2013/05/31 | 0 | 2151
حرائق مستعرة ..
حديثي هنا لأولئك الذين يدخلون متاهات الناس يتجشمون عناء ردم الشقوق وجبر الكسور بينهم .. يجاهدون ليصلحوا الهوة بينهم ، ويسدوا الفجوات التي خلفتها حروب المال، والفكر، وسوء الظن، والغرور، وأعطال النفس، وقضايا الغطرسة، والحمق والغيرة والخيانة، ونوازع الأنا العليا واللاعقلانية .. هؤلاء يمكنهم أن يخطوا بثبات على أرض وعرة ، اهتزازاتها شبه دائمة تؤذن بانقلاب ما أو انفجار بركاني مدمر .. وليس لهم في الحرب لا ناقة ولا جمل .. إنما الإصلاح لوجه السماء وصالح الإنسان، ولكي لا تكون دولة الشر مستطيرة فتهلك الحرث والنسل وقضايا إشباع التلذذ والنهم بالإيذاء ..
أولئك اللذين يستقطعون منهم وقتا ومن راحتهم عمقا .. ومن نفوسهم رحمة يهبونها عن طيب خاطر يسوون بها أرض مستعرة ويلمسون بها شقوق نفس مشحونة ويردمون بها حبائل الشر .. يفعلون عامدين لا يبتغون سوى الخير لكل الناس .. يمكنهم أن يعتمدوا النور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ..
الجنة معالي من الترقي والصعود والكدح في سبيل الله، فالكسالى والسلبيين والمتأبطين شرا لا يستريحون في هذه الحياة ولن يستريحوا مهما قدمت لهم من حلول خيرة أو أنرت طريقهم بكلام طيب .. اللذين يخوضون الحروب النفسية ويلجمون الخير من منابعه ويقولون أنا ربكم الأعلى فيها كثر وما أكثر وحشتنا واغترابنا عن عالمنا حين يسكننا الحقد ويستعمرنا الشر .. واللذين يسيل لعابهم على البلبلة وملئ الفراغ بالفتنة وزيادة الطوفان وتتفتح شهيتهم للعراك المستمر كلما ألقمتهم حجر الطمأنينة درءا للشر .. رغبوا بالمزيد منه أولئك تضعف نيتهم للخلاص من ربكة الألم .. فيقيدهم ولا يملكون غير أن يسيروا في طريقه مستسلمين .
هناك إذا فئتين متخاصمتين إحداهما بغت على الأخرى .. وفئة أخرى ثالثة تنتهج الصلح بينهما .. لعلها لا تعلم عن كل حقائق الخلافات وملابساته .. ولعلها تسعى للتوسع في كشف الغموض وإماطة الأذى عن النفوس .. لكنها تعمد للاصلاح على كل حال ..
لنقل خيرا أو لنصمت .. قاعدة رسالية تحدد دورنا كمصلحين .. إما أن نُلم بما يجري حولنا من خلاف كامل فنفهم أبعاده وحيثياته .. وتكون غايتنا الاصلاح لغرض الاصلاح ، وإما أن ننتحي جانبا حتى لا نزيد قتال المتقاتلين ونتحول لوقود نار مستعرة تهلك الحرث والنسل .. البعض يجزم بخوض غمار الحرب بغرض الاصلاح ، لكنه يتجنى على نفسه وعلى من دخل معهم، حين يجانب الحق فلا يصغي لكافة أسباب النزاع، أو لا يعطيها حقها في الدفاع عن نفسها، أو يغمغم بكلام مكرر فقط لأنه يرى الأمر منقضي من وجهة نظر واحدة فقط ، هي وجهة نظره فيحيد عن العدالة .. {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } .
حقيقة النفوس تحمل متغيرات كثيرة علينا فهمها لنخلصها من عوالق الخصام .. خاصة أن بعض القضايا تبدو حساسة، وتحسب من رصيد أصحابها، وبها هضم كبير للمشاعر وإسقاط أكبر للحقوق وطمس للهويات .. ولا أحد بأي حال من الأحوال يقبل أن تلغى حقوقه وتطمس هويته ، فلصالح من سيفعل .. ألـشخص أخذته العزة بالإثم .. أم لصالح تمضية الأمور وتكرارها لهوية شخص على استعداد للعودة مجددا، كما فعل من قبل دون رادع أو راد .. أم لصالح آخر جرب معه الهدنة والتسامح مرة ومرات فلم يجدي معه نفعا سوى الاستمراء في الإيذاء والتحامل ...
وضع النقاط على الحروف .. هو في مجمله اهتمام بالتفاصيل من أجل اصلاحها وإزالة الرين عنها ، ومن المجحف حقاً أن أطلب من شخص إلغاء حقوقه الأدبية ، والتنازل عن كافة ما يجرى عليه من ضرر ، في أمر يتعرض له بصفة شبه دائمة من آخر لا يعي مستوى الخلل الذي يرتكبه وحجم الضرر الذي يخلفه، بسبب غيرته وحسده وتعاليه وشعوره بالنقص أو الدونية - وكلها في مجملها أمراض نفسية يصاب بها الإنسان في قلبه - أو لرغبته بأن يبدو أسمى وأكثر وجاهة وفوقية من الآخرين من غير جهد يبذله ليرتقي بنفسه ومكتسباته ،.. دون أن أقف محايدا بينهما وأنصفه على الأقل بكلمة حق ترد له اعتباره أمام الجميع وترطب نفسه المعتدى عليها دون وجه حق .. وبطبيعة الحال يمكنه أن يعلن - ومن حقه أن يفعل - أنه غير مسئول عن كمية السوء في نفس خصمه ولا عن عدم تقديره للأمور أو التزامه بالمعايير الأخلاقية .. وعن مبادراته، فقد أبداها بأكثر من موضع.
بالطبع الخصام إيلام وليس محبذا هنا .. لكن الوقوف على الجرح يتطلب استيعاب أكثر للحدث فلا أتجنى وأضغط على الحلقة الأضعف من ناحية التقبل والقبول وتمضية الأمور بسلام لمجرد لملمتها والتعايش معها لأني كمن يخيط جراحا دون أن ينظفها .. وبذلك قد أعرض نفسي لمسئولية التكرار من الجهة المعتدية وأتحمل المسئولية عنها بالتمادي وزيادة الغي ..
الله يفتح نوافذ عظيمة بين الفئات المتخاصمة، {وإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ..
ماذا عن تكرار البغي .. أليس من العدل أن نقف على الفئة الباغية ونوجهها أو نوبخها إن استدعى الأمر .. أما الذين يدخلون شق الصراعات ويطالبهم المصلحون بالعودة وفتح باب الحوار والنقاش للتهدئة فيرفضون أو ينسحبون دون مبررات يدلوا بها أو مسوغات مقبولة ، فليس لهم علينا من سبيل، فقد انتهوا في داخل الحدث والحديث عن ما يخصهم .. وإذا كان العراك والخوض في حروب مستمرة تؤجج لديهم النشوة فما عاد يجدي معهم العتاب ولا محاولات الصلح ..
قد يبدو الولوج في موضوع النزاعات أمر مكرور مرهق، وبه الكثير من العقبات .. تعافه النفس لثقله أحيانا .. لكن المسئولية والضمير يقتضي علينا طرقه .. فلو تخلى كل منا عن واجبه ودوره لأكل الناس بعضهم بعضا، ولما عاد لأحد رفيق ولا ولي ولا قريب يرتجيه .. معنى الأمر أن الطرق واجب والمحاولات مستمرة ومن استجاب وتاب وأناب فله أجره ، ومن أعرض ونأى بنفسه عن الهدى دون مبررات فقد أقيمت عليه الحجة والبرهان .. وجميعنا أرضيتنا وتربيتنا سماوية تدعو للرحمة وللإنصاف والأخلاقيات الطيبة والتعامل بالحسنى .. فحتى المعرضون عليهم أتربة وأغبرة ترهقها قترة وذلة ، ومتعلقات سرعان ما تنتهي بمجرد نفضها عنهم بدعوتهم للخير والفضيلة إن كانت نفوسهم عاشقة للخير سرعان ما ستستجيب .. وإلا فليس لم سوى التجاهل والمضي عنهم بسلام لتستمر الحياة بهم أو بدونهم .
جديد الموقع
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام