2021/07/14 | 0 | 2084
في أرواحهم نخلة
في الوقت الذي تأن الصحراء من الجوع ، ويتدلى لسان الظمأ من العطش ، تكتحل عيناه من غبار الجحيم ، يلتهب جسده البالي المنهك في سياط خلجات الطريق ؛ يهرع عابر السبيل الذي نجا من ظلمات الطريق ليستظل بجذع نخلة فارعة ، ملؤها الكبرياء العزة والكرامة والصمود، يأكل من ثمارها ، يرتوي من غديرها ، يحتضن قلبها كطفل صغير تائه ارتمى في حضن أمه...
هنا نجد العربي ابن الصحراء مشاعره الفياضة قبلته النخلة ، قوته النخلة ، يستبدل كل مايملك لقاء ماتحمله النخلة ...!!
لذا لاعجب أن يكون لدى العربي صنم جسد في خياله على النخلة وأشجار الغابة ، حمل اسم " ذو غابة "، عبدته بني تميم وهذيل وغيرهما من قبائل العرب قبل مجيء الاسلام بفترة قصيرة ؛ لشغفه بنخلة ...
احتار العلماء في أصلها ، هل هي من بلاد الرافدين ، أم من بلاد دلمون (جزيرة البحرين ، وشرق الجزيرة العربية )؟
؛ لكنهم أي القسم الكبير منهم أيد وجودها في بلاد الجنوب لشدة الحرارة و شدة جاف الطقس، ووجود عدة ترنيمات وأشعار سومرية تدل على الأصل الجنوبي للنخلة..
"أيدن " أسطورة جنة عدن لدى السومريين هي نتيجة لجفاف الجليد المغطي لخليج العرب ( فارس)، وتحول لمصب أنهار أربعة كبرى : الباطن ، دجلة ، الفرات ، الكارون ، ومن رحمه خرجت نخلة ...
المثل السومري «كانوا يدللون ملوكهم كما تدلل نخيل دلمون». ويقول مايكل رايس(٢٠٠٢)، إنه وفق تقاليد سومر فإن النخلة قد جلبت إلى أرضهم من الخليج للإكثار منها.
ختم الغواية ختم سومري في المتحف البريطاني حمل طرفين ذكر وأنثى في دلالة إلى الأبوين : ( آدم ، حواء )، وخلف حواء ثعبان كبير ، في دلالة على الخطيئة ، بينهما سبع سعفات دلالة على الطهر والعفة والبركة والخلود ؛ لأنها أتت من نخلة ...
الإله" أنكي " لدى السومريويين ،إله الماء والخصوبة ، يأمر الغراب (رسول قابيل ) بسرقة الكحل من خزانة أريدو ، وينثره على أرض العراق ليُطلق عليها أرض السواد ؛ كل ذلك من أجل البنت المعشوقة النخلة ...
أحداث كثيرة يُستشهد بتوثيقها عن الملك الآشوري سرجون الثاني (721 ق. م. – 705 ق. م.) فبعد عودته منتصرًا من حملة شنها على المناطق الجنوبية الغربية من إيران قال مفتخرًا : «قطعت نخيلهم التي يعتمدون عليها، ثروة منطقتهم» ؛ لأنها حضارة نخلة ...
الاسم الهيروغليفي للتمر هو ” بنراو بنرت BNR و BNRT ” ومعناه ” الحلاوة ” . وهذه التسمية قديمة تنفرد بها اللغة الهيروغليفية مما يدل على رسوخ النخل في مصر .
اهتم بها الفراعنة في مصر ونقشوها على جدران معابدهم وكذلك بالنسبة إلى الأقباط فقد وجدت كتابات في الأديرة القبطية تدل على اهتمام القساوسة والرهبان وعامة الأقباط بها ولم يقتصر الأمر على الفراعنة والأقباط بل تعدّاها إلى اليونان والرومان ...
وتعني كلمة (Palmyra) التي تطلق على مدينة تدمر وذلك من كلمة «Palm» بمعنى النخلة...
عبد قدماء العبرانيين بعض الأشجار المثمرة، وعدّوها إلاهة أنثى، لا إلهًا ذكرًا، وذلك لخاصية الحمل التي فيها، وقد تصوّروا أن للقمر أثرًا في حمل الأشجار، أي في إعطاء ثمرة النخلة ...1].
الفينيق ( العنقاء ) يشابه التنين إله أسطوري لدى السومريين، يموت ويرتقي إلى الجنان ،ويعود من جديد بعد ألف عام ، يتناول العطور واللبان ، ويعود من جديد كما النخلة...
الفينقيون الأوائل بحارة الخليج قيل أنهم عبدوا عشتار شبيه النخلة ،وانتقلوا إلى حوض المتوسط ، وفي قلوبهم أغلى الكنوز نقلوها إلى صقلية وأروبا ، فهي عظمة النخلة ...
في الديانة اليهودية يأتي بعد عيد يوم الغفران، مناسبة تاريخية لهذا العيد هي إحياء ذكرى «خيمة السعف» التي آوت العبرانيين في العراء أثناء رحلة الخروج من مصر، الأصل فيه عيد زراعي للحصاد، وكان يحتفل فيه بتخزين المحاصيل الزراعية الغذائية للسنة كلها، ولذا فإنه يسمى بالعبرية «حج ها آسيف» أي «عيد الحصاد».
في هذا العيد المقدس لدى اليهود يتبرك فيه بأكل جمار النخلة ...
في المسيحية كانت النخلة علامة الحب والسلام ، فبعد عودة المسيح( ع) من البراري استقبل بسعف نخلة ...
الناسك العابد الزاهد الكنسي يُشبَه بنخلة بل يُدعَى لأن يكون ذاتي التغذية، شامخ مرتفع الرأس ، طاهر القلب كما النخلة ...
وكما المسيح عليه السلام استقبل النبي محمد صلى الله وآله وسلم في المدينة المنورة بسعف نخلة ...
أفادت النخلة سكان جزيرة العرب فوائد عديدة، حية وميتة، أفادتهم في تقديم ثمرة صارت إدامًا للعرب، وطبًّا يستطبُّون بها لمعالجة عدد من الأمراض. ومادة استخرجوا منها دبسًا وخمرًا وشرابًا، وأفادهم كل جزء من أجزائها، حتى أنهم لم يتركوا شيئًا ،لم يذهب أي جزءٍ عبثًا؛ فهي إذا رمز الخير والبركة، إنها النخلة ..
روايات كثيرة عن النخلة ، فكما روي عن النبي صلى الله عليه وآله :( أكرموا عمتكم النخلة ) ، ( إذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها ).
صرفان ، برني ، تعضوض... كلها أسماء لرطب وصفها الرسول ( ص)، لأنواع الرطب بهَجَر ، وكأنه من سكانها ..
أسماء انتهت لكنها بقيت كوصف ، أوصاف لتمور هجرية أحسائية ...
أثارت هذه الأسماء ونضوبها شغف الباحثين وراحوا يجرون البحوث؛ حتى ظهر بحث لغوي قام به الاستاذ /" عبدالخالق الجنبي" حيث زاوج الوصف على التمر وجاءت كالتالي :
1■ البرني - الخلاص .
2■ التعضوض- الرزيز .
3■ الصرفان - الشيشي .
وقد ذُكر في كتب اللغة أسماء أخرى للنخل2]:
1♤الباهين : نخلة بهَجَر لا يزال عليها السنةَ كلها إلا شهرا واحدا طَلع جديد وكبائس مُبسِرة وأخرى مُرطِبة ومُقمِرة.
2♤العُمَانيّة : نخلة بالبصرة كالباهين (السابقة).
3♤المِقمار : هى من النخل : البيضاء البُسر.
