2009/09/01 | 0 | 2260
في ضيافة الله
قال تعالى في حديث قدسي معروف: «كل عمل ابن آدم هو له، إلاّ الصيام، فهو لي، وأنا أَجزي به»([1]).
أيامٌ قلائل، ونكون جميعاً إن شاء الله، في ضيافة الله (جل وعلا) وهذه الدعوة عامة للمسلمين، وللمؤمنين بصورة خاصة... لا تفصلنا عن هذه الأيام العظيمة إلاّ أيامٌ قلائل، لنكون في الشهر المبارك الكريم، شهر رمضان، الذي تميز عن بقية الشهور، كما هو معلوم لدى الجميع، فإنه يقبل إلينا بشوق، ويحمل إلينا البركات، كما تبين الروايات الشريفة، فكما أنه يقبل إلينا بالشوق والرحمة والبركات، فلا بد لنا أن نقبل عليه بالتوجه والحماس والشوق.
هب أن أحداً جاء لزيارتك، متشوقاً لرؤيتك، فإنك بلا شك سوف تقابله بالحال ذاتها من التلهف والتشوق، وهذا هو المتعارف بين الناس، فكيف والزائر شهر رمضان، شهر المغفرة والرحمة والرضوان؟!
إن الدعوة لضيافة الله تعالى في هذا الشهر الكريم، إنما هي دعوة عامة للجميع، ولا تحتاج إلى وسائط ومكاتبات، فمن أراد أن يلبي هذه الدعوة الشريفة، بشكل مباشر وسريع، فلا بد أن يتوجه إلى ثلاثة أمور: القرآن والدعاء والمسجد، فهذا المثلث له خصوصية في شهر رمضان المبارك، والمتتبع للروايات الشريفة، وما جاء في القرآن الكريم قبل ذلك، يلاحظ أن هذا المثلث له خصوصية بارزة في شهر رمضان المبارك، فمن أراد أن يلبي هذه الدعوة، ويتواصل معها، يمكنه ذلك، عن طريق القرآن والدعاء والمسجد.
فضل القرآن
كلّنا يعلم ما للقرآن من خصوصية في هذا الشهر الكريم، فالله تعالى يقول: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾([2]) فهذا الشهر المبارك زاده الله نوراً بنزول القرآن العظيم:﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾([3]) فالقرآن الكريم نزل في هذا الشهر المبارك، وقد أراد الله (جل وعلا) أن ينطلق المسلمون في جميع شؤون حياتهم من منطلق القرآن، وبالخصوص في هذا الشهر. فنحن نعلم أن الهدى والصراط المستقيم، والنجاة من الهلكة، إنما هي في القرآن الكريم، لذا نلمس التأكيد الكبير من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) على التمسك بالقرآن العزيز.
انظروا إلى هذا الإنسان الضائع في متاهات الحياة، ستجدون أن سبب ضياعه إنما هو ابتعاده عن القرآن الكريم، ولو أنه لازم القرآن، وتلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، لوجد فيه الشفاء والنور والنجاة. فأينما وجدتم الضياع والانحراف في مجتمع ما، فاعلموا أن فيه انحرافاً وابتعاداً عن القرآن، فالمجتمع القرآني المتمسك بالقرآن لا يصيبه الانحراف والضياع.
والتمسك بالقرآن الكريم لا يعني قراءته فقط، فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه([4])، فبعض الخوارج كان يختم القرآن في ليلة واحدة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لا أحد يشك أن القرآن يلعن الخوارج، مع كونهم يقرؤون القرآن، ويصومون النهار، ويقومون الليل. وهناك نماذج كثيرة مشابهة في عصرنا الحاضر.
ولعل البعض يقول: كيف أقرأ القرآن والقرآن يلعنني؟ إن القرآن يلعن أولئك المنحرفين عن علي (عليه السلام)، لكن هذا غير صحيح، فمن قرأ القرآن وخالفه فهو ملعون، أياً كان.
سأل رجل الإمام الصادق (عليه السلام): كيف أعرف أن صلاتي مقبولة؟ فأجابه: ﴿ِإِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾([5]) أي أن النتيجة واضحة، فإن الصلاة إذا نهتك عن الفحشاء والمنكر فهي مقبوله، وإلا فلا، وعليك بمراجعة حساباتك. وكذلك نحن، نصلي الجمعة، ثم نعود إلى بيوتنا وأعمالنا، فإن كان حديثنا في الغيبة والبهتان والتعرض للحرمات وأكل لحوم الناس، فهذا يعني أن في صلاتنا خللاً، ولا بد من مراجعة حساباتنا.
