2020/06/09 | 0 | 1789
حين تأملت في صورة غلاف كتاب سعيد السريحي
عبدالوهاب بوزيد
حين تأملت في صورة غلاف كتاب سعيد السريحي الأخير (الحياة خارج الأقواس)، وأعني بالتحديد الصورة/البورتريه الخاص به هو، قلت في نفسي إن الرسام/الفنان لم يتقن عمله، فالسريحي يبدو في هذه الصورة أكبر بكثير مما هو عليه بالفعل، ولكن الصفحات الأولى كانت كافية لمعرفة السبب وراء ذلك فبطل العجب. فهذه السيرة غير الذاتية للمدعو سعيد، كما يشير العنوان الفرعي للكتاب تأتينا من المستقبل، وهي قد "كتبت في زمن قد يجيء، وقد لا يجيء"، كما تقول عبارة افتتاحية في أولى صفحات الكتاب؛ إذ أن الراوي المفترض "للمدعو سعيد" ليس سعيد الآن بل سعيد المستقبل الطاعن في السن الذي ينوء كاهله بعقود لا يعرف عددها على نحو الدقة من السنين والتجارب الحياتية والشخوص التي عايشها إبان حياتها، وظلت وفية له حتى آخر أيام حياته التي يكاد تؤذن شمسها بالمغيب.
في قالب سردي لا يخلو من التشويق والحوارات الحية المقتطعة والمقتطفة من واقع الحياة بكل حذافيرها وتفاصيلها الدقيقة ومفرداتها الساخنة يصوغ السريحي سيرة مفترضة لا يذهب إلى الماضي ليستحضرها بل إلى المستقبل؛ فهي سيرة مستقبلية بصورة ما دون أن تنقطع عن الماضي الذي لا يمضي بحضوره الراسخ في الذاكرة التي يبدو أن الوهن لم يطلها كما طال الجسد.
يهدي السريحي كتابه "إلى ذكراهم جميعًا...أولئك الذين يسكنونني"، ومن يسكنونه هنا هم أسلافه الراحلون، سواء من رآهم وعايشهم وتعلم منهم، أم من سمع بهم وعنهم من آبائه وأجداده. يستعيد سعيد حكايات طفولته التي ضاقت المسافة فيها بين ما يحياه وما يسمعه، وبين ما يتذكره وما يتخيله. يبدو لمن يراه في ظاهر الأمر أنه يعيش مع ابنته وأحفاده، ولكنه في حقيقة الأمر، وبمستوى أعمق، يعيش مع الموتى، يستحضرهم أو أنهم يحضرونه، وينفض التراب عن قبورهم ويتبادل معهم الأحاديث والذكريات. "لم يعد لي ما أنتظره في مقبل الأيام فباتت سلوتي في استعادة ما مضى منها"، هذا ما يقوله لنا سعيد لتبرير استحضاره للماضي وركونه إليه. يتحرر من سجنه بين قوسي الولادة والموت ليعيش أعمار كل من مضوا وتختلط عليه الحقائق بالأوهام والوقائع بالأحلام، فيصبح الواقع حلمًا عابرًا، والوهم واقعًا متجسدًا وإنْ في مخيلته.
آثر الكاتب أن يجري الحوارات على ألسنة شخصياته باللهجة الدارجة المحببة، مما أضفى على صفحات الكتاب طابعًا حياتيًا حيًا ونضرًا بعيدًا عن "اللغة المصطنعة" التي ندرك جميعًا أنها ليست إلا نسخة غير دقيقة من لغة الواقع اليومية. ولكنه فيما عدا ذلك يكتب بلغة جمالية مقطرة وبالغة العذوبة، تقترب في بعض مقاطعها من الشعر، بل إن هناك في حقيقة الأمر بعض القاطع والأجزاء التي كتبت نثرًا ولكنها شعر موزون، بل ومقفى أيضًا، كتلك المقاطع التي وردت في الصفحات 104 و106 و122.
يقول في أحد تلك المقطوعات/القصائد المتخفية بلبوس النثر:"أنهرٌ من نبيذٍ، ومن عسلٍ، والمدى شفتان يرفُّ على حافتيها انبهارُ، كلما لامستْ كفيَ البابَ أزّتْ مفاصلُه، ولمحتُ خيولا تجوب المدى، نساء تعرين في الضوءِ، وأفقًا على ضفتيه يفيض النهارُ، كأني أرى الموجَ في الهمس، ذا زبدٌ، وتلك ضفافٌ، وخلف المسافات تصخبُ تلك البحارُ".
جديد الموقع
- 2024-04-20 افراح المبارك والموسى تهانينا
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .