2025/12/16 | 0 | 355
(اللُمع الفضليّة في شرحِ الألفيّة) للعلّامة الدكتور عبد الهادي الفضلي
بقلم/ جواد الفضلي
الحَمدُ للهِ الذي يطيب الكلام بذكره وسلامٌ عَلى عِبَادِهِ الذينَ اصْطَفى.
مَا أَعْظَمَ الْمَجْدَ أنْ نَحْمِي لَنَا لُغَةً ... عُظْمَى يُشَرِّفُهَا الْقُرْآنُ تَكْرِيمَا[1]
لا تُذكر كتبُ النحو في أصولها وقواعدها المرعيّة من دون أن تخطر على بال وذهن السامع الألفيّةُ النحويّة الصرفيّة الشهيرة للأديب العالم النحوي الامام (محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني) (رض)، بصفتها الجامعة الشاملة لكلّ قواعد النحو بطريقة شعريّة تعتمد أسلوب الرجز المحبب الوقع والايقاع على اذن المتلقّي معلّما ومتعلّما.
هذه الأبيات النحويّة الألف والمؤلّفة بنظمٍ وتنظيم رائعين، وبألفاظ سلسة، وترتيب مُحكم، وإحاطة مستوفية لمنظومة النحو في أبعادها وشاردها وواردها، خضعت لشروح وتحشيات كثيرة، وتصدّى لذلك أربابُ النحو، وعمداءُ اللغة، وعلماءُ الحقل النحويّ واللغوي والصرفي، وبعضُ مجامع ودوريات اللغة العربيّة.
غير أن فضيلة والدنا الراحل العلّامة الدكتور عبد الهادي الفضلي – دام فضلُه ما تعاطى أثراً من آثاره العلميّة والفكريّة متعاطٍ – لم تُثنِ عزمَه كثرةُ الشروح والطروح، فكان من بين جليل خدماته للغته الأم، لغة القرآن، والشعر والبيان، والفلسفة والعرفان – أن عقد العزمَ على تقديم مشروعه ثلاثيّ الأبعاد لأهل لغة الضاد، والذي مَرحلَه على ثلاث مراحل راعى فيها تباينَ مستوى المتعلّم ابتداءً، وتوسطاً، ومرحلة متقدمة.
فكان أن أنجز – كمرحلة أولى - كتابَه (مختصر النحو) كمقدمات نحويّة أوليّة على غرار كتاب النحو المتداول (قطر الندى). وهو منهجٌ أو مقرر دراسيّ للمبتدئين.
مُختَصر النحو إذا جئته ... رأيتَ كلّ النحو في المُختَصر
فهو كتابٌ فاقَ قطر الندى ... لأنّه غيث السمَا وانهَمر
ثم أردفه بكتاب المرحلة المتوسطة فأسماه (الوسيط النحوي) استيحاءً من وسطيّة مرحلته التي هي بين بين، بين (مختصر النحو) وبين (شرح الألفيّة)، وراعى - في هذا التسلسل - التيسيرَ في تناول وطرح القواعد النحويّة على القارئ الغيور على لغته، أو طالب العلم المستزيد في هذا الباب، ممهداً لانتقاله من خطوةٍ أو درجةٍ نحويّة الى خطوةٍ أو درجة نحويّة أعلى.
وكان ينوي (نوّر اللهُ ضريحَه) أن يستكمل مثلثَ مشروعه النحويّ، بشرحٍ كامل وافٍ لألفيّة ابن مالك المخصّصة لمرحلة الدراسات العليا، إلا أن الأجلَ لم يُمهله لإنجازه، بل توفّر على إنجاز ما يربو على العشرين بالمئة منه، حيث انتهى في شرحه إلى (أسماء الإشارة) التي تشير ببنانها إلى أنه مرّ وهذا الأثر!
اعتنى سماحة سيدي الوالد في شرحه للألفيّة منهجاً موضوعيّاً ترسّم فيه الشواهدَ النحويّةَ على تراتبيّة تقوم على:
أولا: الشواهد النحويّة من آي الذكر الحكيم (القرآن المجيد) والقراءات القرآنيّة، حيث تضمن الشرحُ أكثر من (3200) شاهداً قرآنيّاً، الأمرُ الذي يتيح للمعنيين في حقل التفسير القرآنيّ، فضلاً عن المهتمين بالشأن النحويّ الإفادة من هذا المجهود العلميّ الذي يُقدّم خدمةً مزدوجة لطلاب المعرفة على كلا الصعيدين.
ثانياً: الشواهد النحويّة المستقاة من الحديث النبويّ الشريف، ومن روايات الأئمة من أهل البيت(ع) سواء في نصوص (نهج البلاغة) للإمام أمير المؤمنين(ع)، أم في نصوص (الصحيفة السجادية) للإمام زين العابدين (ع) أم في ما توارد من روايات الإمامين الباقر والصادق(ع) وسائر أهل بيت العلم والعصمة (ع). وحسبنا الإشارة الى أن شواهده من (نهج البلاغة) وحده، فاقت المائتي شاهد.
وهذا – لعمري – جهدٌ جهيدٌ بذله فضيلةُ المُبجّل الوالد (قدس) ليحفظ للغة العربيّة هويتَها الدينيّة، أو بُعدَها الإلهيّ القرينَ لشواهد الكتاب المبين. وبذلك يكون قد عشّق أو زاوج بين قواعد النحو في أصالتها، وبين إرثٍ نبويّ- إمامي قيّمٍ في عراقته وتهدّل أغصانه.
وفي التقييم المنهجي والمعرفيّ لهذا الشرح، فإن فضيلة الأستاذ الوالد (قدس) لم يكتفِ بتقديم شروح وافية وضافية للقاعدة النحويّة، بل لازمَ بينها وبين دُرر الحكم، وجواهر الكلم.
ثالثا: الشواهد الشعريّة والنثريّة، مما يقع تحت عنوان كلام العرب، ولا يقلُّ هذا الجهد عناءً عن المسعيين السابقين، في تأمين حاجة القاعدة النحويّة الى شاهدٍ شعريّ أو أكثر، وكما قلنا هناك، نقولُ هنا في أن سماحة الوالد (قدس) أفسح في شرحه الألفيّة المجالَ لمتذوقي النصوص الشعريّة أن يجدوا في الشرح بعضَ ضالتهم من منتخبات الشعر والنثر والأدب، التي تخللتها عيناتٌ من شعر أبي طالب (رض)، وأقوال السيدة الزهراء (ع).
رابعًا: وإذا لم تُسعف الشارح الشواهدُ هنا وهناك، قدّم – عوضاً عن ذلك - شواهدَ ذاتيّة يستبينُ ويستعين القارئُ أو المتعلّمُ بها على التمثيل للقاعدة المذكورة.
بقي أن اشير الى أنه عزّ عليّ وأنا أعمل لإنجاز موسوعته وآثاره الكاملة أن يبقى شرحُ ألفيّة ابن مالك النحويّة ناقصاً، مما استدعاني أن أوظف طاقتي وجهدي واسخّر المتاحَ من وسعي و إمكاناتي لاستكمال هذا المشروع النحويّ الشرحيّ المستوفيّ، حتى أتينا عليه - بفضل الله وتوفيقه – كاملاً، وإن كنا نقرّ ونعترف - بين يدي القارئ الكريم - أنَّ باعَنا أقصرُ من باع سيدي الوالد (قدس) الذي لو أمهله الأجلُ لأنجزه بأفضل وأتمّ ما يكون الإنجاز وتوفية الحقّ، وإن جهدنا على أن نترسّم خطاه، ونطالَ بعضَ مداه، متوسمين برّه ورضاه!
وإذ نزفّ لأهل العربيّة كتابَ (اللُمع الفضليّة في شرح الألفيّة)، بالتزامن مع يوم اللغة العربية العالمي في 28كانون الأول 2025، نتذكّر ونُذكّر بما قاله شاعرُ النيل (حافظ إبراهيم) في تمجيده بلغة الضاد، وتأكيده على الحفاظ عليها سالمةً من الأوصابِ والعللِ والآفات، حيث يقول على لسانها:
وسعتُ كتابَ اللّهِ لفظاً وغايةً ... وما ضقتُ عن آيٍ بهِ وعظاتِ
فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ .... وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعاتِ
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ ... فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي
فيا ويحكم أُبلى وتُبلى مَحاسني .... ومنكمُ وانْ عزّ الدواءُ أُساتي
فلا تَكلوني للزمانِ فإنّني ... أخافُ عليكم أن تحينَ وفاتي!
الى أن يقول معزّزا، ومجدّدا الدعوةَ للعناية الفائقة بلغة القرآن والحضارة والزمان، وعلى لسان حالها أيضا:
أرى كلَّ يومٍ بالجرائدِ مَزلقاً .... من القبر يُدنيني بغيرِ أناةِ
أيهجرني قومي عفا اللهُ عنهمُ ... الى لغةٍ لم تتصل برواةِ
سرت لوثةُ الافرنج فيها كما سرى ... لعابُ الأفاعي في مسيل فراتِ
فجاءت كثوبٍ ضمَّ سبعينَ رقعةً ... مشكّلة الألوانِ مختلفاتِ!!
وعسى أن يكون هذا الشرحُ الوافي للألفيّة منهلاً لكلّ منتهل، وزاداً لكلّ متزوّد، وأن يكون إسهاماً جادّاً في رفد مَعين لغتنا الأم، ومُعيناً على الاّ تبلى محاسنُ أمّ اللغات وأرقاها وأعلاها شأنا.
ختاماً، نأمل من ذوي الاختصاص باللسانيات، والمعنيين بسلامة الشأن النحويّ، وغيارى لغة الضاد، أن يوافونا بملاحظاتهم النقدية والتقويميّة التي ربّما يُتاح لنا العملُ بها ان كانت هناك سانحة لإعادة طبع الشرح. واللهُ المستعان وهو المسدد، والمرتجى في المسعى والقبول. رافعاً ثوابَ هذا المجهود اللغويّ الى روح سماحة سيدي الوالد تغمده الله تعالى بفيض الرحمة، وأنْ أكونَ عنده مرضيّا!
[1] البيت: من نصوص ديوان سماحة سيدي الوالد (قدس).
جديد الموقع
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا