2020/04/22 | 0 | 5226
في التآزر لرواد سفينة سعة
: طالما استوقفتني إضاءة رائعة لإمام المتقين (عليه السلام) في توصيف النبي (صلى الله عليه وآله) ويوميات وظيفته، لمخاطبين أستهلكوا الطاقات في مماحكات لم يتفق فيها حساب الحقل مع حسابات البيدر كما قال المثل، وهي قوله (عليه السلام) عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) : (طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ، يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ، وَآذَانٍ صُمٍّ ،وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ ،وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ ،وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ، وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ، قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ، وَوَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا، وَأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا، وَظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا، مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ، وَأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ، وَنُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ ،وَتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ ، وَأَيْقَاظاً نُوَّماً ، وَشُهُوداً غُيَّباً ، وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ، وَسَامِعَةً صَمَّاءَ، وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ).
وفِي شطر النص المتقدم الأول ما يمكن الإضاءة عليه مما يتعلق بمهام للرسل، ما يفترض بالمؤهل من عالم أو مثقف أن يضطلع بها بحسب وسعه، وفِي شطره الأخير ما يمكن أن يقرأ فيه متعلقا بقراءة تلك المهام. وعلى كل حال فمما يلحظ في معطيات النص المتقدم مما يتعلق بموضوع الأداء النبوي الإصلاحي التنموي التطويري .....(ما شئت فعبر)، استخدام عنوان "الطبيب"، و " حيث الحاجة"، ما يعضده الواقع التاريخي الكلي لأداء النبي (ص) ، الذي ربما أوسعه البعض انتقائية بين يسار ويمين، إلعنوانان والسيرة التي تشير ضمن ما تشير إليه إلى أن تحطيم السفينة ونسف كل شئ ليس من نهج الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم)، الذي يتعامل في أداء وظيفة الهداية تعامل الطبيب المتقن الحكيم، فيشخص الإيجابي والسلبي ليبني على الأول ويعالج الآخر بالتي هي أحسن، وفي تاريخ النبوة والإمامة حشود أمثلة على ما تقدم، ففي الوقت الذي كان النبي (ص) يكافح فيه الجحود والتعدي على نقاء الفطرة على جميع المستويات في المجتمع الجاهلي الذي عاصره، تراه يقتنص الفرص ليقيم أي تميزإيجابي فيه، كاالكرم ونظائره مما ينتمي إلى الخلق النبيل، فقد حدثتنا السيرة، أنه لما جئ بسفانة بنت حاتم الطائي في سبي قومها بعد تمكن النبي (ص) من معالجة عدوانهم، خاطبته مشيرة إلى مكارم أخلاق أبيها، فقال كما روي عنه (ص): (أطلقوها كرامة لأبيها فإنه كان يحب مكارم الأخلاق ...)، فقالت: أنا ومن معي؟ فقال: (أطلقوا من معها كرامة لها). وترى عليا (ع) وهو في طريق إحدى المعارك التي فرضت عليه يمر على أطلال كنيسة قديمة، قد راح يمعن النظر فيها فقال له أحد الجنود: لطالما عصي الله هنا، فأجابه (ع) بقوله: (ويحك لطالما عُبِدَ الله هنا). هذا أيها القارئ الكريم تعامل ممثلي السماء الباني المقيم المقدر لكل جهد نافع مهما بدا للقارئ كبيرا أو صغيرا مع الآخر، وبوسعك أن تتوقع نبل ورقي تعاملهم (ص) مع مجتمعاتهم مهما وقع اختلاف. وإذا كان ما تقدم مما يكثر الإشارة إليه فإن مما لا يكثر التركيز عليه من روائع "الطبيب" و "حيث الحاجة" في عالم ممثلي السماء (ص)، ترجمة ذينك العنوانين في حالات الشدة من حروب أو كوارث أو جوائح، كالتي يمر بها مجتمعنا بل العالم، بأسره هذه الأيام، ومنه موقف الإمام (عليه السلام) لما استشعر خطر حالة الرجوع عن الإسلام بعد النبي (ص) على سلامة وأمن المجتمع المسلم الذي صنعه في المدينة وما حولها من بقاع الجزيرة العربية بمعية صنوه النبي (ص)، فقد روي عنه (ع) قوله: (حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ ، الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ).
الحالات العملية التي تشكل في العادة محكا ومختبرا لمصداقية خطاب ما، وبوسع الباحث في تاريخ مجتمعنا بالخصوص تلمس روائع في هذا الصدد أبان وقوع كوارث وجوائح عبر تاريخه الممتد، كما في حالتي الوباء اللتين اجتاحته وما حوله سنة ١٣٣٧ه، وسنة ١٣٦٣ه ، السنتان التي تعرف كل منهما لدى الأسلاف ب "سنة الرحمة". ففي الوقت الذي اشتملت عليه أخبار السنتين المشار إليهما من ضخامة حجم فقد ومعاناة وعذابات، اشتملت على قصص، هي آيات جلال في التعاون والتآزر والتكافل والحب والتسامح بين أفراد المجتمع، وشرائحه؛ من ملاك، وفلاحين، وصناع، ورجال دين ربما يسهل على الباحث تلمس أداءهم في الجملة، لعوامل منها موقعهم المميز في مجتمعاتنا، ما يسهم في تسليط الضوء على أدوارهم قياسا بغيرهم اللذين قدموا روائع خلالهما، فهم - بحسب تلك الأخبار - التي تحدثت عن تلكما الجائحتين - الآباء ألحانون، المتضرعون لله، الرافعون للحالة المعنوية للناس، الموجهون لعملية التكافل، المطببون والمعالجون النفسيون، والقائمون على المراحل الأخيرة من تجهيز الراحلين، رغم خطورة كل تلك الأدوار، و في عنوان "الرحمة" ذي البعد الديني بصمات لأعلام من تلك الشريحة. والآن تحل هذه الجائحة، وكلنا ضراعة إلى الله تعالى أن يدفعها عن كل خلقه في هذا العالم، وكلنا دعاء أن يسدد ويوفق جد واجتهاد الجهات الرسمية المعنية بهذا الشأن لبلوغ الغاية في الحفاظ على سلامة وأمن ورعاية الوطن الغالي، من خلال أجهزتها المتعددة كلا في موقعه، وأن يوفق كل جهد خاص داعم لتلك الغاية، وكلنا تطلع لروائع وبطولات إنسانية وحب وتآزر في هذا السياق نرويها بمشيئة الله للأجيال القادمة كما فعل الأسلاف تجاهنا (ليدون في سجل رب ضارة نافعة)، روائع وبطولات لمسنا بواكيرها في الفترة الماضية من أيام الجائحة، من خلال شرائح منها التي أشرت إليها. وكلنا تطلع وترقب لأدوار شرائح تعد جديدة على مستوى العناوين في مجتمعنا لا على مستوى الوجود والفعالية، وأخص منها ذات العلاقة بالفكرة والمعنى، كشريحة ما يمكن تسميته بالمثقفين، التي نتوقع أن يصوغوا ونظراؤهم في شأن الفكرة والمعنى، من رجال دين، وأدب، وغيرهم، قلائد عطاء وحب وتضحية، بدءاً بمستوى العلاقات، لبلوغ غايات عليا تتناسب مع علو واستراتيجية دور الفكرة والكلمة، وليتبدد وهم أسهمت في تلبده في أذهان البعض عوامل، محصلته: أن فيمن أشرت إليهم من أهل الفكرة والمعنى شريحتان لا يتفقان، الوهم الذي لا يعضده حرف على المستوى النظري للمجال الفكري المعنوي حتى نظرية "الميكانزمات الدفاعية النفسية العشرة" ل "آنا فرويد"، وينقضه رصيد ضخم من التجارب التاريخية الواقعية، ومنها ما هي معاصرة بل شخصية،
