2019/09/07 | 0 | 2844
عاشوراء من أيام الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28.].
عن الريان بن شبيب قال : دخلت على الإمام الرضا (ع) في أول يوم من المحرم فقال : يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله. فلا غفر الله لهم ذلك أبداً. يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنه ذبح كما يذبح الكبش. وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (ع) فيكونون من أنصاره وشعارهم : يا لثارات الحسين». [عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق1: 299.].
نعزي في مثل هذ الايام رسول الله (ص) وعلياً وفاطمة وبقية الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهي الايام من محرم الحرام، وهي ايام مصيبة وحزن لأهل البيت (ع) فالمتتبع لحياة الأئمة (ع) يجد أنه ليس منهم من أحد إلا وجرت دموعه عند هلال محرم الحرام، لما جرى فيه من المأساة.
فشهر محرم الحرام هو أحد الأشهر الحرم الأربعة، وهي رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم. وقد كان أهل الجاهلية يحرمون فيها القتال والظلم، بل كانت كذلك قبل الجاهلية ولكن الجاهلية أقرته وأمضته، وإن لم تلتزم بشكل دقيق بلوازم ذلك، فكانت الأشهر الحرم أحياناً تخضع لمصالحهم. فإن أرادوا أن يغزوا، أو امتد القتال حتى يبلغ الشهر الحرام، أجّلوا الشهر الحرام لما بعده، وهو ما يسمى بالنسيء الذي نهى عنه الإسلام والقرآن الكريم. ولكنهم مع ذلك يلتزمون بها في حال الإقرار أنها من الأشهر الحرم.
وقد كانت الأشهر الحرم منذ عهد نبي الله إبراهيم (ع) فهو الذي أسس هذا الأساس، ووضع هذه القواعد والأحكام، وجرت الحال على ذلك حتى في الديانات الأخرى واستمرت إلى أن جاء الإسلام، فأقرّ ذلك أيضاً، فالإسلام لم يلغ ما كان قد سبق من الكثير من القيم ومكارم الأخلاق وتشريعات الشرائع السابقة. ومن ذلك الأشهر الحرم، وحرمة القتال فيها، إلا في حال ردّ الاعتداء.
ومن الأحكام الخاصة في هذه الأشهر الحرم أنها تتضاعف فيها الحسنات، لأنها أشهر الله تعالى، وبالمقابل تكون السيئة مضاعفة أيضاً. كما أن الدية تكون مضاعفة حتى لو كان القتل خطأً.
ففي الرواية عن زرارة عن الإمام الباقر (ع) وقد سأله عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام، فقال الإمام (ع): «تُغلظ عليه الدية، وعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم». [الكافي، الكليني4: 139.].
يقول الإمام الرضا (ع) عن شهر المحرم : كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، وهذا من العناوين الواضحة الظاهرة في الجاهلية. كما أن أهل الجاهلية أنفسهم كانوا ينكرون على من كان يُغيّر ويُؤخّر الأشهر الحرم، فالمجتمع بشكل عام يحرم القتال فيها. أما هذه الأمة التي يفترض أنها تدين بدينٍ يحرّم القتال في هذه الأشهر، فإنها لم ترعَ حرمة ذلك، فأقدمت على جريمة لم يسجِّل لنا التاريخ مثيلاً لها، تلك المذبحة التي حصلت في عام 61 من الهجرة في اليوم العاشر من المحرم، إذ قتل سبط رسول الله (ص) وأهل بيته وسبيت عياله في مشهد مأساوي لا يمكن تصوره. فلا حرمة للشهر الحرام، ولا للدم الحرام، ولا لقرابة من رسول الله (ص). فالحسين (ع) لم يخرج لقتال، ولو أنه خرج لذلك لما أخرج معه النساء والأطفال، إنما خرج لطلب الإصلاح ولم يرفع سيفاً ولم يهدد أحداً بالقتل، غاية ما في الأمر أنه امتنع عن بيعة يزيد، وجاء للكوفة بدعوة من أهلها، ولما وقف في كربلاء وأحاطت به الجيوش لم يختر القتال أبداً، وحاول بشتى الطرق أن تنتهي الأمور بلا قتال، إلا أنهم هم الذين قاتلوه وألجأوه أن يدافع عن نفسه. وهذا واضح وجلي في خطب وبيانات الإمام الحسين (ع) عند تحركه من أجل الإصلاح في أمة جدّه.
يقول الإمام الرضا لابن شبيب : لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله. وهذا ما نقله التاريخ وأجمع عليه، فقد قتل جميع من كان مع الحسين (ع) من الرجال، باستثناء الإمام زين العابدين (ع) وهي حكمة إلهيه ربانية لبقاء الإمامة في عقب الحسين (ع). وأما سبي النساء فالرواية واضحة في أنه وقع، وهي رواية صحيحة السند. فلم يكتفوا بقتل الرجال بل قتلوا حتى بعض النساء ممن حضرن في معركة الطف، ولم يكتفوا بذلك حتى سبوا النساء، بل هجموا على مخيم العيال وروّعوا الأطفال، وأول من قام بذلك هو عمر بن سعد، الذي أمر بالهجوم على المخيم، ونهب ما فيه بعد أن قُتل الإمام الحسين (ع) وهو ما تؤكده الرواية بشكل واضح بقول الإمام (ع) : وانتهبوا ثقلة. بل سلبوا حتى ما كان في معاصم وآذان الفتيات والأطفال الصغار من الحليّ كالأقراط والقلائد وغيرها. فكان مشهداً مأساوياً عظيماً مروعاً، أمطرت على أثره السماء دماً، واحمرّ الكون وتغيّر، وكان أمراً عظيماً شاهده الجميع. بل بكى لشدة هوله حتى الأعداء. فالمعركة لم تكن شريفة بكل المقاييس والمعايير، فإن كان هناك من ذنب للرجال فما ذنب الأطفال والنساء؟ ولماذا حَرْقُ المخيم والنهب والسلب والسبي؟
هذا ما أحببنا التأكيد عليه، وهو أن اليوم، الأول منه من شهر محرم، هو من أيام الله جل وعلا، فلهذا يستحب فيه الصيام كما ورد عن النبي (ص) والأئمة (ع). وكذلك يستحب فيه الصدقة، وصلاة مخصوصة في أول الشهر.
فمن تلك الروايات المتعلقة بهذا الشأن ما ورد عن الإمام الرضا (ع) أيضاً. كما روى ابن شبيب قال: «دخلت على الرضا (ع) في أول يوم من المحرم، فقال لي: يا ابن شبيب أصائم أنت؟ فقلت: لا، فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (ع) ربه عز وجل فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ﴾، فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا ﴿وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنْ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عز وجل استجاب الله له كما استجاب لزكريا...».[الأمالي، الشيخ الصدوق: 126.].
وعنهم (ع): «أن من صام يوماً من المحرم محتسباً جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جُنة كما بين السماء والأرض». [الإقبال، السيد ابن طاوس2: 553. ]. فمن فاته صيام الأول يمكنه أن يصوم أي يوم من أيامه، عدا اليوم العاشر. وهذا أيضاً يعمّ جميع الأشهر الحرم، وليس شهر محرم الحرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-04-20 افراح المبارك والموسى تهانينا
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .