2022/04/13 | 0 | 1985
شياطين بأجنحة الملائكة
الاعتقاد بالعظمة والكبرياء دون وجه حقّ من أهم أسباب شيطنة النفس البشرية، فقد يجد الإنسان في ذاته ملاكاً ويرى أفضليته على غيره من المخلوقات بل على أقرانه من البشر حينما يُقنِع نفسَه بأنه مُنزّهٌ عنهم أو أن له الحق في امتلاك ما يريد في هذه الحياة في حين أن ما يراه الآخرون واجباً عليه ليس إلا مساهمةً قد يقوم بها وقد يتركها برغبته، وهنا تحديداً تبدأ رحلة شيطنة النفس البشرية التي يظن صاحبها أنه يعيش في مقام وعظمة الملائكة، هذا الأمر يجعل بعض النفوس قابلةً للاستثارة بسهولةٍ فتغضب وتزبد وترعد لأصغر الأمور النقاشية، بل إنها قد تُخرِج كلّ ما بداخلها من غضب وتدّعي المظلومية في كلّ أمرٍ وربما تنسب الفضل لها في كلّ صورةٍ حسنةٍ وتُبعِد عن ذاتها كلّ مثالٍ سيءٍ لتظهر دائماً في صورة طالب الحق والمستحِق له دون منازع.
لقد كان إبليس من الجن وقد كان عابداً لكنه استكبر وأعرض عن أمر ربه حين ظنّ واهماً أنه أفضل من آدم، (قال أنا خيرٌ منه) في الآية الحادية والسبعين من سورة ص، متناسياً ضآلتَه أمام جبار السماوات والأرض الذي خلقه من نارٍ كما خلق آدم من طين، وأن عليه أن يُطيع أمر ربه الذي له الفضل الأول والأكبر عليه في كل شيء، لكنه وبدل ذلك عصى واستكبر وظنّ أن له الأفضلية والحق في صنع القرار وعصيان الأمر وعدم النزول عند رغبة ولي نعمته والقادر على نفيه وإدخاله جهنم.
كذلك بعض الأنفس البشرية التي تظن أن لها الحق المطلَق في الحياة على ما سواها من الأنفس لمجرد أنها فعلت بعض الواجبات التي هي جزءٌ من فطرتها وقسمٌ من المشاركة العامة لحياتها في البيئة التي تعيش بها، فنجد مثلاً المنّ الكبير من بعض الآباء على أبنائهم نظير تربيتهم لهم والصرف عليهم، ونجد كذلك تذكير بعض الأمهات لأبنائهن بأنهن حملن وولدن وربّين و أطعمن، والحال ذاته بين الأزواج الذين يمنّ بعضهم على بعض في أداء الواجبات المقررة على كل منهم مذكّرين الواحد منهم الآخر بأنه لا يستطيع العيش لولا وجوده، في حين أن الإنسان يستطيع أن يعيش مستقلاً في الواقع وأن ارتباط الرجل بالمرأة والمودة والرحمة اللتين ينزلهما الله عليهما ليسا إلا لحفظ النفس البشرية واستمرار وُلد آدم الذي خُلِق وحيداً في الأصل ولم يكن لحواء فضلٌ عليه بادئ الأمر، كما أنه لم يكن له الفضل عليها في خلقها وتسويتها، وهذا نقرأه صريحاً في الآية التاسعة والثمانين بعد المائة من سورة الأعراف.
ولو تحدثنا عن الأمثلة المجتمعية لما استطعنا أن نحصرها في مقال، لكن يمكننا اكتشاف وجود الظن بصفة الملائكية البشرية من خلال اختبار بعض النفوس، تلك النفوس التي تُظهِر ما بداخلها دون أن تشعر وربما لا تنتبه لفلسفة دخولها في ذلك الاختبار إلا بعد أن تُنهي الإجابة على آخر أسئلته، ففي استبيانٍ ضاحكٍ حدث بيني وبين إحدى بناتي ظهر على السطح غضبٌ شديدٌ تم وصفي فيه دون شعور منها بصاحب العقلية المتحجرة ووصمي ربما بمخالفة ما أعتقدُهُ من مبادئ ذكرتها وأذكرها فيما أكتبه من أعمال روائية، بل إنني ربما خرجت –من وجهة نظرها- من ملة الصورة الملائكية التي كانت تراني بها لأكون كآدم؛ مخلوقٌ من طينٍ لا يرتقي وشموخ إبليس المخلوق من النار، وقد دارت الرحى في ذلك النقاش الذي ضحكتُ في أغلب دقائقه في حين اقتربَتْ ابنتي من البكاء غيظاً على غطرستي ضدها حين ادعيتُ بأن الإنسان مخلوقٌ مستقلٌ بذاته قادرٌ على إتقان دوره لوحده دون الحاجة لمساعدة، هذه الجملة التي رفضَتْها جملةً وتفصيلاً حينما تكون من جانب آدم في حين أنها تراها حقيقةً تتحلى بها حواء التي لا يمكن لآدم العيش دونها فهي التي حملَتْ وولدّتْ وأرضعَتْ وسهِرَتْ وربّتْ وقامت بكل شؤون بيت آدم الذي تناست للحظةٍ دوره في بناء ذلك البيت وتربية الأبناء والسعي نهاراً وليلاً لتوفير ما تقوم هي بطهيه أو تقوم بغسله وكيّه، وسهره بجانبها حين مرضها أو مرض أبنائهما، كل ذلك لم تره لأنها تجد في نفسها ملائكية لا يتحلى آدم بها، وهنا تحديداً تقفز النفس البشرية لتجد لذاتها ملَكيّةً أكثر من الملوك وملائكيةً أكثر من الملائكة، فلو قلنا بأن الإنسان مستقلٌّ بذاته فهذا يعني أن الإنسان رجلاً كان أو امرأة يعيشان ذات الاستقلالية ولا يكون لأحدٍ منهما فضلٌ على الآخر، ولو قلنا بأنهما يتكاملان لاستمرار الجنس البشري فهذا يعني أيضاً أنهما يقتسمان المسؤولية لإتمام ذلك ولا فضل لأحدٍ منهما على الآخر إلا بما أمر الله (ولا تنسوا الفضل بينكم) في الآية السابعة والثلاثين بعد المائتين من سورة البقرة، فهل تستطيع ابنتي الاعتراف بذلك في حين أنني أكتب اعتذاري لها الآن أمام الملأ كوني أخضعتها لهذا الاختبار الذي خشيتُ فيه عليها من ثورة غضبها وأوجعني قلبي لرؤيتها وقد اقتربت من البكاء؟
لكن ما هو ظاهرٌ اليوم أن الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- يجد لنفسه الحق في العيش وطلب الحقوق في حين يتناسى الكثير من الواجبات التي عليه أن يقوم بها وأن لا يمنّ على الآخر في أدائها في حين أراد أن يتكامل، وذلك كي لا يعيش وحيداً حتى يموت ويعود للتراب ويُمحى تماما، لقد اعتاد كثيرٌ من البشر كما هو ظاهرٌ أن يُلصِقوا كل صفةٍ حسنةٍ بأنفسهم ويفاخروا بوجودها وإن لم تصدر عنهم، ويتنصّل كثير منهم من كل صفةٍ سيئةٍ مبررين ذلك بالأفعال الفردية التي لا يطالهم شيءٌ منها وإن كانت فيهم، وقد يحكم العقل الجمعي بذلك أيضاً فنجد مجتمعاتٍ كاملة تقوم بذلك وتلصق بذاتها كل حسنٍ يقوم به الأفراد في حين تتنصّل من الفعل السيء وتنفيه عن نفسها وإن قامت به جماعات، ولا سبيل لعلاج مثل هذه المعضلة النفسية وذلك يعود لاختلاف درجة تفكير العقول وقدرتها الاستيعابية على فهم فلسفة الحياة بطريقةٍ أقرب للحيادية أو على الأقل بطريقةٍ يمكنها بها الاعتراف للآخر بالفضل؛ إن وجد..
جديد الموقع
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"