
2025/10/12 | 0 | 57
جيل زد ورؤية 2030: شباب يصنعون المستقبل السعودي
يعيش العالم اليوم مرحلةً فارقة في التاريخ الإنساني، تتجسد في نشوء جيل جديد تربى في ظل التحول الرقمي المتسارع، والانفتاح غير المسبوق على المعرفة والمعلومات والثقافات المختلفة. هذا الجيل الذي يُعرف باسم جيل “زد” (Generation Z) يمثل اليوم شريحة واسعة من سكان العالم، وهو القوة البشرية التي ستقود الاقتصاد والسياسة والثقافة خلال العقود القادمة.
لكن من هو جيل “زد”؟ وما أبرز سماته النفسية والاجتماعية؟ وما التحديات التي يواجهها في عالمٍ يتغير بسرعة تفوق قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيّف.
جيل زد generation Z، هم الأشخاص الذين ولدوا بين 1997 و2012، والذين يُشكلون اليوم قلب الطموح السعودي. في المملكة، يُطلق عليهم أحيانًا “جيل الرؤية”، لأنهم نشأوا مع إطلاق رؤية 2030 في 2016، تلك الخطة الطموحة التي تحلم بمجتمع حيوي واقتصاد مزدهر. هؤلاء الشباب، الذين يُشكلون حوالي 30% من سكان المملكة (أكثر من 10 ملايين شخص)، هم المحرك الحقيقي للتغيير، يحملون أحلامًا كبيرة وتحديات لا تقل عنها.
نظرة على الأجيال عالميًا وسعوديًا
كل جيل يحمل بصمته الخاصة، مشكّلة بالأحداث التي عاشها. عالميًا، يُقسم علماء الاجتماع الأجيال بناءً على التغيرات التاريخية والتكنولوجية الجيل الصامت (1928-1945) عاشوا الحروب والكساد الاقتصادي، فأصبحوا صلبين ومخلصين للعمل التقليدي. جيل الطفرة (1946-1964) استمتعوا بازدهار ما بعد الحرب، وركزوا على الأسرة والاستقرار. جيل إكس (1965-1980) عرفوا بدايات الحواسيب، فكانوا مستقلين ويبحثون عن التوازن بين العمل والحياة. جيل الألفية (1981-1996) تبنوا الإنترنت، وفضلوا التجارب على الممتلكات، لكنهم واجهوا أزمات اقتصادية. جيل زد (1997-2012)، وهم أبطال قصتنا، هم “الرقميون الأصليون”، يشكلون 32% من سكان العالم، ويتوقع أن يكونوا 27% من القوى العاملة بحلول 2025، مع شغف بالبيئة والصحة النفسية، أما جيل ألفا (2013-الآن)، فهم أطفال اليوم الذين ينشأون مع الذكاء الاصطناعي، ويُنتظر أن يغيروا قواعد اللعبة.
في السعودية، يتطابق هذا التقسيم مع الواقع العالمي، لكنه يحمل نكهة محلية. جيل زد، الذي يُمثل حوالي 10 ملايين شخص، يعيش في ظل تحولات رؤية 2030، التي تُعزز التعليم الرقمي والريادة. يختلفون عن الأجيال السابقة بتركيزهم على الابتكار والاستدامة. على سبيل المثال، يُظهر تقرير من وزارة الثقافة (2022) أن 70% منهم يعتمدون على منصات رقمية للتعلم الذاتي، مما يجعلهم قوة دافعة للاقتصاد الجديد. هذا الجيل، بطموحه ومهاراته، يُشكل جسراً بين التراث والمستقبل، وهو ما يجعله شريكًا أساسيًا في الرؤية.
جيل زد: شباب يحلمون بمستقبل أفضل
جيل زد يعيشون في عالم رقمي، لكنهم يحملون قلباً نابضاً بالطموح والإبداع. لديهم سمات تجعلهم مميزين:
1• التأقلم مع التكنولوجيا يُعد جيل زد الأكثر مهارة في استخدام التكنولوجيا، مما يمكّنهم من استغلال المنصات الرقمية لخلق فرص اقتصادية. يشاركون في الاقتصاد التشاركي، مثل العمل الحر عبر منصات مثل Upwork، ويستخدمون التطبيقات المالية لإدارة أموالهم بذكاء.
2• الوعي المالي المبكر يُظهر جيل زد وعيًا ماليًا استثنائيًا، فهم أكثر حذراً وتقديراً للاستقرار المالي من الجيل السابق. حيث يبدأون التخطيط المالي في سن مبكرة. يهتمون بالادخار والاستثمار، ويستخدمون أدوات مثل تطبيقات الاستثمار الصغير (Micro-investing) لتنمية مدخراتهم، مما يعزز استقرارهم المالي.
