2022/06/14 | 0 | 2593
جايك من طرف فلان!!
صوت مكة
لاشك بأن ديننا الإسلامي الحنيف يحثّ على قضاء حوائج الناس، وبثّ روح الألفة و إحساس التراحم بين أبناء المجتمع الواحد، بل يمتد ذلك الإحساس ليصل لنظرائه من المجتمعات الأخرى، ومن أهم آداب التراحم أن نسعى لتحقيق رغبات الآخرين وتسهيل أمورهم والوساطة ما استطعنا لجعلهم سعداء مرتاحي البال، وبذكر الوساطة فهي مفردةٌ مرادفةٌ للشفاعة التي ندعو الله سبحانه في كل يوم بغية نوالها، فبها الضمانة التي إن يحصل عليها الإنسان فقد فاز، أما عن الإنسان فهو الثروة التي تُعمَر بها الأرض وتزدهر الأوطان، وهذا مما لا يختلف عليه اثنان حتى الآن، لكن! هل أن ما نقوم به في غالب الأحيان يندرج ضمن المفاهيم المذكورة أعلاه؟ أم أن لذلك تفسيراً آخر لا يتماهى وعناوين كقضاء حوائج المحتاجين والألفة والتراحم وبث الشعور الإنساني؟
حينما تُقضى حاجة فلانٍ من الناس ثم يعود هذا السلوك بالضرر على مَن سعى لقضائها؛ فمن البدهي أن تقفز لذهننا فكرة تساؤلٍ عن وجود خللٍ ما في مرحلةٍ ما، وهذا سيقودنا للبحث عن الخطأ أو جملة الأخطاء الجذرية التي أدّت لتلك النتيجة السلبية، لذا وقبل أن نتساءل دعونا نرسم ذلك القالب بمثال، تبدأ المشكلة عادةً بسؤال بريء نحو (هل تعرف أحداً يعمل في المنشأة الفلانية؟)، وسيجيب الشخص الموجه السؤال إليه –بحسن نية- بالإيجاب إن كان يعرف أحدا، إجابته هذه ستكون بداية الشرارة التي ستُسعر ناراً عظيمة لن تنطفئ، فالحاصل على الإجابة سيتوجه للشخص المذكور طالباً قضاء حاجته تحت بند التراحم والألفة ومد يد المساعدة وعبارة (جايك من طرف فلان!!)، وفي الغالب يرد المسؤول بكلمة (والنعم) وسيسعى جاهداً لمساعدة السائل تطبيقاً للمفاهيم المذكورة سابقاً، وللفوز ببياض الوجه عند صاحبه الذي أرسل إليه هذا المحتاج لتسهيل الأمور، فتُقضى الحاجة ويمضي كلٌّ في طريقه، وهنا يظن المسؤول أن الستار قد أُسدِل.
لكن في أحيان كثيرة يكون للمسرحية فصولاً أخرى تلي إغلاق الستار الأول، فيعود ليُفتَح حينما ينشر السائل الأول خبر مساعدة فلان المسؤول له وقد يكيل له من عبارات الثناء والشكر والدعاء بالتوفيق مشفوعةً بعبارة (قولوا له أنكم من طرف فلان!!)، فتبدأ دائرة السؤال بالاتساع ويبدأ صاحبنا المسؤول يتخبط شيئاً فشيئاً داخل وحل تلك الوساطة المحمودة حتى تُطبِق المصيدة على قدميه وتسحبه إلى حيث لا يستطيع الخروج.
مع ذلك، نحن لم نقف على مسببات المشكلة الحقيقية حتى الآن، ففعل الخير لا يضرّ فاعله، ومفاهيم الحثّ على قضاء حوائج الناس لا تزال في قمة هرم السمو الإنساني، هذا في حين نظرنا للشجرة التي أورقتْ دون أن ننظر إلى جذورها من أين تشرب، فبعض الأشجار قد تخضوضر وتثمر لكن عروقها تضرب في أرضٍ أجاج ماؤها، ذات الأمر قد نراه في المسؤول الذي قضى حاجة السائل فأثمر، لكنه اعتدى بتلك المساعدة على حق محتاجٍ آخر كان في انتظار تلقّي العون بطريقةٍ نظاميةٍ، لكن الفرصة قد فاتته لتقدّم فلان السائل وحصوله عليها بطريقةٍ سريعةٍ زادت من معدل رضاه قبالة سخط الآخرين.
إذن، حينما يكون في قضاء حاجة فلانٍ من الناس ضرر مترتب على آخرين فهنا تكون الوساطة خبيثة وأنّ فاعلها ضلّ الطريق وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وعليه فإن تبعات تلك الوساطة ستتراكم وتعظم كجبل، حتى يحين وقت الحساب بعد تقديم أول شكوى رسميةٍ من صاحب حاجةٍ قد توقظ أعين المدققين للبحث عن أسباب تأخير إنجاز طـلِبَـتـِه. وهو ما يحصل اليوم لدى فرق التدقيق الداخلي الخاصة بالمنشآت المتنوعة خاصةً وعامة، والتي تصل بعض القضايا فيها لتُرفع لمقام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) كي تحقق في كل ما يحمل شبهة الإخلال بالنظام أو مادةٍ من مواده الدستورية، هذه الهيئة التي تسعى بكل طاقتها وبلا هوادةٍ لإغلاق أي ثغرةٍ تعود بالضرر سواء على المنشآت المقدِّمة للخدمات أو للمستفيدين بأنواعهم.
نستنتج مما ذكر أعلاه أنّ عبارة (جايك من طرف فلان)؛ قد تتسبب مثلاً في تأخير أو انعدام صرف علاجٍ لمريض، أو تقليص فرصة حصوله على خدمةٍ علاجيةٍ مناسبة، فقدان فرصةٍ للدراسة أو الوظيفة، تأخير إنجاز معاملة أو تقديم خدمة من الخدمات الحياتية اليومية لمستحقيها بسبب تقدّم فلان السائل على غيره وقضاء حاجته في حين يتعسر قضاء حاجات الآخرين بسبب تفرغ المسؤول لغيرهم وصرف وقته وجهده لخدمة القادمين من جهة فلان المذكور، لذلك لا نستغرب أن يشير القانونيون إلى تلك العبارة بتصويرها كالرشوة الصريحة التي يعاقب عليها القانون بعقوباتٍ مغلّظة تنص عليها المادة الرابعة من نظام مكافحة الرشوة فتقول بأن (كل موظف عام أخلّ بواجباته الوظيفية وقام أو امتنع عن عملٍ نتيجة رجاء أو توصية أو وساطة، يعدّ في حكم المرتشي ويعاقَب بالسجن لفترةٍ لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامةٍ لا تزيد عن مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين)، وهذا في حال الوساطة فقط، فما بالك بتقديم خدمات أخرى تشمل استهلاك مواد تخزينية أو وظيفية تفتح الأبواب حول استغلال المنصب الوظيفي لتنفيذ استفادةٍ شخصية أو تقديم خدمات بناء على المعرفة والقرابة والتوصية الشخصية، والقائمة تطول وكفة الميزان ستحمل أثقالاً أكثر في حين أقدم المسؤول على ذلك فعلا، فهل لا يزال المسؤول يبحث عن بياض وجهه أمام القادمين إليه من طرف فلان؟ وهل سيستمر السائل في طلبه لمعرفة اسم فلان الذي يعمل في المنشأة الفلانية أو تلك العلانية ليردد عليه ذات العبارة طالباً قضاء حاجته على حساب غيره؟ ثم هل أن السائل سيقف مدافعاً ومادحاً المسؤول في حين أحكمتْ قبضة العدالة يدها عليه متلبساً بتقصيره في أداء مهامه الوظيفية؟ أم أنه سيتملص من الأمر بمجرد انقضاء حاجته دون أن يلتفت للوراء؟
يخبرني قريبٌ لي بأنه التقى بأحد الرجال المعتبرين مراجعاً لإحدى الجهات الخدمية، لقد شبّه مشيته بمشية الطاووس بين موظفي تلك الجهة، فهذا يوسع له الطريق وذلك يقرب إليه كرسياً ليقعد، وآخرون يكادون يذوبون حباً وسعادةً بلقياه، الغريب فيما نقل إليّ قريبي بأن ذلك الشيخ قد حصل على خدمةٍ راقيةٍ بعد أن تخطّى أعناق الآخرين، فلا هو احترم مَن سبقه لتلقي تلك الخدمة، ولا التزم مقدم الخدمة بأمانته الوظيفية التي ظنّ أنه بعمله قد أنجز مهمة ذلك الرجل وحصل على ثواب قضاء الحاجات، فلنفعل الخير مادام بيدنا ذلك، لكن لنحرص على أن نكون نحن مَن يملك ذلك الخير الذي نقدّمه، لا أن نسلب حقوق الآخرين ونسلمها لغيرهم مدّعين أننا نقضي حوائج الناس ونأمل منهم المديح والثناء كما نسأل الله الأجر، ظانّين أننا نطيع أوامره في حين أننا نعصيه بانتهاكنا لحقوق غيرنا من منشآت ومستفيدين. ليكن حرصنا شديداً على حفظ الحقوق العامة والخاصة، ولننبذ المجاملة على حساب أنفسنا وغيرنا ممن سيتضررون بسبب وساطتنا، ولننكر على القادم من طرف فلان قدومَه في حين كان ذلك القدوم سيضرّ بسمعة المكان وطالبي الحاجة منه، ولنقلها صريحة؛ (فلان لا يملك المكان وليس لكلمته قيمةٌ أمام سابقيه من مستحقي الخدمة)، بذلك فقط نبتعد عن الإضرار بأنفسنا وغيرنا ونصل جميعاً إلى شاطئ سلام.
جديد الموقع
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"