أقمر التمرُ : تأخر إيناعه حتى يدركه البرد( لعله هلالي الإحساء).
لكن هل استغنى الأحسائيون عن أسماء الرطب العريقة واستعاضوا باسماء حديثة ، لاتطابق المعنى اللغوي بتاتاً؟!
حقيقة أن الأحسائيين لم يُجحفوا حق البرني فقد أسموه بالخلاص ، وللنظر لمعناه في القواميس..
( المعجم الوسيط )
الخِلاَص : رُبٌّ يتخذ من تَمْر.
الخِلاَص: ما خلَص من السَّمْن إِذا طُبخ.
الخِلاَص: ما أَخلَصَتْهُ النارُ من الذهب والفِضَّة وغيرهما( وهو الأرجح).
أما معنى الخِلاص في "لسان العرب " لابن منظور
فهو كالتالي :
الخِلاصُ والخِلاصةُوالخلاصةُ
والخُلُوصُ: رُبٌّ يُتَّخَذُ من تمر.
والخِلاصةُ والخُلاصةُ
والخِلاصُ: التمرُ والسويقُ يُلْقى في السَّمْن،وأَخْلَصَه: فَعَل به ذلك.
والخِلاصُ: ما خَلَصَ من السَّمْن إِذا طُبِخَ.
أما رطب الغُرَّةُ في ( المعجم الوسيط)
الغُرَّةُ من كل شيء: أَوَّلُهُ وأَكرمُه.
والغُرَّةُ بياضٌ في جَبهة الفرس.
والغُرَّةُ من الشهر: ليلةُ استهلال القمر.
والغُرَّةُ من الهلال: طلعتُه.
والغُرَّةُ من الأَسنان:بياضُها وأَوَّلُها.
والغُرَّةُ من الرجل:وجهُه.
وكلُّ ما بدا من ضوءٍ أَو صُبْح فقد بدت غُرَّتُه.
والغُرَّةُ من القوم:شريف ُهم وسيِّدُهم.
والغُرَّةُ من المتاع:خِيارُهُ ورأسه. والجمع : غُرَرٌ.
والغُرَر:ثلاثُ ليالٍ من أَولِ كلِّ شهر قمريّ.
أما في رطب الشهل ومعناه: شهل في معجم المعاني الجامع -
شهِلَ يَشهَل ، شَهَلاً وشُهْلةً ، فهو أشْهَلُ، وهي شَهْلاءُ، والجمع شُهْل
شَهِلَ الوَلَدُ : كَانَتْ فِي عَيْنِهِ شُهْلَةٌ
شَهِلَ اللَّوْنَانِ : اِخْتَلَطَا
وفي رطب المجناز معنى آخر :
جَنَزَ جَنْزاً.
جَنَزَ الشيءَ: ستره
جَنَزَه: جَمَعَهُ.
جَنَزَ الميِّتَ: وضَعَهُ على الجِنازة.
وفي رطب الخنيزي في أواخر الموسم ، جاء تفسيره :
"خَنِز اللحمُ والتمرُ والجَوْزُ، بالكسر، خُنُوزاً ويخْنَز خَنَزاً، فهو خَنِزٌ وخَنَزٌ: كلاهما فسد وأَنتن؛بالفتح عن يعقوب، مثل خَزَِنَ على القلب.
وفي الحديث: لولا بنو إِسرائيل ما أَنتن اللحمُ ولا خَنِز الطعامُ، كانوا يرفعون طعامهم لِغَدِهم أَي ما نَتُنَ وتغيرت ريحه.
والخُنَّاز: اليهود الذين ادّخروا اللحم حتى خَنِز؛ وقول الأَعلم الهذلي:زعَمَتْ خَنازِ بأَنَّ بُرْمَتَنا تجري بلحم غير ذي شَحْم يعني المُنْتِنَةَ، أَخذه من خَنِز اللحمُ وجَعَل ذلك اسماً لها عَلَماً.
وذكر العرب للنخلة أوصافًا لحملها وكثرته ،فقيل :
الخَوّارة ، الخَصبة ، المُوقَر الثَّمِيرة، الحاشد ، الإيساق ،
الحاشك ، الإيتاء.3]
وعن الأساطير الشعبية في موطن النخلة في الخليج طرائف وعجائب شتى ؛ ففي الأحساء عندما تقتل النخلة يموت قاتلها أو يحل عليه غضبها بالسقوط والإعاقة ...
في الليل الدامس وقبل وجود الكهرباء كان من الصعوبة الخروج إلى المزارع ؛ لأن الأرواح تسكن النخلة ...
عندما تضعف الفسيلة تُقرب إلى الأم ، فتعود الحياة إلى النخلة ...
《سأبلغ عنك أم السعف والليف》 أسلوب أسري لترهيب الأطفال في المنازل ، وخاصة في هبوب الرياح ، أسلوب له مدلولاته وارتباط السحر بالنخلة ، واندفاع موج الهواء كموسيقى رعب داخل سعفات النخل ..
عند تكريب النخل في الأحساء لا يُقص السعف الأخضر لأنه كظفر الإنسان الملتصق باللحم ، يؤلم ويضر النخل ، ما أجمل هذه المشاعر الحضارية اتجاه النخلة ..!!
في القطيف والبحرين بلاد النخل في السابق تُروى الأساطير الشعبية عن الحمام المطوق الرمادي وتُغنى ، وأن الحمام من الأرواح الشريرة التي تطلقها النخلة ؛ لذا يتطيرون منها ويشمئزون ...!!
اعتنى الفلاح الأحسائي خاصة وبالخليج عامة بعلم التنجيم الخاص بالنخلة ، ورتبوا شهور السنة لها ، كالتالي :
أربعة نضيح، وأربعة جريح، وأربعة تستريح، ويُقصد بها التالي: الأربعة الأولى يراد منها أربعة أشهر تكون النخلة منتجة للرطب والتمر، والأربعة الثانية وفيها تنظف النخلة من الكرب القديم والسعف اليابس، والأربعة الأخيرة تكون فيها النخلة خالية مستريحة...
الفتيات الأحسائيات الأنيقات ينتكس سترها في المطبخ أمام كبرياء ثمار النخلة ...
ممروس أو فتيت ، عصيد ، معمول ... ، وصفات للفرح ، وصفات للصيف ، وصفات للشتاء ، وصفات حلويات التمر الحديثة كلها زهت من ثمار النخلة ...
الخبازون الأحسائيون المهرة ذوي الأيادي السمر ، لهم مقادير وموازين الفن لصنع الخبز ؛ ذلك أنهم قدروا دور النخلة ...
هذه هي مواطن النخلة مُحيت في القطيف وجزيرة البحرين لقلة الماء والمخططات السكنية ...
وفي الأحساء يغادر الفلاحون أرضهم لبخس ثمن التمر ، وقلة الماء ، وملوحة التربة ...
وفي أرض العراق بلاد السواد ، بلاد الرافدين لا يختلف كثيرًا عن الأحساء ، فهل يغضب الإله إنكي ويحول الأراضي الخصبة السوداء إلى صحاري جرداء صفراء ؟
هل يسرق الغراب اللون الأصفر حتى يلون المنطقة كلها باللون الجديد؟!!
أ
1》الکتاب : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام المؤلف : جواد علي ،ص207
2》الإفصاح في اللغة حسين يوسف ، وعبدالفتاح الصعيدي .ج2. ص 479
3》المحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة ج4 ص 333.
4》المعجم الوسيط
5》لسان العرب
5》معجم المعاني الجامع
جديد الموقع
- 2024-05-03 نوستولوجيا الحنين للذكريات -قراءة لكتب الأستاذ عبدالله عبدالمحسن الجسم
- 2024-05-03 مشروع الشريك الأدبي وإدارة العمل الثقافي
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"