3• دعم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية يفضل جيل زد دعم العلامات التجارية التي تتبنى قيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. أكثر من 60% منهم يختارون منتجات صديقة للبيئة، مما يدفع الشركات لتبني ممارسات أكثر استدامة، ويعزز الاقتصاد الأخضر.
4• الابتكار وريادة الأعمال يتميز جيل زد بروح ريادية قوية، حيث يطلق العديد منهم مشاريع تجارية صغيرة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يستفيدون من منصات مثل Instagram وTikTok لتسويق منتجاتهم، مما يخلق مصادر دخل جديدة. الكثير من أفراد جيل “زد” لا يرون في الوظيفة التقليدية حلمًا نهائيًا.هم يفضلون العمل الحر (Freelance) أو تأسيس مشاريع صغيرة، مستفيدين من الأدوات الرقمية التي تمكنهم من العمل من أي مكان. كما أن لديهم حسًا رياديًا متطورًا، ورغبة في تحقيق مشاريعهم في سن مبكرة.
5• التأثير على اتجاهات السوق بفضل قوتهم الشرائية المتزايدة، يُعيد جيل زد تشكيل الأسواق من خلال تفضيلاتهم الفريدة. يركزون على التجارب بدلاً من المنتجات المادية، مثل السفر والفعاليات، مما يحفز نمو قطاعات جديدة. هذه الإيجابيات تجعل جيل زد قوة اقتصادية ديناميكية، قادرة على قيادة التغيير والابتكار.
6. التنوع والانفتاح
جيل “زد” أكثر انفتاحًا على الثقافات المختلفة، وأكثر قبولًا للتنوع في الجنس والعرق والدين والميول الفكرية. الانترنت جعلهم “مواطنين عالميين”، يتفاعلون مع أشخاص من كل بقاع الأرض، ويتأثرون بالاتجاهات العالمية بسرعة مذهلة
رؤية 2030: الصديقة التي تُحقق الأحلام
رؤية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية، بل حلم كبير يضع الشباب في صميمه. إنها بمثابة صديق يمد يد العون لجيل زد، يُقدم لهم الأدوات ليبنوا مستقبلهم.إليكم النقاط الرئيسية:
1• إيجابيات جيل زد في الرؤية يتميز جيل زد بمهارات رقمية عالية وروح ريادية، مما يدعم تحقيق أهداف الرؤية. يتبنون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ويساهمون في الاقتصاد الأخضر والمسؤولية الاجتماعية.
2• فرص العمل والتدريب توفر الرؤية فرص عمل في قطاعات السياحة، الترفيه، والطاقة المتجددة، مع برامج تدريب في الأمن السيبراني والعلوم الحياتية، مما يقلل البطالة ويعزز الاستقلال المالي للشباب.
3• مشاريع رؤية 2030 تشمل المشاريع مدينة نيوم الذكية، مشروع البحر الأحمر للسياحة المستدامة، وقدية كمركز ترفيهي. كما تدعم سعودة الوظائف وصندوق الاستثمارات العامة المشاريع الصغيرة والشركات الناشئة.
4• آفاق المستقبل يتيح الاقتصاد الرقمي وبرامج التعليم العالمية لجيل زد فرصًا واسعة. يمكنهم قيادة الابتكار، بناء اقتصاد مرن، والمساهمة في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية.
لكن، ماذا عن التحديات؟
الحياة ليست دائمًا وردية، وجيل زد يواجه تحديات وعقبات، منها:
1. أزمة الهوية والانتماء
يعاني العديد من أفراد هذا الجيل من صعوبة في تحديد هويتهم. الانفتاح المفرط على الثقافات جعل الانتماء الوطني أو الديني أو الاجتماعي أقل وضوحًا، وأصبحوا يعيشون في فضاء متداخل من القيم المتناقضة. وهذا أدى إلى زيادة في مشاعر القلق والاغتراب الداخلي.
2أزمة القيم الجديدة والعلاقات المتحوّلة
العلاقات الاجتماعية والعاطفية لدى جيل Z تختلف جذرياً عما عرفته الأجيال السابقة. فهم يؤمنون بالاستقلالية الفردية، ويمنحون الأولوية للحرية الشخصية على الالتزامات التقليدية. كما أن مفاهيم الصداقة والحب لديهم باتت تتشكل عبر الفضاء الافتراضي أكثر مما تتجذّر في الحياة الواقعية.
القيم الأخلاقية والاجتماعية أيضاً تشهد تحولاً. فبينما يظهر كثير من شباب هذا الجيل نزعة قوية نحو التسامح واحترام الآخر، يلاحظ في الوقت نفسه انحسار القيم الأسرية الكلاسيكية، وضعف الروابط العائلية. ومع تعدد مصادر المعرفة، أصبحت المرجعية الفكرية لدى الجيل مشتتة، تتأثر بما هو رائج أكثر مما هو ثابت، وهو ما يطرح أسئلة حول ثبات الهوية القيمية في المستقبل. فقيم هذا الجيل عموماً تعاني من سيولة وتبدل حسب الظروف ،عكس الأجيال التي سبقته والتي نشأت في ظل قيم ثابتة وصلبة نسبياً.
