2019/08/03 | 0 | 2279
بيطيح في عرسك مطر
أثناء ما هي مشغولة في إعداد الطعام داخل المطبخ.. أدخلُ متسللاً لاستكشاف ماذا طبخت حلوة اللبن أمِّي إذ تجتذبني رائحة الطعام ونكهات الأكل اللذيذ طبخ المنزل ، ذلك الطبخ الخالي من النكهات الاصطناعية والزيوت المهدرجة ، بينما تستكمل هي عملها رامقة لي بعين ، وبعين أخرى على عملها، حيث تطهو وجبة الطعام باحترافية الأم التي تودع الطعام نكهة الحُبِّ المعهود الذي يجذب جميع أفراد الأسرة نحوه.. أقف عندها متصفّحًا قسمات مُحيَّاها وحركات وسكنات يديها وهي غارقة في العمل، إلا أن يديّ تعبث هنا وهناك ، فأقوم بفتح غطاء القدر تارة ، وتارة أحاول التقاط بعض ما في الأطباق ؛ لأتذوقه قبل الآخرين، وربما طلبتُ من أمي أن تناولني شيئًا مما تطهو ، كانت تنظر إليَّ برهة ثم تعطيني بعضًا مما طبخت فأتناوله بشغف.. تنظر إليَّ فتقول لي: لا تأكل - يا ولدي - قبل أخوتك والآخرين.. فأرد عليها قائلاً : لماذا؟ فتقول:
إذا أكلت قبل الآخرين ... ( راح يطيح في عرسك مطر!).
هذه الكلمات الشعبية التي لا زالت عالقة في ذهني لم أنسها يومًا وظلت عالقة في ذاكرتي حتى كبرتُ وأصبحتُ أبًا، لا أدري هل كانت كل الأمهات يقلن ذلك لأبنائهنّ أم لا، لكن ما أعلمه أن هذه المقولة تتداولها الأمهات في منطقتنا بمدينة المبرز على وجه الخصوص.
لم تكن هذه المقولات خاصة بالأمهات بل كانت تتردد على ألسنة بعض الآباء كذلك، فعندما كان يطلب مني أبي شراء خبز من الخباز الشعبي الذي في حارتنا ، كنتُ أعود للمنزل حاملاً الخبز الطازج الخارج من الفرن مباشرة، وقد أكلتُ نصف خبزة منه ، وربما أكلتُ قرصًا كاملاً ؛ كنت أفعل ذلك كون الخبز ساخنًا ورائحته تستهويني، أجل كنت أتناول ذلك قبل وصوله للآخرين ، فما أن أضع الخبز على المائدة في المنزل ويكتشف أبي ذلك كان يقول لي: ( كلت من الخبز يا ولدي؟! أجل بيطيح في عرسك مطر!).
هذه العبارات الشعبية وغيرها من العبارات الشعبية الأخرى كان وقعها علينا - عندما كنا أطفالاً - وقعًا رادعًا لنا حتى لا نكرر ذات الصنيع مرة أخرى فنأكل قبل الآخرين، ولعل هذا هو الهدف من كلام أهلينا لنا ، فهو بمثابة تأديب لنا، كمفهوم أدب من آداب السلوك.
ما أجمل عبارات أهلينا من آبائنا وأمهاتنا عندما كانوا يريدون أن يحذرونا من أي شيء في زمن الطيبين! فتارة يخوفننا بـ ( حمارة القايلة ) ، وتارة أخرى بـ ( أم السعف والليف )، وغيرها من العبارات الجميلة الرائعة التي كنا نتلقاها تلقّي المشكك أحيانًا وتلقّي القبول في أحايين كثيرة ، وعلى قولة إخواننا العراقيين: (( صُدُق كِذِب )) ، كنا نتأرجح ما بين حقيقة الأمر وأسطورته، وكنتُ - آنذاك - أردد في نفسي كثيرًا قبل أن أتناول أي شيء قبل الآخرين : ( بيطيح في عرسك مطر! )..
هذا التلقي كان أمرًا غريبًا ، ولكن الأغرب منه أنني كنت كلما حضرت زفاف أحدهم ـ قبل أن أتزوج طبعًا ـ وقد نزل المطر تلك الليلة التي حضرنا فيها حفل ذلك الزواج كنتُ أتذكر كلام والديَّ فأقول: لا بد أن هذا العريس قد أكل قبل أخوته، أو لهف نصف قرص خبز قبل أن يوصله للمنزل، وكان بودي أن أسأل ذلك العريس هل فعل ذلك أم لا ، لكنني لا أفعل ، وكنتُ أنتظرُ هذه اللحظة في ليلة زفافي هل سيسقط المطر أم لا ! وكانت عبارات والديّ ترنّ في ذهني وتعشعش في مخيلتي وتسيطر على تفكيري وتشدني نحو المجهول ؛ كونها ستحدث في المستقبل وأنه حدث يسكن في رحم القادم من الأيام ، متذكرًا شبح تلك العبارة : بيطيح في عرسك مطر!
جديد الموقع
- 2024-05-03 الظلم( الدّينْ ) المعنوي
- 2024-05-03 افراح الحدب والقطان في صالة الغانم بالاحساء
- 2024-05-03 نوستولوجيا الحنين للذكريات -قراءة لكتب الأستاذ عبدالله عبدالمحسن الجسم
- 2024-05-03 مشروع الشريك الأدبي وإدارة العمل الثقافي
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