2020/06/15 | 0 | 2893
فلتكن "ثلاث حِسانٍ بمقال واحد"
اطلعت أخيرا على دراسة أنجزت حول دور سماحة السيد محمد علي العلي السلمان (رضوان الله عليه) فيما اصطلح عليه ب "التدافع الشعبي"، وإذا كان ثمة ما أقدم به تعليقي على هذه الدراسة المقتضبة فإشادة بما من شأنه إلقاء حجر في بركة ثقافة مراوحة، يجدر أن نسارع الخطى في علاجها بما يتواءم مع متطلبات مثل هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ مجتمعنا بل مسيرة البشرية، ثقافة لا تعوز الباحث عن مؤشراتها كثير جهد، تفصح عنها حشود عمليات القص واللصق المهيمنة على أقنية تواصلنا الاجتماعية الافتراضية، والمواقف النمطية الجاهزة سلفا في مضمونها ومفرداتها في الاختلافات خلالها، التي يغني مرور الكرام على نموذج لأحدها عن إضاعة الوقت في الاطلاع على كثير منها، لعدم اتكاء كثير منها على قراءات متقنة بل خلو كثير منها من أي قراءة، القراءة التي يفترض أن تمثل أول أبجديات أي حراك ثقافي مفترض، هذا مع عدم إغفال قدر مليء من الكأس لدينا ولله الحمد، خصوصا الحراك الحالي فيما يتعلق بالجانب التاريخي والتراثي، وفي مجالات تخصصية عدَّة، وقد وجدت في مثل هذه الدراسة ـ (بغض النظر عما أتفق أو أختلف فيه مع الباحث من مقدمات وتفاصيل ذات علاقة بالتحليل والمعالجة) ـ محاولة من شأنها التحريك في مثل الحال الثقافي المشار إليه.
هذا فضلا عن أنها محاولة من شأنها تحريك ركود آخر في مضمار تجاوز المنهج السردي في تقييم تجارب اجتماعية، تمثل في تقييم تجربة إنسانية احسائية معاصرة جديرة بالتأمل والدراسة، هي تجربة سماحة السيد محمد علي العلي (رضوان الله تعالى عليه)، من خلال أحد ألوان المنهج التحليلي، الذي من شأنه حال توافر وتكامل شروطه تطور توظيف تجارب أعلام من أسلافنا كمولدات ثقافية، على مستوى الوعي والفعل، المحاولات العلمية التي لدَّي حجم من الثقة ـ (إذا أتقنت حال توفر شروطها) ـ بمردودها الإيجابي على المجتمع الذي أحبه السيد المقدس وعمل من أجله بحجم معرفتي بنقاء نفسه الشريفة، ومقدار تأمله واحتياطه قبل إقدامه على أي خطوة في مسيرته البيضاء.
وفيما قدمت إشارة إلى الحسن الأول مما أصبو إليه في هذا المقال وهي المشاركة فيما أراد الأخ الباحث تحريكه ولو ب "تكثيري السواد"، مع حسن آخر يتمثل في التواصل مع رفيق أهداف طيبة قديم من خلال قناة أحسبه لا زال يحبها وهي التذاكر في شأن أصبح بعد نشره عاما، أما الحسن الثالث فانتهاز فرصة وفاء لهذا السيد العلم المربي الكبير من خلال المشاركة في الانتقال بتجربته الرائدة في مجالاتها من حالة السرد الشفهي إلى التحليل المنهجي المدون.
لقد حاول الباحث الكريم استخدام التحليل السسيولوجي ـ (المعتمد على النظر في التجربة الإنسانية باتخاذ الأدوات الموضوعية كما أشار) ـ في استنطاق جملة من آثار المحركات التي استثمرها سماحة السيد لحماية مجتمعه مما وجده تغريبا عما يؤمن به، بل الانتقال به ـ (كمجتمع) ـ إلى حالة أكثر تقدما في هذا الصدد، وقد لفت نظري ـ (رغم اقتضاب الدراسة) ـ المدخل الرشيق الذي مهَّد به الباحث لما يريد معالجته، وخصوصا جنبة استعراضه المجمل للأدبيات النظرية الخاصة بها، كمصطلح التدافع، المجتمع، المجتمع الشعبي منه، حارة الشعبة التي نشأ فيها سيد الشعائر وانطلقت من خلالها جل فعالياته، رجل الدين الشيعي ودوره المركزي في المجتمع الشعبي ....، مع ملاحظة لي حول عدم وضوح تعريف الدراسة للشعائر الحسينية، وهي أهم ما استثمره سماحته لصناعة "التدافع" بحسب الدراسة نفسها، وحول التعريف بشخصية سماحة السيد محمد علي السيد هاشم العلي السلمان (رضوان الله تعالى عليه) ـ (الذي لا تؤديه في نظري الإشارة إلى مقابلة عامة تناولت سيرته الذاتية) ـ بما يناسب محورية نشاطاته في صنع ذلك "التدافع" المفترض، مع مقاربة موضوع الرمز في الشعائر من جهة ولدى سماحة السيد بالخصوص من جهة أخرى في التعريفين المفترضين، بما يناسب ما لموضوعة الرمز على المستوى النظري، والمستوى الواقعي الاجتماعي الذي يجد الإنسان الرمز خلالهما مصاحبا له منذ طفولته في إشارات والدته، مرورا بالتحايا الاجتماعية وأشكالها في كل ثقافة، ومراسيم تحية العلم في الطابور الصباحي، بلا انتهاء بمكان الرمز في أي تخصص يختاره في حياته سواء كان في تخصص آلي كالرياضيات أو ذاتي، مع لفت النظر لخطورة الرمز المرتبط ببعض الشؤون ومنها الديني، وخصوصا فيما يتعلق بالمجتمع الشعبي، ما يتطلب قدرا يناسبه على مستوى الامضاء والتثقيف.
فهما ـ أي تعريف موضوع الشعائر وتعريف شخصية سيدها مع مقاربة موضوعة مكان الرمز فيهما ـ من أهم أدبيات الدراسة في نظري، التي يفترض الفراغ منهما بحرفية علمية خلال التقديم بل ركنان فيها، مع ملاحظتان:
أولاهما: عدم وضوح الفارق بين عنواني الشعائر الحسينية والطقوس في تناول الدراسة الذي ربما بدا أنه اتكل على نسبة بينهما في النظر إليهما كشيء واحد، الفارق الذي أجد أن إعطاءه حقه من الإضاءة من مصلحة الدراسة.
والثانية: أهمية أخذ رؤية سماحة سيد الشعائر بالاعتبار في تعريف أدبيات الدراسة، وخصوصا مثل الشعائر الدينية، والرمز فيها، وهو أمر متوافر خلال الأقنية المتعددة في مسيرة سماحة السيد في هذا الشأن، سواء كانت كتاباته، خطاباته المسجلة، شعره الذي أوقفه على إحياء أمر محمد وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم، أو أخذ رؤية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي ينتمي إليها السيد (الشخصية محل الدراسة) على الأقل، وفي تراث تلك المدرسة حول هذه الأدبيات الكثير، سواء من خلال النصوص الشريفة المباشرة، أو قراءات أعلام اعتنوا بهذا الشأن ونتاجهم متاح فيه، من أمثال سماحة السيد ابن طاووس، سماحة السيد محمد مهدي بحر العوم، سماحة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، (رضوان الله عليهم) وآخرين.
أما ما يتعلق بتعريف شخصية سماحة السيد العلي ضمن الأدب النظري تعريفا بنيويا بما يناسب هوية الدراسة كما أشرت والالتزام به كمعطى في مرحلة التحليل، فإنني أجده حال اشتمال الدراسة عليه من أهم ضمانات التحليل السسيولوجي خلالها لمعالجة أكثر إتقانا ونتائج أكثر دقة، وأقل توقفا وأكثر جزما فيما يتعلق بإشكالية ما.
نعم، ففي الوقت الذي كان لإشارة الدراسة إلى استثنائية وكاريزما شخصية السيد كمعطى أثَّر في نتيجتها، أجد أن هذا الأثر سيتضاعف لو قدمت الدراسة إحاطة بالبنية الخاصة لتلك الشخصية الدينية الاجتماعية، "السهلة الممتنعة"، سهولة تلقائيته وأريحيته، والخاصة أو فلنقل النادرة ندرة التقاء وتمازج المحافظ الملتزم المتكئ على عمق علمي ـ (هو فيه سليل مرجعية، وقضاء، وأستاذية اضطلع بها جل حياته ـ بالوجداني والأديب المفعم بالحس بالفطرة، ما يمثل فارقا في قراءته الدينية بل الاجتماعية والحياتية ـ (في نظري، وأنا ممن يفخر بعلاقة علمية وعملية وأدبية ووجدانية عميقة ربطتني بهذه القامة امتدت لأربعة عقود، كانت حال الاختلاف ـ لو حصل ـ والاتفاق في الرقي والتألق سواء، منحتني بها معرفة أستشعر معها بمزيد من المسؤولية) ـ قياسا بنظراء له على مستوى التجربة العلمية، البنية والفارق اللذان سيجد الباحث بتعريفهما بما يناسب البحث وأخذهما في الاعتبار عند البحث كمعطيين فارقا في النتائج، حتى على مستوى قراءة موقع وهوية (الترميز) و (الرمز) في حياة مثل سماحة السيد العلي السلمان، كإنسان ذي شخصية متميزة من جهة، وكأستاذ بحث فقه وأصول عريق من جهة أخرى، وكقائد ذي تجربة ومراس تصدى للمسؤولية الدينية القيمية الاجتماعية في سن مبكر ولم يترجل عنها وقد تجاوز عقده الثامن، بل وقاوم الصعب ومنه من سنن الطبيعة للمضي فيها كما وجدته إلى آخر لقاء جمعني بسماحته من جهة ثالثة، وكأديب بل سِفر أدبي، ما أذكر معه فيما للرمز من شأن لديه أنه انصرف يوما عما كنا فيه من حديث خاص حظيت منه بحشود من أمثاله ـ (التي أعتبر الواحد منها ـ وبلا مبالغة ـ واحدا مما يسمى أكاديميا ببحث العمليات، الذي يستخدم جملة من المواد العلمية والأدبية لمناقشة حالة)، نعم انصرف ليشير لي إلى منظر معين في الطريق يمر عليه ما شاء الله من البشر دون أن يشعروا به فضلا عن أن يلتفتوا إليه، وليفضي لي بما يفترض أن يحرك ذلك المنظر (الرمز) في النفس.
الفارق والبنية الشخصية اللذان أتوقع حسم الدراسة ـ لو فرغت من تعريفهما بما يناسب موضوعها وأخذتهما بالاعتبار ـ مراوحة الجدلية حول الرمز المستوحى من مرقد سيد الشهداء في تجربة سماحة السيد محمد علي، والرمز في قطع سماحته في ذكرى الأربعين في إحدى السنوات لجملة من الطريق من منزله في النزهة إلى المسجد الكبير في الشعبة راجلا على قدميه، والتزامه بذلك الثوب الأسود الذي كان يرتديه في عاشوراء من كل سنة طوال سنوات قيادته لمسيرة الشعائر الحسينية الممتدة ليلفع به في مرقده طاب ثراه، والرمزيات الأخرى التي ضمنَّها قصائده، وأن هذه كتلك ...، وأن لمثل تلك الرمزيات جنبة خاصة في قراءة السيد محمد علي تخصه، وإن كان فيها جامع مشترك بينه وبين كثير من خواص وعوام (مع اعتذاري عما يشعر به البعض عند إطلاق كلمة عوام).
وإذا كان في جودة تعريف البنية الشخصية وتحديد القدر والشكل المناسب منه لكل شخصية يراد دراسة تأثيرها الاجتماعي من خلال المنهج التحليلي ما فيه من التعقيد والصعوبة، ففي مردود ذلك على مستوى النتائج ما يستحق معه التصدي لهما، ومكان ذلك التعريف من الأهمية بحيث لا يستغني المنهج السردي عنه ولو على مستوى الإشارات فضلا عن المنهج التحليلي، ولا أتصور أن بالوسع تعقل دقة وجدوى دراسة مقارنة ـ مثلا ـ بين دوري قامتين احسائيتين كسماحة الشيخ محمد بن أبي جمهور وسماحة الشيخ الأوحد (رضوان الله عليهما) من دون إتقان تعريف البنية الشخصية لكل منهما واخذها في الاعتبار، فذلك واضح في التأثير الاجتماعي في تجارب أشقاء، كسماحة الشريف المرتضى والشريف الرضي (رضوان الله عليهما).
جديد الموقع
- 2024-03-28 مداد السلسبيل
- 2024-03-28 تراكمات القراءة وذائقة القارئ
- 2024-03-28 أعضاء وأيتام مركز بر حي الملك فهد في ضيافة جامع الإمام الصادق
- 2024-03-28 شباب «التيك توك» في الغرب وقراءة القيم الإسلامية
- 2024-03-28 مناقشة علمية لاستخدام مكشطة اللسان للتخلص من رائحة الفم الكريهة
- 2024-03-28 تقنية البنات بالاحساء تطلق عددا الفعاليات الداعمة لمبادرة السعودية الخضراء
- 2024-03-28 الدفاع المدني بالاحساء تكرم الإعلامي زهير الغزال في اليوم العالمي
- 2024-03-28 مرض التدرن (السل الرئوي) نضرة مخيفة ومرعبة من المجتمع .والشفاء منه مرهون بالتزام المريض
- 2024-03-28 مشاركات في منتدى الفجيرة الرمضاني يناقشن دور الآباء في تنشئة الأبناء
- 2024-03-28 شهر رمضان محسوم في أوله وحرج في آخره الحجري العيد موحد في البحرين بشرط الاطمئنان للرؤية الحسية