3. الاضطرابات النفسية والقلق الرقمي
تشير الدراسات الحديثة إلى أن جيل “زد” هو الأكثر عرضة للاكتئاب والقلق مقارنة بالأجيال السابقة. السبب في ذلك يعود إلى ضغوط الحياة الافتراضية، مثل المقارنة المستمرة بالآخرين، والسعي وراء الإعجابات والمتابعين، والخوف من فقدان التواصل (FOMO).كما أن العزلة الاجتماعية الناجمة عن الاعتماد المفرط على الشاشات، فاقمت من مشكلات الصحة النفسية.
4. التحديات التعليمية والمهنية
على الرغم من ذكائهم التقني، إلا أن جيل “زد” يواجه صعوبة في التركيز والانضباط بسبب تسارع الإيقاع الرقمي. أنظمة التعليم التقليدية لا تواكب طرق تعلمهم القائمة على التفاعل البصري والتجربة العملية. وفي سوق العمل، يواجهون منافسة شديدة في ظل التحول نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي، مما يفرض عليهم اكتساب مهارات جديدة باستمرار.
5. ضعف العلاقات الإنسانية الحقيقية
وسائل التواصل الاجتماعي قربت المسافات افتراضيًا لكنها أضعفت التواصل الإنساني المباشر.أفراد جيل “زد” يعانون أحيانًا من ضعف المهارات الاجتماعية وصعوبة بناء علاقات عميقة ومستقرة. التواصل عبر الشاشات لا يمنحهم الإحساس الكامل بالدعم العاطفي الذي يحتاجه الإنسان بطبيعته.
6. المخاطر المعلوماتية والتضليل الرقمي
جيل “زد” يعيش وسط فيض من المعلومات، لكنه لا يمتلك دائمًا القدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف. انتشار الأخبار المضللة ونظريات المؤامرة، بالإضافة إلى تأثير خوارزميات المنصات، يجعلهم عرضة لتشكيل قناعات غير دقيقة أو متطرفة.
بعد ذكر التحديات. يمكن إيجاز بعض الحلول المقترحة التي يمكن تطبيقها في سبيل التقليل من آثارها:
1. تعزيز الصحة النفسية للشباب.
2. تحديث وتطوير المناهج التعليمية.
3. تأهيل مهني وتقني متوافق مع سوق العمل.
4. تعزيز الهوية والانتماء الوطني والثقافي.
5. نشر الوعي والثقافة الرقمية الآمنة.
6. تمكين الشباب في صنع القرار والمبادرات المجتمعي.
خاتمة: معًا نحو 2030
جيل زد ورؤية 2030 هما وجهان لعملة واحدة: طموح يلتقي بالفرص. الرؤية تُعطي الشباب أجنحة ليحلقوا، بينما يضيفون إليها شغفهم وإبداعهم. لكن النجاح يحتاج إلى دعم مستمر، خاصة في الصحة النفسية والتعليم. إذا واصلنا تمكين هذا الجيل، فإن 2030 لن تكون مجرد خطة، بل واقعًا يعيشه شباب يؤمنون بأن المستقبل يبدأ من اليوم.
جديد الموقع
- 2025-10-12 اطمئني! لا يوجد دليل علمي حاسم حتى الآن على وجود علاقة سببية بين تناول مسكنات الألم أثناء الحمل وإصابة المولود بالتوحد ولكن يبقى الطبيب المختص أفضل مرجع قبل قرارك تناول المسكنات.
- 2025-10-12 من أرشيف الحب .. رجل الظل الساطع .. الشاعر عبدالمحسن المطوع ( أبو مهدي )
- 2025-10-12 في معنى الوطنية SA
- 2025-10-10 سناب أبي منير البقشي (المؤلف الباحث الأستاذ أحمد بن الشيخ حسن البقشي )
- 2025-10-10 أصدقاء عبر الزمن بنكهة أخوية
- 2025-10-10 (شعراء نوعيُّون)
- 2025-10-09 ولكنّ ما تقرأ لا يندثر ولا يغيب
- 2025-10-09 أمين الأحساء في زيارة لجمعية دار السلام لإكرام الموتى
- 2025-10-09 صفوة التواصل والاهتمام للوجيه الاجتماعي والفنان الغائب الحاضر الحاج: أحمد بن حسن السعيد (سلمه الله)
- 2025-10-09 ناصية الوجع للناشطة الاجتماعية بالفريج الشمالي الجدة: فاطمة بنت علي المعيوف (رحمها لله)