أقلام وكتابات
2023/04/20 | 0 | 840
دور الثقافة في دعم العمل الاجتماعي
خلال جلسة رمضانية جميلة، دار نقاش حول دور الثقافة في دعم العمل الاجتماعي وذكر المتداخلون مجموعة كبيرة من الأفكار والتطبيقات العملية التي من شأنها التأثير الإيجابي في دعم العمل الاجتماعي تستند إلى عنصرين مهمين هما تصحيح المفاهيم المتجذرة في العقل الاجتماعي حول معنى العمل الخيري وقيمته للفرد والمجتمع ، وفي توسيع دائرة مفهوم التطوع وتطبيقاته في الواقع الاجتماعي. ولأن الثقافة باعتبارها الوعاء الأهم والأقدر على حمل العنصرين وتسويقهما - فإن المسؤولية تقع على المثقفين وصانعي المحتوى الثقافي لإثراء النقاش وتطوير الوعي الاجتماعي بمقالات تنشر في المواقع الالكترونية وبأدوات التواصل الحديثة في منصات التواصل الاجتماعي وبمبادرات ثقافية عملية. ويمكن تلخيص ما دار في الجلسة من أفكار مع بعض التصرف من أجل تسليط مزيد من الضوء عليها ونشرها بأقلام الكتاب وصانعي المحتوى الثقافي لتصحيح المفاهيم الملتبسة من جهة، ومن أجل توسيع دائرة تطبيقات التطوع في مؤسسات العمل الاجتماعي من جهة أخرى.
-ذكر المتداخلون أهمية إعادة تعريف مفهوم العمل الخيري وقيمته على الفرد والمجتمع، وتحرير المفهوم من ضيق دائرة معناه الفقهي السائد في العقلية الاجتماعية وارتباط تطبيقاته بالأجر والثواب المحصور في الآخرة بعد الموت، إلى المعنى الثقافي الواسع ليشمل المعنى كل عمل نافع للمجتمع والإنسان وفائدته التي تنعكس على تنمية العمل الاجتماعي وتطوير مؤسساته ليحصل الفرد المبادر للعمل النافع على نتائج ملموسة في حياته الدنيا فضلاً عن الأجر والثواب الذي يحصل عليه في الآخرة، فالعمل النافع يعود على صاحبه وعلى المجتمع بأشكال كثيرة مختلفة، منها السعادة النفسية المصاحبة للعمل والسمعة الحسنة والتنمية الاجتماعية وربما عوائد مادية محسوسة.
- ذكر المتداخلون أهمية إعادة النظر في مفهوم "التأبيد وحبس المنفعة" للعمل الوقفي في المنظور الفقهي إلى مفهوم ثقافي واسع يشمل تطبيقات حديثة منها - على سبيل الأمثلة وليس الحصر - وقف الدخل الجزئي سنوياً أو الكلي المؤقت من العائدات التجارية لصالح المشاريع والمؤسسات الاجتماعية فبالإمكان مثلاً أن يوقف مالك مشروع تجاري ريع يوم أو شهر أو سنة بشكل مقطوع أو دوري أو سنوي لمصلحة مشروع اجتماعي. ويمكن استنساخ الفكرة من عدة ملاك أو استحداث تطبيقات عملية كثيرة مطورة من مثل هذه الفكرة أو غيرها من الأفكار العملية، ومن الأمثلة التطبيقية المشابهة يمكن للجمعيات عمل مشاريع استثمارية لتعزيز وديمومة مواردها المالية باعتمادها على فكرة الأسهم الوقفية للحصول على المبالغ اللازمة للمشروع، فالمشترك هنا مساهم بعدد من الأسهم الوقفية وشريك بنسبة ما من عائدات المشروع، هذه الفكرة قد تشجع المستثمر الكبير في التمويل كما تشجع الأفراد ذوي الدخل المحدود وتشعر الجميع بالانتماء للمشروع والحماس لنجاحه، وهذه فكرة مطبقة بشكل أو آخر ومن أمثلتها أوقاف بر الوالدين في بعض الجمعيات الخيرية.
- من المحاور التي تم ذكرها في النقاش هي المسؤوليات الفردية في الأسرة وخارجها لتعزيز فكرة التثقيف والتوعية بأهمية العمل الاجتماعي وتنمية رغبة التطوع داخل الأسرة باعتبار القيمة المضافة التي يضفيها التطوع على الفرد في مهاراته الناعمة ومعلوماته ومعارفه وعلاقاته. بإمكان الأسرة على سبيل المثال الزام أفرادها من خلال حوار ثقافي مقنع بالقيام بأعمال تطوعية داخل المنزل من أجل توزيع المهام اليومية والتشارك في المسؤوليات داخل الأسرة وفي هذا غرس لحس المسؤولية الاجتماعية المبكرة في المنزل ثم تصبح من خلال التعود والممارسة عادة وظاهرة اجتماعية عامة - بعد أن يتلمس الفرد قيمة تطوعه في المنزل وانعكاسه على مهاراته وشخصيته التي بناها في الأسرة - حيث الحاجة كبيرة لتطويع هذا الحس والارتقاء بالعمل الاجتماعي والمؤسسي المعتمد على الالتزام، وقد ذكر البعض نماذج لمشاريع غير ربحية ضخمة مستندة على أحكام قضائية تلزم بخدمات تطوعية لخدمة المجتمع.
- ذكر المتحاورون نماذج عربية وخليجية ومحلية ملهمة منها عربياً الدكتور محمد المشالي الذي عرف بطبيب الغلابة حيث قدم خدمات كبيرة في علاج الفقراء. ومن النماذج الخليجية الدكتور عبدالرحمن السميط الذي أسس مشاريع كبيرة لمساعدة الفقراء في أفريقيا وخارجها. ومن النماذج الملهمة في محيطنا المحلي هو تجربة فريق الصيانة التطوعي بجمعية المنصورة الذي تأسس على أثر حريق مأساوي في أحد المساكن أودى بحياة أرواح عزيزة، تشكل بعده فريق صيانة من متطوعين ذوي خبرات جيدة يؤدون عملهم بحرفية ومهنية عالية. قام الفريق بالتنسيق مع إدارة الجمعية بعمل مسح كامل لبيوت المستفيدين وعمل صيانة نوعية متكاملة لكل المنازل المستهدفة داخل المنصورة ثم تطور العمل من الفريق ليشمل المدن المجاورة. إن استلهام هذه النماذج هنا هو للتنويه بالحاجة لزيادتها وتحويلها لمبادرات وظواهر اجتماعية تغطي الفجوات الكثيرة في العمل الاجتماعي والمؤسسي.
- نوه المتحاورون لوجود ظاهرة التطوع المجتمعي الكبيرة في حالات الإغاثة أو عند "الفزعة" في الأعمال الاجتماعية مثل التطوع في المناسبات الدينية ومناسبات الأفراح والأحزان ومهرجانات الزواج الجماعي لكنها تكاد تتوارى أو تختفي عند الحاجة للالتزام الممنهج في المؤسسات الاجتماعية مع الحاجة الكبيرة لخلق ظاهرة تطوع ملتزم في هذه المؤسسات. وأشار البعض لوجود عدد كبير الآن ومتنامي من مؤسسات المجتمع المدني التخصصية تغطي مجالات كثيرة منها الخيرية والإغاثية والتنموية المتنوعة في أهدافها ومجال خدماتها الاجتماعية، وأغلبها تقريباً تعاني من قلة الكوادر المتطوعة والملتزمة بتنفيذ برامج تخصصية طويلة الأمد، مع العلم بوجود كم هائل من ذوي الكفاءات العلمية والمهنية وأصحاب المهارت العالية في شتى المجالات التي يمكنها أن تساهم بشكل كبير في تطوير العمل الاجتماعي المؤسسي، لكن هذه الطاقات البشرية - التي تستطيع التطوع بالفكر أو بالمعرفة والخبرة أو بالمهارة أو بالوقت أو بالمال أو بالجميع - لكنها غائبة أو مغيبة أو منشغلة بهمومها وبرامجها الشخصية.
إن التحدي الكبير الذي يواجه الحالة الثقافية في المجتمع، هو في قدرتها لردم الفجوة الكبيرة بين ظاهرة التطوع الإغاثي والمناسباتي، وبين الحاجة لخلق ظاهر تطوع مؤسسي ملتزم وومنهج يرتقي بعمل المؤسسات الاجتماعية ويطور العمل الاجتماعي فيها، وهذه مسؤولية فردية ومجتمعية ومؤسسية. إن الحالة الثقافية الآن مطلوب منها أيضاً تجسير العلاقة بين الممولين القادرين على البذل والعطاء لخدمة العمل الاجتماعي في مؤسساته المدنية بطيفها التخصصي المنوع، وبين القيمة المضافة الملموسة التي يمكن للمول أن يحصل عليها ويقتنع بها من خلال الانفاق وفي مردودها عليه في حياته الدنيا قبل رحيله لعالم الآخرة.
أخيراً من المفيد إعادة التأكيد على قيمة التطوع الكبيرة وانعكاسها الإيجابي على شخصية المتطوع ومعارفه ومعلوماته ومهاراته الحياتية وسيرته الذاتية، وقد أصبح التطوع مطلباً أساسياً مفروضاً على الطلاب في المدارس ومن معايير التفضيل للقبول في بعض الجامعات المحلية والعالمية ومطلباً للتطور الوظيفي والإداري في كثير من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة وفي الشركات الكبرى، لذلك من المهم أيضاً تنمية المؤسسات الاجتماعية واستدامة العمل الاجتماعي فيها من خلال ظاهرة التطوع الملتزم والممنهج، ويمكن للمعنيين بتطوير العمل المؤسسي الاستثمار الثقافي برصد وتسجيل الساعات التطوعية كآلية لجذب المتطوعين بفعالية أكبر من خلال إيضاح تفاصيل حاجاتها للساعات التطوعية في تنفيذ برامجها وأنشطتها المتنوعة.
جديد الموقع
- 2024-04-28 الحاج معتوق الهدلق.. سيرة عاطرة
- 2024-04-28 بين لججِ الشك وفِخاخِ الغواية في ديوان (قبل التيه برقصة)
- 2024-04-27 أفراح سادة المكي بالمبرز تهانينا
- 2024-04-27 نادي أطياف يحتفي ب"قبل التيه برقصة"
- 2024-04-27 صدور الكتاب الرابع عشر لـ عدنان أحمد الحاجي
- 2024-04-26 الوائلي.. في أوج العلم والثقافة والأخلاق
- 2024-04-26 القراءة خارج الدائرة
- 2024-04-26 الشيخ الصفار يدعو لمواجهة تحديات الحياة بالثقة والأمل والنشاط
- 2024-04-26 مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يكرم بر حي الملك فهد
- 2024-04-26 فرع مركز الملك عبدالعزيز بالشرقية للتواصل الحضاري يكرم مركز بر الفيصلية .