2018/04/18 | 0 | 2228
شيخ حسين العباد :بعثة النبي (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. (طه: 25 ـ 28).
رحمة للعالمين:
قال الإمام أمير المؤمنين (ع): «أرسله على حينِ فترة من الرسل، وطول هَجعة من الأمم، واعتزامٍ من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها». (نهج البلاغة: 122. صبحي الصالح).
يصف الإمام أمير المؤمنين (ع) الحالة التي بُعث فيها رسول الله (ص) وكيف كان ذلك المجتمع عندما بعث الله جل وعلا الرسول الأكرم (ص) ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى البعثة المباركة.
لقد بُعث النبي (ص) في ذلك المجتمع الذي لا يتصوره الإنسان من الحالة الاجتماعية، من جهة الانحطاط والغرق في الرذائل والموبقات والسيئات التي كانت تميز ذلك المجتمع الذي بعث فيه رسول الله (ص).
فمن ذلك وأد البنات، فكان الكثير منهم إذا ما ولدت له بنت دسّها في التراب وهي حية، ويرى أنها عار عليه. ولو أن ذلك المجتمع استمر في تلك العادة الوحشية، وانشرت في أرجائها، لانقرض العنصر البشري في هذه المنطقة الجغرافية على الأقل. إذ إن النسل لا يمكن أن يستمر مع عدم وجود المرأة .
في هذا المجتمع السيّئ في جزيرة العرب بعث الله تعالى نبينا محمداً (ص) لكي ينقذه من الضلالة والانحطاط والانحلال، ويخرجه من الظلمات إلى النور. وأشرقت الدنيا بنور بعثته العظيمة لتنعم البشرية به.
فالنبي (ص) أمانٌ لأهل الأرض كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدُهما فدونكم الآخر فتمسكوا به. أما الأمان الذي رُفع فهو رسول الله (ص) وأما الأمان الباقي فالاستغفار. قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيْهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُوْنَ﴾». (نهج البلاغة: 483.) وقد تأكد الاستغفار في هذا الشهر الشريف كما ذكرت الروايات الشريفة عنهم (ع). ولم يبق من هذا الشهر العظيم سوى أيام معدودة كما هو واضح، فلنستثمرها في الإكثار من الاستغفار.
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ﴾. (الأنبياء: 107) فوجود رسول الله (ص) لم يكن رحمة لذلك المجتمع المبعوث فيه فحسب، أي مجتمع قريش أو الجزيرة العربية، إنما كان رحمة للعالمين جميعاً كما هو النص الشريف. وهذا من كرم الله سبحانه وتعالى.
حال النبي (ص) قبل البعثة :
لقد بعث رسول الله (ص) بعد أربعين عاماً على حادثة الفيل، أي أن عمره كان أربعين عاماً، فكيف كان حاله (ص) قبل الأربعين؟
لقد كان ـ كما تشير الروايات الشريفة ـ يسمع الصوت ولا يرى من كان يتحدث معه ويناجيه، وهو جبريل (ع) وكان يتعبد ويتهجد في غار حراء طيلة تلك السنين التي سبقت الأربعين. فكان يسمع الصوت ولا يرى الشخص، لكنه بعد الأربعين كان يراه. فكانت البعثة في السابع والعشرين من شهر رجب بعد أربعين عاماً من عام الفيل.
والآية الشريفة تشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلَاً ثَقِيْلاً﴾. (المزمل: 5). والقول الثقيل هو القرآن الكريم الحاوي على المعاني والصفات الجميلة التي أرادها الله تعالى لهذه البشرية.
لقد نزل القرآن على النبي (ص) تدريجاً، إذ نزلت عليه حقائق القرآن ومعانيه دفعةً واحدةً أولاً، وبعد ذلك نزلت الآيات تدريجاً بسبب الأحداث والمناسبات والوقائع. فعندما نراجع أسباب النزول نجد أن هنالك العديد من الأسباب التي اقتضت نزول الكثير من الآيات، كما في واقعة بدر وأحد والمباهلة وغيرها، فارتبط نزوله للمجتمع بالأحداث والمناسبات والوقائع التي تستجد في ذلك الوقت.
النبي (ص) في حال البعثة:
لقد اختلقت الكثير من الأخبار مع الأسف الشديد، في أن النبي (ص) لما نزل عليه الوحي خاف وارتعد وارتجف ثم جاء إلى خديجة، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليطمئنه، وهذا طعنٌ برسول الله (ص) المعصوم المنتجَب من الله تعالى، فكيف يمكن أن يكون ورقة بن نوفل، وهو ليس بمسلم، أعرف منه بالوحي؟! هذا افتراء عجيب، فكأن رسول الله (ص) لم يكن مؤهلاً لتلقي ذلك القول الثقيل، وتلك الرسالة العظيمة.
في الحديث الوارد عن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله (ع) كيف لم يخَفْ رسولُ الله (ص) فيما يأتيه من قبل الله، أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: «إنّ الله إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه». (تفسير العياشي2: 201).
وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) : «ووكّل بمحمدٍ ملكاً عظيماً منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ومكارم الأخلاق ويصدّه عن الشر ومساوي الأخلاق». (بحار الأنوار، المجلسي15: 362).
فمثل هذا الرجل المنتجب والمصطفى والمسدد كيف يمكن أن نتصور فيه أنه يرتجف ويرتعد ويخاف؟
لقد تحمل النبي (ص) الرسالة العظيمة منذ انطلاقة البعثة، وكان يرافقه علي بن أبي طالب (ع) ففي تلك الفترة الحرجة من عصر الدعوة كان معه من الرجال علي، ومن النساء خديجة، واستمر هذا الحال ثلاث سنوات في السر، ثم طُلب من رسول الله (ص) أن يوسع الدائرة في التبليغ، ونزل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيْرَتَكَ الأَقْرَبِيْنَ﴾. (الشعراء: 214). فطلب من علي بن أبي طالب (ع) أن يجمع كبار قريش، وأقارب رسول الله (ص) فجمعهم، وأحضر لهم الطعام، وكانوا أربعين رجلاً، أصغرهم سناً علي بن أبي طالب (ع) لكنه كان أكملهم عقلاً بعد رسول الله (ص).
ثم طلب منهم رسول الله (ص) أن يستجيبوا لدعوته، فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم. (تاريخ الطبري2: 63).
فرفع كل منهم يده من المائدة، وشخص ببصره نحو رسول الله (ص) ليستمع لقوله، فقال رسول الله (ص) : إنهما كلمتان، خفيفتان في اللسان، ثقيلتان في الميزان: لا إله إلا الله، وأني رسول الله.
فلم يرضَ أحدٌ منهم بذلك، ولم يستجب لهذا النداء إلا رجل واحد، هو علي بن أبي طالب (ع)، فأجلسه رسول الله (ص) وكرر العبارة مرة أخرى، ولم يقم سوى علي (ع)، وهكذا حتى الثالثة.
مظاهر الرحمة الإلهية في البعثة النبوية :
هنالك الكثير من مظاهر الرحمة الإلهية في البعثة النبوية، ومن أراد أن يضع يده على ذلك فلا بد أن يقرأ التاريخ، وكيف كان المجتمع قبل البعثة النبوية، ثم كيف تغير إلى ما هو الأحسن. فهل كان هنالك من يتوقع أنه سوف يغير في ذلك المجتمع سوى رسول الله (ص)؟ إلا أن رسول الله (ص) استطاع في فترة وجيزة أن يحقق أفضل الإنجازات على المستوى العقدي والاجتماعي والسلوكي بل الإنساني بشكل عام. فقد نقلهم في فترة وجيزة من عبادة الأصنام والأوثان، إلى عبادة الرحمن.
أما على المستوى الاجتماعي فقد كانت القيم الجاهلية هي الحاكمة في ذلك المجتمع، فاستبدل بها القيم الجديدة. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : «إن الله تعالى بعث محمداً (ص) نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار مُنيخون، بين حجارة خُشن، وحيّات صُمّ، تشربون الكَدِر، وتأكلون الجَشِب، وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم». (نهج البلاغة: 68. صبحي الصالح).
لقد كانت شعوب الجزيرة تعيش حالة الغربة بسبب تخلفها وجهلها، فأخرجهم رسول الله (ص) من تلك الظلمة إلى النور.
ولنختم حديثنا هذا برواية عن آخر يومين من شهر رجب.
عن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد (ع) في رجب، وقد بقيت أيام، فلما نظر إليّ قال لي: يا سالم، هل صُمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله (ص). قال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل. إن هذا الشهر قد فضله الله وعظم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته.
قال: قلت له: يا ابن رسول الله، فإن صمت مما بقي شيئاً، هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم، من صام يوماً من آخر هذا الشهر، كان ذلك أماناً له من شدة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءةً من النار». (فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق: 18).
إننا نجد أن أهل الله، من العرفاء المخلصين، يبكون وينوحون عند انقضاء هذا الشهر، لأنهم يدركون ما فيه من الرحمة العظيمة. وكذلك تجدهم عند انقضاء الصلاة يبكون، وقد سئل الشيخ بهجت عن ذلك فقال : لأنني أنقطع عن ربي. ففي الصلاة انقطاعٌ إلى الله تعالى، وهم يأنسون بذلك الانقطاع، ولكن بعد انتهائها يشعرون بالانقطاع عنه سبحانه وتعالى.
فمن أدرك أجر وثواب هذه الأيام المتبقية من شهر رجب، لا يلام على بكائه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-14 جمعية دار الرحمة تزور وكيل الأمين للخدمات بأمانة الأحساء
- 2024-05-14 حسن الصوت ليس من مستلزمات الغناء الغربي
- 2024-05-14 التجربة الشعرية في أطباق أحمد الرمضان الشهية
- 2024-05-14 اكتشاف وحدة تحكم رئيسة للجهاز المناعي مما قد يفتح الباب على مصراعيه لاكتشافات واعدة لإدارة وعلاج الكثير من الاضطرابات والأمراض المناعية
- 2024-05-14 أمير الشرقية يدشن عدة مباني لجمعية التنمية الأهلية بالمنطقة
- 2024-05-14 أمير الشرقية يطلع على التقرير السنوي لشركة مطارات الدمام
- 2024-05-14 المهندس علي سلمان الخليفة يلتحق بكفاءات ابناء المطيرفي تهانينا
- 2024-05-14 أبناء عائلة السلطان يشكرون المعزين في وفاة والدهم
- 2024-05-14 عمادة تطوير التعليم الجامعي بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تكرم 40 عضو هيئة تدريس بشهادة الزمالة المهنية
- 2024-05-14 ياسر جمال رئيسًا للجمعية الدولية خبرة 4 عقود عن اكتشاف وتحديد وتصحيح الجنس حاضرة في مؤتمر عالمي