هكذا الحال مع القرآن، فمن قرأه وخالف المسيرة القرآنية فإن القرآن يلعنه بلا شك. فعلينا أن نرجع إلى القرآن ونتدبره ونتفهمه خصوصاً في هذا الشهر المبارك الكريم، لنجد فيه الهدى والرشاد بشكل واضح ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى﴾([6]).
إن القرآن الكريم بين لنا كل شيء في هذه الحياة، وكل التفاصيل التي تهدينا إلى الله تعالى، خصوصاً القواعد العامة، والخطوط العريضة، في الحياة الاجتماعية والأسرية وفي كل جانب من جوانب الحياة، أما التفاصيل والجزئيات الأخرى فقد بينها لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأهل البيت (عليهم السلام).
فضل الدعاء
أما الجانب الآخر في المثلث الذي ذكرته فهو الدعاء، وهو أحد وسائل الارتباط بين العبد والمعبود، وقد ترك لنا الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) تراثاً عميقاً وعظيماً في حقل الدعاء، والمتتبع لهذا المجال يجد الكم الهائل والتراث الكبير الذي لا يوجد له نظير في أي مدرسة أخرى غير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فأنت ترى الأدعية في هذه المدرسة في كل وقت، وفي كل مقام، فهناك دعاء الصباح، ودعاء العهد، وأدعية السحر في شهر رمضان، والأدعية الأخرى المخصوصة بهذا الشهر.
وقد يرى البعض أن هذه الأدعية مخصوصة بفئة معينة، وهم من يعيشون الضعف والخذلان والتذمر، وهذا تصور مريض يحتاج إلى إصلاح، فالدعاء للقوي وللضعيف، الكل منا محتاج للدعاء، والخطاب في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾([7]) ليس موجهاً لفئة مخصوصة، كالضعفاء والمساكين مثلاً، إنما هو للجميع.
فمن الوسائل التي تربطنا بالله جل وعلا في شهر رمضان، الأدعية، فلا بد أن نركز، وأن نكثر من قراءة الأدعية، حتى نتحسس ونتلمس بركات هذا الشهر الكريم.
نومكم فيه تسبيح
ومن رحمة الله جل وعلا بعباده أن نومنا في هذا الشهر الكريم عبادة، وأنفاسنا فيه تسبيح، وكل عمل يؤديه المسلم فيه يؤجر عليه أضعافاً، بل إن من الأعمال ما لا يستحق أحدٌ عليه الأجر في الوضع الطبيعي، كالنوم مثلاً، فنحن نعلم أن جميع الناس ينامون، وأن النائم رفع عنه القلم، لكن الباري عز وجل شاء أن يجعل من هذا الفعل عبادة.
ومن الملاحظ هنا أن الكثير من الناس لو اتخذوا نهار شهر رمضان وليله للنوم لكان أفضل لهم حالاً، لأن هذه الحال إذا ما قورنت بالوقوع في المحرمات، فهي أفضل من غير شك. ونحن هنا لا ندعو إلى قضاء الوقت بالنوم، ولكن لو دار الأمر بين هذا وذاك، فإن النوم أفضل، وإلا فمن سوء التوفيق أن يحرم المرء غفران الله في هذا الشهر.
إن هذا الأمر أشبه بالحجر الصحي على المرضى، فإن كان المريض بمرض معدٍ يحبس لحماية المجتمع منه، فإن الوقوع في أعراض الناس والتعرض لحرماتهم أخطر من الكثير من الأمراض، فلو أن أحدنا كان لا يأمن من الوقوع في المحذورات والمحرمات، فإن النوم خير له، بل إن ممارسة الكثير من الأعمال المباحة الأخرى يكون له عبادة ما دام صائماً.
بيوت الله
العامل الثالث بعد القرآن الكريم والدعاء هو المسجد، فقد جاء في الحديث القدسي: «إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر»([8]) فلا إشكال أن هذه المساجد بيوت الله.
ولا بد لي هنا أن أبين أمراً يخص الآباء وكبار السن، وهو أن جلوسكم في المسجد فيه رحمة وبركة ورضوان من الله تعالى، وقد كررت هذا في مناسبات أخرى، لكن البركة بشرطها وشروطها، ومن شروطها أن نشغل أنفسنا بالذكر، فمن كان يقرأ القرآن فبها، لأن قراءة القرآن في هذا الشهر، وفي المسجد خصوصاً، فيها ثواب وأجر كبيران، أما من لم يستطع ذلك، فعليه بالتسبيح، وخصوصاً تسبيح الزهراء (عليها السلام) فإن فيه الخير الكثير، أما أن يجلس بعضنا إلى بعض، ونخوض في أحاديث شتى مما لا خير فيه ولا ثمر فهذا لا يتناسب، لا مع المسجد ولا مع الشهر الشريف.
ومما أوصى الله تعالى به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن لا يدخل المسجد من كان ظالماً للعباد. فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «أوحى الله تعالى إليّ، أن يا أخا المرسلين، ويا أخا المنذرين، أنذر قومك، لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلي بين يدي، حتى يرد تلك المظلمة..»([9]).
يقول له: ادع أصحابك إلى المسجد، شرط أن لا تكون عند أحد منهم لأحد العباد مظلمة، فالباري جل وعلا يقول لرسول الله: لا تدع إلى بيتي من كان ظالماً معتدياً آكلاً لحقوق الناس، والاعتداء لا يكون بالضرب فحسب، إنما قد يكون بلفظ بذيء، أو يكون بالتعامل غير اللائق مع أبنائك وزوجتك، فهناك حدود وضوابط جعلها لنا الشرع المقدس ولا بد أن نلتزم بها.
إن بعض الناس قد يكون حسناً في الظاهر، لكنه إذا دخل بيته تحول البيت جحيماً، فمن شاء أن ينظر إلى شخص من أهل النار، وممن سوف يتعرضون إلى عذاب القبر، فلينظر إلى هذا. إن البنين والأهل جعلهم الله جل وعلا لنا سكناً وأنساً، وبركة ورحمة وليس من العدل أن ندخل البيت وكأننا في حلبة صراع، فمن كان على هذه الشاكلة لا بد له أن يتوب إلى الله في هذا الشهر الشريف.
إنه شهر رمضان يقبل علينا بالبركة والرحمة والغفران، فلا بد أن نستحي من الله، وأن نغير الكثير من سلوكنا، ولا بد أن نكون مخلصين صادقين مع هذه الدعوة، فنرجو من الأخوة الآباء، ومن الأبناء كذلك، أن لا يجعلوا هذا الشهر يمر دون أن يصلحوا أنفسهم.
الخطبة النبوية في رمضان
لقد وقف النبي (صلى الله عليه وآله) قبيل شهر رمضان خطيباً، وكانت خطبته في مثل هذا اليوم الجمعة، وهي من الخطب العظيمة التي يشير بعض العلماء إلى استحباب قراءتها والتمعن فيها، لأنها مدرسة منهجية متكاملة.
فقد أراد (صلى الله عليه وآله) أن يؤسس مجتمعاً واعياً ناضجاً، فخطب تلك الخطبة قبيل شهر رمضان، ليوجه أنظارهم إلى ضرورة الاهتمام به والإفادة من لياليه وأيامه، لا أن يمر بهدوء وصمت كما تمر الأشهر الباقية. فكانت خطبته ذات معان سامية، تمثل دستوراً متكاملاً.
فمما بينه في خطبته الشريفة ضرورة المواظبة على قراءة القرآن والأدعية الشريفة، كما بين أن هذا الشهر هو شهر الإسلام؛ لأنه نزل فيه دستور الإسلام والبشرية جمعاء، ألا وهو القرآن الكريم.
فحري بكل فرد مسلم أن يدرس هذه المعاني التي ذكرناها.
وقبل الختام أود أن أبشركم ، سوف يكون هناك تكريم للأبناء المتفوقين، وهذه حركة وخطوة صحية للمجتمع، لذا أطلب من الآباء أن يساهموا في هذا التكريم، لأبنائنا وبناتنا، فما يُعطى من مساهمة لتكريمهم يعود إلينا بشكل غير مباشر، سواء لأبنائنا أو أبناء عمومتنا أو أبناء بلدنا. وهذه الحركة تبشر بخير كثير، ونحن نلاحظ في السنوات السابقة أن هناك الكثير من التنافس حول هذه الشهادة، ونحن نفتخر ونعتز بهذه المنافسة، فهي منافسة شريفة، ونشد على أيديهم أن يتنافسوا على الدرجة الكاملة. ولا يسعني أيضاً إلا أن أشكر الأخوة القائمين على هذه الجائزة.
أما عن كيفية الدعم لهذا المشروع، فهناك جمعية في المركز تقوم بهذه المهمة، فمن أراد أن يدعم المشروع فليراجع المركز، وأنا أشد على أيديكم للمساهمة في ذلك، لما فيه من المصالح العامة والخاصة لأولادنا وشبابنا وإخواننا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-04-27 صدور الكتاب الرابع عشر لـ عدنان أحمد الحاجي
- 2024-04-26 الوائلي.. في أوج العلم والثقافة والأخلاق
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .
- 2024-04-25 اترك أثراً إيجابياً.
- 2024-04-25 مؤسسة رضا الوقفية تكرم الفائزين في مسابقتها التصوير الفوتوغرافي - النسخة الثانية
- 2024-04-25 «خيوط المعازيب».. والذاكرة المنسية
- 2024-04-25 ناشط قرائي