ربما كان من المفيد الإشارة إلى ثلاث منها: الأولى: مشروع المثقف المؤرخ في شخصية شيخ مؤرخي الأحساء الحاج جواد آل الشيخ علي الرمضان (رحمه الله تعالى)، الذي بدأ في فترة كثرت فيها المعوقات في طريق مثله، وقد وجد في رجال العلم في وطننا في حينه السند الأبرز، فقد كانت مكتبات بعضهم ومقتنياتها معارج لغاياته، ومنها مكتبة العلامة الراحل الشيخ باقر بوخمسين (رضوان الله عليه). الثانية: الفكرة التي كانت تلح علي زمنا قبل تحققها لتعقيد جملة من متطلباتها، وهي فكرة "مسابقة عيد الغدير للبحوث والترجمة" ضمن مهرجان الغدير السنوي الذي كنّا نقيمه سابقا، التي كان من شأنها تآزر بل عناق الحوزوي والأكاديمي والمثقف في عمل ديني ثقافي منتج، الفكرة التي لم يكن ليتأتى لي تحقيقها لولا عوامل، من أهمها معطون طيبون منهم قامات، فقد وجدت خلاله الفقيه الهاجري (رضوان الله عليه) مباركا، وسيد الشعائر العلي (رضوان الله عليه) لي في المهرجان بمجمله راعيا، والعلم الفضلي (رضوان الله عليه) محكما وداعما، وهي تجربة من الغني والتفاصيل، ما يتطلب تقييمها مساحة لا يحققها مقال. الثالثة: تجربتي وعدد من الحوزويين في أكثر من مشروع خدمي اجتماعي، كان إلى جانبنا فيها عدد من الوجهاء، أحدهم المثقف (أصفه بهذا العنوان مع قناعتي بسعة متطلباته) الإنسان المهندس مهدي الرمضان (رحمه الله تعالى)، الذي وجدت فيه رغم طول الفترة وما يواجه فيها من تعقيدات وصعوبات وربما اختلافات؛ منجما منتجا فيمن معه لثقافة الحل والحب والتسامح، رجلا كثير المعونة قليل المؤونة، وكأني أنظر في آخر لقاء لي به إلى محياه الذي حلقت به روحه الطيبة عما يعانيه من آلام، يقدم إلى لقاء الله وادع الضمير لإخلاصه لقناعاته، ومنها ما صاغه أقوالا، كقوله مناجيا الحبيب الأعلى: "أنت دللتني إليك، أنت أنرت دواخلي يوم هديتني إليك،...أمسى الحب طريقي الذي دللتني عليه، ...، أعتقني حبك عن جميع المعبوديات، وأخرجني من التيه والحيرة والارتباك..."، وقوله: "إذا سكنك هم الإنسان المهموم...إذا أسعدتك سعادة الآخرين، إذا أحببت الخير للناجحين، فأنت ذو قلب سليم".
أخيرا أقول: لم يفت الوقت، فلتقف كل تلك الشرائح - من خلال الالتزام بالنظام العام الذي رسمته الجهات الرسمية الكريمة لمكافحة الجائحة الحالية- لتؤدي إلى جانب الشرائح الأخرى الشريفة، كالأطباء والجهات الصحية وغيرها، ولو على مستوى تنقية المشاعر وتطييب الكلمة، فالفرصة قائمة والوقت لم يفت، لنجعل جميعا من البلاء فرصة وقدنقل عن الإمام الكاظم (ع) قوله: (تمسكوا ببقايا البلاء)، ولسان حال الجميع يقول: من هنا يبدأ الغد الوضاح وينحي الليل الرهيب صباح، وقديما قال الآباء: "هذا الميدان يا حميدان".
جديد الموقع
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط