2012/08/17 | 0 | 2084
فضائل حسب الطلب ...
أغلب الذين يزحفون فوق الصور المعروضة وبين حقيقتهم المخبأة ، ويتسلقون فواصل فارقة يندسون بها في اللحظة والموقف ، يسقطون في غفلة فهم القيم، فتنحصر معظم تعاملاتهم البشرية في المجاملات ويتبنون مبدأ التجمل أو التلميع على حساب تصرفاتهم، لا يمكنهم أن يحكوا لنا قصصا حقيقية عن أخلاقياتهم وتفاصيلهم الحياتية التي يتحررون فيها من زحام الناس ونقدهم ويكونون على سجياتهم تماما أو كما يفترض بهم .. لأنهم ببساطة لا يعرفون غير المحاكاة والتجمل عنوانا للقص واللصق ..
انهم يحاكون فقط تصنع صاخب لحكايات متقلبة من قصص الفضيلة والأخلاق والقيم المكررة الفارغة من الصدق والمحتوى، وسرعان ما تنطفئ حكاياهم حين يصطدمون بموقف جاد وصريح .. اذا أنهم لم يتبنوها عن فهم وإدراك وقناعة ويعتنوا بتفاصيلها .. لم يقدموا عليها بحب .. لم يستشعروها كمفتاح للسعادة قبل أن تصبغ هالاتهم .. لم يلمسوا روحها بمعايشتهم لها ..
ربما وجدوا أنفسهم مضطرون لها .. أو مجبرون .. أو أن الواقع أوجدهم فيها .. والناس عادة يتكيفون مع واقعهم وإن لم يرتضوه تماما ويهمهم أن لا تطلق ألسنة العيب والنقد فيهم فتكسر كبريائهم ..
فالفضيلة الحقيقية التي نملكها لا بد أن تكون نابعة من الداخل .. لا تحتاج لحراس يقيمونها ويدفعونها للحركة ، إنها في الأصل شعور يعتمده القلب ويسانده الضمير ، وتعكسه ردات الفعل الظاهرة والباطنة .. فالفضيلة قبل أن تكون صفة هي اعتقاد وعقيدة .
للأسف إن فضائلنا غالبا متبناة بالنشأة لا بالإختيار والقناعة ، لذا هي لا تصمد طويلا أمام المتغيرات، وإن صمدت مدة لا يمكنها أن تفعل أمام المواقف المتباينة والصعبة .. الإختبارات الحقيقية التي تضعنا على محك الإقبال والإدبار ونتفاضل فيها حسب نوايانا، ولهذا أيضا نجد تغيرات كثيرة تطالنا كل مراحل عمرنا و الكثير منها فارق في شخصياتنا ..
تتقلب القلوب والأفئدة والضمائر وتتباين الشخصيات ويتراجع الإيمان للخلف أو يتلبس بالظاهر وينطفئ باطنه ، ويعود المرء منا يشبه طيف تعيس ويمثل فراغ روحي عميق ليس له محطة صدق يرتقيها ضد التيارات الزاحفة ..
حسبنا تبريرات نقولها لنبرء أنفسنا ونخلي ساحتها، (الحياة معقدة جدا ، رتيبة لعدم قدرة قبولها كما هي ، متغيرة ومتقلبة ، تجبرنا على كل سيئ لا نريده ، إنها أمر لا يطيقه الكل ، لو عشتم كما أعيش لفعلتم مثلي .... ) ، هذه تبريرات نستقطعها منا لنرسو فوق محطة الإجبار ونبرء ساحتنا من تلونات تصبغنا بها كدراما متكررة ملحة تضعنا على المحك والمفصل ..
لكن الحياة هكذا منذ وجدت .. لا شيء فيها تغير ، ظروفها ، تغيراتها، تقلباتها، أشخاصها أمزجتهم ، مواقفهم ، صعوبتهم وغدرهم ، فهم هكذا كانوا ولا زالوا منذ الحياة نفسها، فالحياة تتطلب الكدح والشدة لنتمايز بأعمالنا وتتباين فيها أخلاقنا ، { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } .. وإذا ، التغيرات تسكن النفوس ودرجات التباين تتضح كلما دققنا في التفاصيل وعرفنا أن الخلل يملأ كل واحد منا ولو بجملة أجزاء .. ولو أنصفنا الحقيقة وانتصفنا لأنفسنا لبادرنا بالتغيير من ذاتنا ، ولتجاوبت السماء معنا ، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .. فالنوايا تفعل فعل السحر في حياتنا وتباركها رحمة السماء ..
قد نفعل الكثير من الأمور الجيدة في حياتنا ونعنون أنفسنا بها، ونستسلم لكوننا مثاليون جدا حد الدهشة فضلا عن العجب .. لكن ليس لإيماننا بها وليس لأنها مترسخة في تفاصيلنا الخيرة بقدر ما يكون خوفنا من عدم انسجامنا مع نظرة الآخرين وكلمة التغيير التي قد تحصرنا في فلكهم ، نفعل كل هذا للأسف وندعي أننا نفعل الخير ! .. ولهذا نجد الفضيلة الحقيقية هي كل ما يمكننا أن نفعله من خير لأنفسنا أو للآخرين ببساطة وبدون عقد و بدون ضغط أو إكراه .. ودون محاولات تسلق القيم والتقافز فوقها، دون التزام حقيقي وتربوي مفتعل يفضحه واقعنا المزيف .. لا التي تجيئنا حسب الطلب وحسب تقييدنا بشرطيتها عند حكم الآخرين وقراراتهم ..
إنها بصدق تلك القيم التربوية التي نتعلمها ونؤمن بها منذ فطرتنا فنستمر عليها ، ونصر على بقاءها بداخلنا ونستغل مواطنها الخيرة كلما هبت مواسمها ، بل ونسعى إليها راغبين مطمئنين قانعين، ونحرص على تنميتها وإبقائها مشتعلة كلما خبت وكلما واجهتنا سحب التغيير وتكاتف الناس وتغيراتهم من أجل إنحرافنا عنها ..
أن نؤمن بها حقا أكثر من كوننا نخشى عقاب عدم القيام بها .. أن نفتش عن خبئ أنفسنا من خلالها ونحاول ترويضها، بحيث لا تنهار عندما تسنح لنا الفرصة للفرار منها راغبين او مضطرين فنضربها بعرض الحياة فجأة .. أن نبتغيها كقيمة سامية وهدف نبيل . أي، أن نتيقن أننا نريدها قيم ثابتة في حياتنا مستمرة بها ونستيقظ من الغفلة المتلبسة بنا كلما هبت ريحها الصاخبة محاولة جرفنا في طريقها ..
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام