2019/07/13 | 0 | 2099
الولاية والإنسان الكامل عرض مبسّط مختصر لمفهوم «الولاية» في رؤية العرفاء المسلمين
تمهيد في مقدّماتٍ ستّ
طُلب منّي أن أتكلّم حول الولاية العرفانيّة عند الإمام الخميني، ولكنّني سوف أستعرض الولاية العرفانيّة عند العرفاء عموماً، وأشير إلى آراء الإمام الخميني هنا وهناك في شيءٍ ربما يكون قد أضافه أو امتاز به، وإلا فسائر الأفكار التي سوف نطرحها، هي أمورٌ مشتركة بين العرفاء عادةً، والسيّد الخميني يؤمن بها مبدئيّاً.
قبل أن أبدأ بالحديث عن هذا الموضوع، يهمّني أن أتحدّث عن مجموعة من المقدّمات المختصرة ذات الصلة به، وهي:
أ ـ العرفان وضرورة اللغة الواضحة ورفع الالتباسات
سوف أتناول القضايا الأساسيّة لعرض فكرة «الولاية العرفانيّة» بشكل مختصرٍ جدّاً قدرَ المستطاع، وأحاول أن لا أدخل في التفاصيل؛ لأنّ طبيعة الموضوع تتضمّن شيئاً من التعقيد؛ ولذلك أحاول أن لا أتعرّض للأمور المعقّدة والتخصّصية، خاصّة وأنّ المصطلحات التي تداولها العرفاء فيها درجة من الغموض، وملتبسة بعض الشيء بالنسبة لمن لا يعرف مزاج تفكيرهم، وهي التي سبّبت للآخرين التباساً في الفهم والاستيعاب، ممّا أدّى في بعض الأحيان إلى وقائع مؤلمة كتكفير بعض العرفاء من قبل بعض الفقهاء و..؛ ولذلك من الضروري في الدراسات العرفانيّة، أو شرح مقولات العرفاء، أن نبسّط المفاهيم قدر الإمكان؛ لنرفع الالتباسات التي قد تحول دون فهم الأمور بطريقة أفضل، إذ العرفان بالإجمال العام يعاني من لغة هلاميّة وضبابيّة بعض الشيء، والسبب في ذلك ـ كما يقولون ـ يكمن في أنّ الموضوعات التي يتكلّمون عنها، هي موضوعات ـ إذا صحّ التعبير ـ ما فوق العقل الإنساني في مدار الزمان والمكان، فمن الصعب إسقاطها في اللغة، ولهذا يجد العارف صعوبةً بالغة لعرض أفكاره وشهوده من خلال اللغة العرفيّة المتأثرة بالظواهر الماديّة الزمكانيّة بل المندكّة فيها، وهذا ما يقرّ به علماء اللسانيات والهرمنوطيقا المعاصرون أيضاً؛ لأنّهم يقولون: إنّ اللغة البشريّة تتولّد من خلال مربّع الزمان والمكان، فالإنسان قد أنشأ اللغة من خلال الصور والمفاهيم التي كان يراها من حوله، فلذلك تكون تعابيره دوماً تعابيرَ زمانيّة ـ مكانيّة، فإذا أردنا أن نعبّر عن شيء غيبي من خلال هذه اللغة، فلابدّ لنا أن نعبّر عنها بطريقة زمنيّة أو مكانيّة، وهذا ما يبرّر كثرة المجاز في كلمات العرفاء، الأمر الذي قد يوجب التباساً في الفهم تارة وأخطاء فادحة أخرى، خاصّة لمن ليس له اُنس بكلماتهم، دون أن أقصد تنزيه جميع المتصوّفة والعرفاء عمّا اتهموا به.
وهذا ما نجده في القرآن أيضاً عند بيان أمور غيبيّة تتّصل بالمبدأ والمعاد، نحو قوله تعالى: ﴿وجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ (الفجر: 22) فقد عبّر بـ«جاء» لتوصيف مشهد من مشاهد القيامة، ممّا يوحي بأنّ الله سبحانه، ينتقل من مكانٍ إلى آخر؛ لأنّ ذهن الإنسان محكومٌ بإطار الزمان والمكان، فعندما يُنشئ اللغة، ينشؤها في إطارٍ زمكاني، فإذا أراد أن يتكلّم عن الميتافيزيقيّات يجد صعوبةً بالغة، ولذلك يقول العرفاء: إنّنا عندما نتكلّم تلتبس مصطلحاتنا، فنُفهَم بطريقةٍ خاطئة، ونحن نعجز أن نبيّن؛ لأنّ المفاهيم التي نتحدّث عنها بعيدةٌ تمام البعد عن فضاء الزمان والمكان، ويحتاج الإنسان أن يتحرّر قليلاً عمّا اعتاد عليه، كي يفهم الأمور بطريقة متعالية عن هذا الثنائي.
من هنا، نجد العرفاء يتحدّثون عن شيءٍ يسمّونه ضيقَ الخناق، فيقولون: ليس بأيدينا مفردات وتعابير نستطيع أن نوصل بها ما نريد إلا هذه اللغة، وجزءٌ من المشقّة البالغة التي واجهها العرفاء عبر التاريخ، يكمن في هذه النقطة بالذات.
إذن، من الضروري، خاصّةً في عصرنا الحاضر الذي تطوّرت فيه أساليب التبسيط والتوضيح، أن يتمّ السعي لتحديث لغة العرفان، وإعادة إنتاج مفاهيم العرفاء بلغة عصريّة مبسّطة، إذ يساعد ذلك على الأقلّ في رفع الكثير من الالتباسات، كما يساعد على نشر الثقافة العرفانيّة.
من هنا، سوف نقوم بعرض مختصر جداً، نسعى فيه إلى رفع أكبر قدر ممكن من الالتباسات في موضوع بحثنا، حتى تصل الفكرة بطريقة مبسّطة؛ لأنّ أكثر الناس، عندما يسمعون مقولات العرفاء، غالباً ما يفهمونها بطريقة غير واضحة، وهم يظنّونها واضحة، لكنّ الحقيقة ليست كذلك.
ب ـ عرضٌ وتوضيح، وليس تبنّياً أو نقداً أو استدلالاً
نحن هنا في هذه البحوث، لن نقوم إلا بفعل التوصيف، وهذا يعني أنّنا محايدون، لا نتبنّى ما يقولونه ولا نرفض، فقط نريد استعراض أفكارهم، ونؤجّل الكلام عن صحّة كلامهم وأدلّتهم والمناقشات التي أوردها خصومهم عليهم، إلى وقت آخر؛ لأنّه بحثٌ طويل لسنا بصدده الآن، وإنّما نحاول عرض تصوّرات العرفاء حول ما يسمّونه الولاية العرفانيّة والإنسان الكامل.
ج ـ الجوانب الأربعة لموضوعة «الولاية»: العرفاني والفلسفي والنصّي والكلامي
إنّ البحث في موضوع الولاية له أربعة جوانب، ويجب أن ندقّق فيها حتى لا تلتبس علينا الصور، وهي:
الجانب الأوّل: الجانب العرفاني، وعادةً ما يبحث في العرفان النظري، فإنّ العرفاء يقومون بتجربة روحيّة، ويخوضون في عوالم أخرى غير هذا العالم الذي نحن نعيش ـ على الأقل حسب قولهم ـ وعندما يرجعون من التجربة الروحيّة هذه، يقومون بصياغة أفكارهم، وما لمسوه في هذه التجربة، فحقيقة العالم برمّته أمامهم، من أقصى النقطة فيه صعوداً، الله سبحانه وتعالى، إلى أدنى نقطة فيه، وهي عالم المادّة، ثمّ يأتون إلى هذا العالم، ليصفوا لنا تلك التجربة الروحيّة، وكأنّهم يرسمون لوحةً ضخمة عن العالم، بمراحله ومراتبه وعلاقاتها مع بعضها بعضاً، وتشابك هذه العلاقات، نحو علاقة المبدأ بالعالم، والمعاد، وعلاقة المعاد بالدنيا، مثل الرسّام الذي يرسم لوحة ظريفة مع إمعان في التفاصيل، وهي في الحقيقة حصيلة تصوّراته حول الوجود بأكمله، تلك التصوّرات التي اكتسبها من التجربة الروحيّة العميقة.
إذن، أوّل جانب يبحث فيه عن قضيّة الولاية، هو جانب العرفان النظري الذي يمثل في خلفيّته تجربةً روحيّة تكتشف العالم، ثمّ تصوغ نفسها فيما يسمّى بالعرفان النظري.
الجانب الثاني: الجانب الفلسفي، وفي هذا الجانب يقوم الفيلسوف باكتشاف خارطة عالم الوجود برمّته، بنفس الطريقة التي يتّبعها العارف، غاية الأمر يستفيد من عقله، مستخدماً البراهين والأدلّة، بينما العارف يستفيد من تجربته الروحيّة، وهذا يعني أنّ الفيلسوف يتناول أيضاً موضوع الولاية بوصفها جزءاً من نظام عالم الوجود، لكن من زاوية مختلفة وبأدوات مختلفة.
إذن، هناك زاوية عرفانيّة، يطلّ من خلالها العارف بتجربته الروحيّة على موضوع الولاية، أثناء قراءته للعالم وخارطته، وهناك جانب فلسفي يطلّ من خلاله الفيلسوف على العالم، ليرسم خارطته، ويبحث موضوع الولاية وموقعها في هذه الخارطة، مستعملاً العقل والبرهان والتحليل.
الجانب الثالث: الجانب النصّي/الديني، وهو أن نأتي إلى النصوص الدينيّة من كتاب الله والسنّة الشريفة، لندرس خارطة العالم، ونحدّد موقع الولاية في هذه الخارطة من خلال هذه النصوص الشريفة، وهنا علينا أن نقوم بجمع الآيات والروايات، ورصدها وتحليلها، لنخرج منها برسم خارطة الوجود، ونحدّد من خلالها، موقع الولاية ودورها ومكانتها في خارطة الوجود برمّته.
وعليه، فالباحث هنا، لا يستخدم التجربة الروحيّة، ولا التجربة العقليّة التحليليّة، وإنّما يستخدم مرجعيّة النص وسلطته.
الجانب الرابع: الجانب الكلامي، أقصد من هذا الجانب، البحث المعروف في علم الكلام في قضيّة «الإمامة»؛ لأنّ مسألة الإمامة ارتبطت تاريخيّاً، خصوصاً بعد ابن عربي، بمسألة «الإنسان الكامل»، فعندما ندرس في علم الكلام قضيّة الإمامة، فنحن بوصفنا متكلّمين، يمكن أن نعالج مسألة الولاية من زاوية الأدوات الكلاميّة التي يستعملها المتكلّم، في دراساته التاريخيّة، ومساهماته العقليّة، ومساهماته في تحليل النصوص، وما شابه ذلك.
إذن، ثمّة أربعة جوانب لدراسة موضوع الولاية:
جديد الموقع
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"
- 2024-04-29 جمعية العمران الخيرية بالاحساء للخدمات الاجتماعية تحظى بتكريم مرموق من مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري .
- 2024-04-29 مبادرة خطوة قبل الشكوى تبدأ فعالياتها بتأهيل اناث الدمام
- 2024-04-29 افراح الشبيب والعبدالسلام في قاعة الفارس بالاحساء
- 2024-04-28 الحاج معتوق الهدلق.. سيرة عاطرة
- 2024-04-28 بين لججِ الشك وفِخاخِ الغواية في ديوان (قبل التيه برقصة)