مسجد الامام علي بالمطيرفي ومسجد العباس بالمطيرفي ومسجد الشيخ الاوحد بالمطيرفي
2019/03/09 | 0 | 2926
سماحة الشيخ حسين العباد :محاسن اللسان ـ ذكر الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25ـ28].
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿الَّذِيِنَ آمَنُوْا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوْبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوْبُ﴾. [الرعد: 28].
لا زال الحديث في محاسن اللسان، وقد تقدم الحديث عن الصدق، والقرآن، ونتكلم اليوم عن الأمر الثالث من محاسن اللسان، إلا وهو ذكر الله عز وجل.
ما هو الذكر؟:
ونعني بذكر الله هنا الثناء عليه وحمده وتسبيحه وتمجيده، وغير ذلك من مظاهر الذكر، وكذلك إقامة وامتثال الأوامر التي أمر الله تعالى بها، واجتناب النواهي التي نهى عنها، والورع عن المحارم، وغير ذلك من مصاديق الذكر التي وردت في الروايات الشريفة. وسوف يتبين لنا من أحاديث أهل البيت (ع) أن ذكر الله تعالى ليس ما يتبادر للذهن لأول وهلة من الذكر المتعارف، المتمثل بالتسبيحات وأمثالها، وإن كانت في صميم الذكر والمصداق الأبرز فيه، ولكن ذلك لا يعني أنها وحدها تمثل الذكر، إنما يدخل تحت هذا العنوان امتثال الأوامر واجتناب النواهي والورع عند المحارم وغيرها. وبيان ذلك أن من لم يكن ممتثلاً الأوامر، مجتنباً النواهي، ورعاً عند المحارم، لا يعدّ من الذاكرين، وإن أتى بالأذكار المعروفة، وهي الثناء على الله تعالى وحمده وتسبيحه وتمجيده.
إن ذكر الله تعالى هو إحدى الوسائل الأساسية في تهذيب النفس وكمالها، وسيرها نحو القرب من الله عز وجل.
قال تعالى في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوْا اللهَ ذِكْرَاً كَثِيْرَاً﴾. [الأحزاب: 41].
والملاحظ هنا أن مفردة (الكثير) لم ترد في عمل عبادي في القرآن الكريم كما وردت في الذكر. فمن يذكر الله كثيراً هو من يأتمر بالأوامر، ويجتنب النواهي، ويأتي بالأذكار، وهو المطلوب في الذكر، وهذا هو الذكر الحقيقي.
في حديث عن الإمام الصادق (ع) في رسالة إلى أصحابه قال: «فأكثروا ذكر الله ما استطعتم، في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فإن الله أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير». [الكافي، الكليني8: 7]. وكل منا يتطلع ويتمنى أن يكون مذكوراً عند الله تعالى بخير، وهذا هو النجاح الأكبر والأسمى، بأن تكون هناك عناية خاصة من الله تعالى بالعبد، وهذا لا يتأتّى إلا من العبد أولاً ثم من الباري جل وعلا، فالباري تعالى لا ينظر للعبد ما لم يلتفت هو لنفسه أولاً، كما تبين لنا من الحديث السابق عن الإمام الصادق (ع). فلا بد أن يكون الاهتمام من العبد بنفسه أولاً، كي ينظر إليه الباري تعالى، وهو القائل: ﴿فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ﴾. [البقرة: 152].
وعن رسول الله (ص) أنه أوصى علي بن أبي طالب (ع) قائلاً : «يا علي، ثلاثة لا تطيقها هذه الأمة : المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عز وجل عنده وتركه». [من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 385].
فالمواساة للأخ أن يرى الأخ أخاه محتاجاً، يمر بظروف قاسية، فيقاسمه ماله، ويعينه على قضاء حاجته، وهذا من مكارم الأخلاق التي لا تطيقها هذه الأمة. والأمر الثاني الذي لا تطيقه هذه الأمة إنصاف الناس من النفس، بأن يجعل نفسه ميزاناً فيما بينه وبينه غيره، وأن يقول الحق ولو على نفسه. والأمر الثالث ـ وهو موضع الشاهد في هذه الخطبة ـ هو ذكر الله تعالى على كل حال. ثم يبين رسول الله (ص) معنى الذكر بأنه ليس تكرار الذكر اللفظي المعروف أو غيره، إنما هو الورع عن المحارم، أي أن المسلم عندما يواجه الحرام يذكر الله تعالى فيعفّ ويترك خوفاً من الله تعالى.
فللذكر جانب لفظي، وهو الألفاظ الكثيرة المعروفة من الذكر، وجانب معنوي، وهو استحضار مؤاخذة الله تعالى على الذنوب، والكفّ عنها خوفاً منه. وهذان الجانبان يكمل أحدهما الآخر، لا أن يُستغنى عن أحدهما بالآخر.
فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، وينظر، أين هو من ذكر الله عز وجل؟
مراتب الذكر :
ولا بد هنا أيضاً أن نبين مراتب الذكر اللفظي، وهي كالتالي :
1 ـ أن يأتي بالذكر دون الالتفات للمعاني. فهو يركز على الألفاظ من التحميد والثناء والتمجيد، دون معرفة المعنى. وهي أقل المراتب في الذكر.
2 ـ أن يلتفت للمعاني : وهي مرتبة أرفع وأسمى من سابقتها.
3 ـ التطبيق والتجسيد : وهي تشتمل على المرتبتين السابقتين، بأن يأتي بالألفاظ، ويدرك معانيها وأبعادها، ويقوم بتطبيقها في الواقع الخارجي. وهذا هو المطلوب والوارد عنهم (ع).
آثار الذكر :
للذكر آثار كبيرة في الواقع الخارجي. منها أنّ من يأتي بالذكر كما هو مطلوب يكون قد امتثل لطاعة الله تعالى.
ومنها: تحقق الخشوع والخضوع لله تعالى. فالذاكر لله بالمستوى المطلوب، سوف يعيش في رحاب عظمة الباري عز وجل، ومن يدرك بعض تلك العظمة وكنها، فلا شك أنه يخشع ويخضع.
ومنها عشق العبادة : فمن يتوجه بقلبه وجوارحه للعبادة سوف يعشقها ويحبها حباً شديداً، وهذا هو الحال في كل من يتوجه بقلبه لأي عملٍ من الأعمال، ويلتفت للوازمه ودقائقه.
وصية للشباب :
عن الإمام الصادق (ع) أن لقمان الحكيم قال لابنه : «يا بني اختر المجالس على عينيك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله جل وعز، فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمُك، وإن تكن جاهلاً علَّموك، ولعلَّ الله أن يُظلَّهم برحمته فيَعُمَّك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعل الله أن يُظلَّهم بعقوبة فيَعُمَّكَ معهم». [الكافي، الكليني1: 39].
فالمجلس مجلسان: مجلس ذكر، ومجلس لا ذكر فيه. فمجلس الذكر مفيد للعالم والجاهل معاً، والمجلس الذي لا ذكر فيه يعود بالضرر على العالم والجاهل معاً كذلك.
وعن رسول الله (ص) أنه قال : «بذكر الله تحيا القلوب، وبنسيانه موتها». [مجموعة ورام2: 120].
وفي الحديث القدسي : «أيّما عبد اطّلعتُ على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري، توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه». [عدة الداعي، ونجاح الساعي، ابن فهد الحلي: 249].
مواطن الذكر:
أما المواطن التي يذكر فيها الله تعالى فليس هنالك موطن خاص ولا وقت محدد، إنما يذكر الله تعالى في كل حين وعلى كل حال، ولكن ورد في الروايات تأكّد الذكر في بعض المواطن، ومنها مواطن الخلوات وعند اللذات. يقول الإمام الباقر (ع): «في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران: يا موسى خفني في سر أمرك، أحفظك من وراء عورتك، واذكرني في خلواتك، وعند سرور لذتك أذكرك عند غفلاتك». [الأمالي، الشيخ الصدوق: 254].
كما يستحب ذكر الله عند المصيبة. فعن الإمام علي (ع): «الصبر صبران: صبرٌ عند المصيبة حسنٌ جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز وجل عليك. والذكر ذكران : ذكرُ الله عز وجل عند المصيبة، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك، فيكون حاجزاً». [الكافي، الكليني2: 90].
ومن المواطن التي يتأكد فيها ذكر الله تعالى : عند الغضب، وفي الحرب، وعند دخول الأسواق. فعن الإمام علي (ع) أنه قال: «أكثروا ذكر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق عند اشتغال الناس، فإنه كفارة للذنوب، وزيادة في الحسنات، ولا تكتبوا في الغافلين». [الخصال، الشيخ الصدوق2: 614].
وأؤكد مرة أخرى أن الذكر لا ينحصر في الذكر اللفظي، إنما يذكر الله تعالى عند كل محرّم وعند كل لذة ونعمة وسرور، وغير ذلك مما ذكرناه في هذا الصدد. ومن أمثلة ذلك غض البصر في الطرقات والأسواق عن محارم الله، فهذا لون من ألوان الذكر.
فعن الرسول الأعظم (ص) أنه قال : «من ذكر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما هم فيه، كتب الله له ألف حسنة، ويغفر له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر». [عدة الداعي، ونجاح الساعي، ابن فهد الحلي: 257].
أسأله تعالى لنا ولكم المغفرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط