة تأمل ومصارحة لأنفسنا حتى نتعرف على جواب هذا السؤال بأنفسنا، فهناك عدة عوامل وتصرفات نقوم بها تجعل هؤلاء الأشخاص يتحرجون من إعلان إصابتهم بالمرض وإخبار من حولهم بذلك ومنها:
1- النظرة الخاطئة لدى بعض أبناء المجتمع لهذا الوباء، فالبعض من الناس يتعامل مع هذا الوباء على أنه مرض كالإيدز الذي يعتبر الاتصال الجنسي أحد الأسباب الرئيسية للإصابة به، وفي الحقيقة وإن لم يصرحوا بهذه النظرة لهذا الوباء إلا أنك تستطيع استنتاج ذلك من خلال تعاملهم مع من أصيبوا بـ(كورونا) حيث يتعاملون معه بفوقية وبأنهم أفضل منهم؛ لأنهم لم يصابوا، كما نجدهم ينبذون من أصيبوا بهذا الوباء من بينهم حتى بعد تشافيهم من هذا المرض، ويتعاملون معهم كأنهم ارتكبوا محرماً أو كبيرة من الكبائر أدت إلى إصابتهم بهذا المرض كما يحصل في مرض الإيدز والعياذ بالله، ونفس هؤلاء الأشخاص الذين ينظرون هذه النظرة سيكتمون إصابتهم بـ(كورونا) في حال أصيبوا بها بسبب نظرتهم الخاطئة.
2- النظرة الخاطئة لدى بعض أبناء المجتمع لهذا الوباء، فالبعض من الناس يتعامل مع هذا الوباء على أنه مرض كالجرب، إذ ينتقل الجرب بواسطة الملامسة المباشرة مع شخص مصاب بالمرض. وقد ينتشر مرض الجرب، أيضاً من جراء استعمال مشترك للأدوات والأغراض الشخصية، مثل: المنشفة أو غطاء السرير.
فتجد بعض الأشخاص حتى من ذوي المصاب يتعامل مع المصاب بـ(كورونا) كالمصاب بالجرب، حيث لا يقترب منه نهائياً، ولا يدعمه نفسياً، ولا يصبره، ولا يواسيه، ولا يساعده لتجاوز هذا الوباء، بل ربما يتسبب له بهبوط في المناعة وتفاقم الوضع الصحي عبر لومه على الإصابة بالمرض أو خسارة قريب أو صديق له ومعاتبته ومقاطعته، ونفس هؤلاء الأشخاص الذين يتعاملون مع المرضى بهذه الطريقة سيكتمون إصابتهم بـ(كورونا) في حال أصيبوا بها بسبب نظرتهم الخاطئة.
3- إن مقاطعة بعض أفراد المجتمع لمن أصيبوا بـ(كورونا)، ولمن مروا بهذا الوباء حتى بعد تعافيهم وتشافيهم، ومعاملتهم على أنهم سبب من أسباب انتشار هذا المرض، أو أنهم سبب لوفاة وخسران بعض أقاربهم ومن حولهم، يعتبر سبباً رئيساً يجعل بعض من يصابون بـ(كورونا) يتكتمون على إصابتهم به.
4- الانتقاد اللاذع والحاد لمن أصيبوا ووصفهم بالاستهتار والتهاون والتساهل في الإجراءات، يجبر المصابين بـ(كورونا) على كتم إصابتهم وإخفائها، ويجبر أيضاً من ينتقد المصابين بالوباء ويصفهم بالمستهترين أن يكتم إصابته بالوباء عندما يصاب به؛ بسبب سلوكه هذا.
هذه بعض التصرفات الخاطئة من قبل بعض أفراد المجتمع التي قد تؤدي بالمرضى بـ(كورونا) إلى كتمان إصابتهم بهذا المرض وعدم تنبيه من حولهم ومن خالطوهم قبل اكتشاف إصابتهم بالمرض.
في الحقيقة بأن المصاب بـ(كورونا) لو لم يشعر بانه منبوذ، أو بأنه مهدد بالقطيعة الدائمة، وباللوم والعتب المستمر، وتحميله السبب في إصابته وإصابة من حوله وربما في خسارة بعضهم كما حصل مع الكثيرين لما اضطر إلى إخفاء إصابته بالمرض ولأفصح عنه بكل أريحية وطمأنينة.
