2022/05/18 | 0 | 2122
تقاعَد لتموت!!
عبارةٌ ترهيبيةٌ تُقال دائماً لأغلب من يطلبون المشورة في قرار التقاعد، ويزيد عليها بعض الأقران عبارات أخرى استفهامية نحو (ماذا ستفعل؟، أين ستذهب إن أنت تقاعدت؟)، بل ويقرر بعضهم ما سيكون من قدَر الرجل حينما يقارنه بغيره مدللاً على أن فلان قد ندم أشد الندم حينما أقدم على هذه العثرة غير المباركة التي يجب ألا يقع فيها غيره، وكثيرٌ مما يقال على المستوى العائلي الصغير والأصدقاء وحتى الأسماء المستعارة الناصحة في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن! هل أن الإقدام على خطوة التقاعد قرارٌ مخيفٌ فعلا؟ هل سيموت أحدنا حينما يقرر إضافة كلمة (متقاعد) بجوار اسمه في دائرة الأحوال الشخصية؟ هل سيبتلع ذلك البعبع المخيف كل من يقرر الدخول إلى دائرته ليموت بعد عامٍ أو أقل من دخولها؟ أم أن التقاعد بمسماه العام ليس إلا مرحلة من مراحل الحياة التي يمر بها كل موظفٍ بعد إتمام شرط أو عدة شروط وظيفية لا تزيد شأناً عن انتقال الفرد منا من مرحلة الدراسة لمرحلة ممارسة الوظيفة؟ وهل أن مرحلة التقاعد الكلي تختلف كلياً عن مرحلة التقاعد المبكر أم أنها تتشابه في حيثياتها مع مرحلة الوظيفة بعد المرحلة الثانوية والوظيفة بعد إتمام الدراسة الجامعية؟ كل هذه التساؤلات محل الابتلاء مطروحةٌ على الساحة وعلى كل فردٍ منا أن يختار ما يتناسب ووضعه المعيشي ليقدم عليه دون الحاجة لمقارنة حياته بحياة الآخرين أو طرق معيشتهم.
قبل سنوات سمعنا بعبارة تحذيريةٍ أطلقها بعض أبناء المجتمع محذرين فيها موظفي أرامكو السعودية من التقاعد الذي ستقوم عنده الشركة بحقنهم بإبرةٍ سامةٍ تجعلهم يموتون بعد عامٍ على الأكثر، ربما يكون أحدهم قد بنى ذلك على حالة وفاةٍ حصلت بعد التقاعد فعمّمها على الجميع، الأمر الذي جعل كثيراً من موظفي هذه الشركة يتفانون في أعمالهم كي لا يتم النظر إليهم كعاجزين عن العمل ويكون القرار بإحالتهم للتقاعد بعد العجز الجزئي أو الكلي، بل وسعى كثيرٌ منهم لعلاج أي إصابةٍ يتعرض لها على حسابه الخاص خوفاً من أن تعلم الشركة بذلك فتتم محاسبته أو التخلي عنه، مثل هذه الرسائل السلبية أرغمت الكثير من الموظفين على إفناء السنين من أعمارهم غير مبالين بأي جداول اجتماعية أو إجازات سنوية فأصبحت الوظيفة كل حياة الموظف التي لا يرى في غيرها أي حياة، لذلك يسأل بعضهم ماذا ستفعل وأين ستذهب إن أنت تركت الوظيفة وتقاعدت؟ الأمر الذي ساهم فعلاً في خلق عددٍ ملاحَظٍ من الوفيات التي تحدث بعد التقاعد ليس بسبب الإبرة المميتة المزعومة و إنما بسبب الفراغ النفسي والعاطفي الذي تعرض له الموظف بعد تركه للشيء الوحيد الذي يتقن عمله وهو الوظيفة، تلك الوظيفة التي أبعدَتْه عن جو الأسرة والمجتمع، بالإضافة لحرمانها إياه من ممارسة هواياته المتنوعة، ورياضة جسمه وعبادته ربما.
بالإضافة لما تقدم لا يزال هناك سؤال مهم طرحه ويطرحه كثيرٌ ممن اقتربوا من سن التقاعد الوظيفي، هل أتقاعد مبكراً أم أكمل سن الستين عاماً لأتقاعد؟ وإجابة هذا السؤال البديهية ستكون بأنك يجب أن تكمل عامك الستين لتحصل على راتبك الكلي بعد التقاعد النظامي، وهذا ما لا ينصح به خبراء الاقتصاد في العالم، إذ أن التقاعد المبكر يضمن لصاحبه –و لو بنسبة مقبولة- أن يعيش ما تبقى من حياته وهو بكامل صحته وعافيته، كما يمكنه في حال تقاعَدَ مبكراً أن يمارس هواياته ونشاطاته الاجتماعية والاقتصادية أيضا، تلك النشاطات التي تحظرها الوظيفة أحياناً بسبب تعارض المصالح أو الرفض التام لممارستها أثناء بقاء الموظف على رأس العمل حسب قانون كل وظيفة، حريةٌ تُعيد الشيخ إلى صباه حيث تقل المسؤولية العملية وإن بقيت المسؤولية الاجتماعية، بل أني أزعم أن كثيراً ممن أحيلوا إلى التقاعد قد تخلصوا من كثيرٍ من الاكتئابات وضغوط العمل وأحسوا مع مرور الوقت بتحسنٍ ملحوظٍ في صحتهم داخل وخارج المنزل، إضافة لتمتع أبنائهم بمميزات التقاعد التي يحصل عليها الآباء قبل أن يصل أبناؤهم لسنٍ تحرمهم من تلك المزايا، لذلك ينصح كثيرٌ من المتقاعدين زملاءهم بسرعة الإقدام على هذه الخطوة التي أحسوا بفائدتها واقعاً، كما ينصح خبراء آخرون بذلك تحقيقاً لدراسات متعددة تفيد بأن تجديد الدماء الوظيفية تطور من سير إنتاج الأعمال وخلق فرصٍ وظيفيةٍ للأجيال اللاحقة التي عاش أبناؤها طفرة التقدم كمادةٍ دراسيةٍ يتم تطبيقها اليوم على أرض الواقع التقني المتطور البعيد كل البعد عن المفك والإزميل والمطرقة، تلك الأدوات التي كانت مناسبةً للاستخدام قبل ثلاثين عاماً لكنها أصبحت غير مفيدةٍ اليوم ولن تكون كذلك في الثلاثين عاماً المقبلة.
لذلك تقاعد مبكراً لتعيش حياتك، أما أمر الممات فإنه بيد الله سبحانه، فهو جلّ وعلا مُقدِّر الأقدار ورازق الأعمار وليس بيد أحدٍ من خلقه تحديد ذلك إلا بمشيئته وحكمته، تقاعد لتعيش؛ فكّر بها ملياً واحرص على دراستها قبل أن تقدم عليها وذلك كي تعيش في راحةٍ وهناء وتشارك مَن حولك ثمرة جهد السنين لتفرح ويفرح بك كل مَن حولك وأولهم أسرتك.
جديد الموقع
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"