ولكن عندما يتخلى المجتمع عن مسؤولياته ويحمل المصاب وحدهُ المسؤولية الكاملة عن جائحة ووباء عالمي اجتاح العالم كله ولم يبق بلد إلا ودخله وأصيب به شعوب دول العالم كلها، عندها فقط يمكنك أن تدرك حجم الإعاقة الفكرية التي توجد لدى بعض أفراد المجتمع حيث جعلتهم يفكرون بهذا التفكير ويتعاملون مع المرضى ومن أصيبوا بالوباء بهذه الطريقة الخاطئة لا لشيء منطقي مقنع، بل لأنهم لم يصابوا بهذا الوباء بعد، ولم يجربوه بعد.
إن التواد والتراحم والتعاطف مع من أصيبوا بهذا الوباء أو سقطوا ضحايا هذا الوباء هي مسؤولية الجميع، وهي مسؤولية دينية وإنسانية واجتماعية ووطنية وأخلاقية، فعلينا جميعاً الشعور بهذه المسؤولية والقيام بها وأدائها على أكمل وجه، يجب علينا أن ندعم ونساند المصابين حتى يتجاوزوا المرض ويتعافوا ويشفوا منه، ويجب علينا أن ندعم ونواسي من فقدوا أحبةً لهم في هذه الجائحة ونطبطب على أكتافهم ونمسح دموعهم ونسليهم؛ لنخفف وقع الفاجعة على قلوبهم وليجتازوا تلك المصيبة التي مرت بهم، بدلاً من أن نقوم بمقاطعتهم وكأنهم ارتكبوا محرماً أو جريمة أو كبيرة من الكبائر أو كأنهم جاؤوا بإفكٍ مبين أو أنهم مصابون بالإيدز أو الجرب، ويجب علينا أن نعلم بأن مقاطعتنا لهم لا تعفينا من القيام بواجباتنا ومسؤولياتنا تجاههم، ولا تسقط التزاماتنا تجاههم، وأن حقوق الأخوة والإيمان والرحم والقرابة وحقون الإنسان والوطن لا يمكن أن تسقط بمجرد اعتقادنا بمعتقدات خاطئة زائفة باطلة حول وباء (كورونا) أو حول من أصيبوا به.
قال النبي الأكرم _صلى الله عليه وآله وسلم_: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وورد عن أمير المؤمنين الإمام علي _عليه السلام_ انه قال: "المواساة أفضل الأعمال". وله أيضاً _عليه السلام_: "أخوك مواسيك في الشدة". وقال أيضاً _عليه السلام_: "أحسن الإحسان مواساة الإخوان". وعنه أيضاً _عليه السلام_: "ما حفظت الأخوة بمثل المواساة".
وعن الامام الصادق _عليه السلام_: "تقربوا إلى الله تعالى بمواساة إخوانكم".
همسة أخيرة:
إلى كل من شعر بأعراض هذا المرض أو أصيب به أخبر كل من حولك وكل من خالطتهم بذلك فهذا واجبك وتكليفك الشرعي والإنساني والأخلاقي والوطني، فأنت قد تنقذ حياتهم أو حياة أحدهم بهذه المعلومة. ولا تهتم بمن لديهم عوق فكري في التعامل مع من أصيبوا بهذا الوباء، واعلم بأنك لست بِدعاً من البشر فلست أنت أول من أصيب بهذا الوباء ولست أنت آخر من أصيب به. _وإن كنتُ أنا قد تمنيت أن أكون آخر من يصاب به بعد إصابتي به_ فمن جرب الإصابة بمرض (كورونا) وقاسى آلامه وتجرع حسراته، لا يمكن أن يتمنى ذلك الألم لأي إنسان على هذا الوجود فكيف بمن يحبهم ويعزهم ويحترمهم؟!!
وإلى جميع أفراد المجتمع أهمس في أذنهم فأقول لهم: ارحموا من أصيبوا وادعموهم وساندوهم ليتشافوا من هذا المرض، واعطفوا على من فقدوا أحبةً لهم وادعموهم وواسوهم فذلك أضعف الإيمان، واعلموا بأنهم اليوم هم المصابون أو الفاقدون وغداً قد تكونون أنتم في مكانهم، فأحسنوا إلى أنفسكم قبل إحسانكم إليهم، فكل كلمة قد تقولونها اليوم وأنتم في حالة رخاء ويسر ستندمون عليها غداً وأنتم في حال شدةٍ وعسر، وستتمنون ألف مرة بأنكم لم تقولوها.
جديد الموقع
- 2024-04-20 إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالشعر
- 2024-04-20 افراح المبارك والموسى تهانينا
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"