2019/11/11 | 0 | 1738
العلامة العلي .. عالم ترابي ... وسيد للشعائر
ارتحل إلى الرفيق الأعلى علماً من الريع الأول من علماء الأحساء وهو العلامة السيد محمد علي العلي قدس الله نفسه الطيبة ، وبالرغم من مكانته العلمية المرموقة ، وتتلمذه على يد ثلة من كبار العلماء في منطقته ، وإعلام الحوزة العلمية في النجف الأشرف كالسيد الخوئي ، والسيد الحكيم ، وتصديه لتأسيس الحوزة العلمية في الأحساء ، والإشراف عليها لعقود من الزمن ، بالإضافة إلى تمتعه بصفاته السلوكية والأخلاقية التي عُرف بها في مجتمعه ، لكني أقف في هذه العجالة عند صفتين يمكن أن تكون لنا عِبرة في عقيدتنا وحياتنا .
الصفة الأولى : توازت مكانته العلمية المرموقة في علم الأصول والفقه مع صفات العالم الترابي الذي زهد في الدنيا ، فلبس جلباب الزهد والتقوى ، والذائب في أوساط الناس ، والمعايش لهموهم ، والمتقصي لأحوالهم ، والمشارك لأفراحهم وأتراحهم بدون تكلف وتميز ، فكل من زاره يشعر بالراحة العجيبة ، والسعادة للمعاملة الطيبة ، والدفء الإيماني الصادق ، بحيث لم يُشعر أحداً أنه أفضل منهم .
ولعل البعض يعقب على تلك السمة فيقول : إن ملكة التواضع والزهد والتقوى ملكة تلازم رجال الدين عامة والعلماء بشكل خاص ، لكن المعايشة الحقيقية التي نراها على الواقع مختلفة تماماً عن كلام التنظير والتوصيف الذي يراد نسبته لبعض الفئات والأشخاص ، فرجل الدين و الأكاديمي و الوجيه يتشبث عادة بالبرتوكولات ، والمستوى الطبقي التي يتعامل معه ، وينخرط فيه إلا القلائل منهم .
من هنا كلما أرتقى الإنسان في سلم المعرفة والمكانة كلما تشبث في أغلب الأحيان بديباجتها وبرتوكولاتها الاجتماعية ، فلا يسمح لنفسه بمجالسة عامة الناس إلا في موارد معينة تقتضيها ظروف الزمان والمكان.
لكن العالم المتبصر كأمثال السيد العلي رحمه الله كان قادراً على تجسيد ما يحمله من علم ومعرفة في سلوكه وأخلاقه بحيث أكسبته ملكة التواضع والتنكر للذات ، لأنها ملكة ثابتة في القلب الواعي التي ليس من السهل تغييرها ، فلو كانت ملكة التواضع خصلة لكانت قابلة للتغيير والتحوّل من حال الى آخر ، تبعاً للظروف التي يعيشها الإنسان ، والمجتمعات التي سيحل في أوساطها .
لذلك كانت ملكة التواضع ملكة من ملكات الأنبياء والمرسلين التي رسمت علامات التعجب في أذهان بني إسرائيل حينما رأوا نبيهم يمشي في الأسواق : قَالُوا مَالِه هذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ .
لذلك أصبح السيد العلي رحمه الله بحيازته لملكة التواضع عالماً مميزاً ومحورياً في مجتمعه الأحسائي ، فرسم بتواضعه الجم صورة العالم الإنساني المتقي الذي يأنس الناس بوجوده ويلتفون حوله ، لذلك ليس مستغرباً أن تصبح ملكة تواضعه بوصلة ومعياراً لكل الفضائل التي يتأملها المجتمع في العالم الورع كي كون محلاً لثقتهم المطلقة ، فمثل بها مقولة الإمام جعفر الصادق (ع): ( هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة) .
أما الصفة الثانية : هي تلك الصفة التي جعلته يلقب ( بسيد الشعائر ) وهي سمة تدل على تلازمه في إقامة شعائر الإمام الحسين (ع) والذود عنها والاستمرار في إحيائها ، لذلك لا غرابة على من يقيم الشعائر الحسينية ، ويصر على استمراريتها أن يُنسب إلى فئة المتقين المتصفين بالقلوب النظيفة ، والنزاهة النموذجية ، لأن هناك تواثق بين التقوى وشعائر الإمام الحسين (ع) التي تنطلق من وإلى القلب ، لذلك تجد مثل هؤلاء العلماء من يربط سلوكه وأعماله اليومية بالأمام الحسين(ع) وإحياء شعائره .
فالعالم الرباني كالسيد العلي رحمه الله يدرك عن يقين بجدارة شعائر الإمام الحسين (ع) كي تكون خير الشعائر الإلهية التي يتشبث بها الموالون في حياتهم ، لما تتميز به من تجسيد للقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية ، وكل ما جاء به الأنبياء وما دعت اليه السماء.
فثبات السيد العلي رحمه الله على إقامة شعائر الإمام الحسين (ع) والدفاع عنها بين دور العالم في محورية الثبات والارتكاز على العقيدة المتلازم مع مفهوم الثقافة والسلوك الذي انعكس على شخصيته وأخلاقه ، فكانت مكوناً واضحاً لشخصيته الذائبة في حب الإمام الحسين (ع) وجسدها بواقعها الخارجي عبر ممارسة حقيقية لشعائره.
ومع إصرار السيد العلي رحمه الله على إقامة شعائر الامام الحسين(ع) بصورها المألوفة -حتى مع وجود بعض المتعالمين والمتفيهقين الذين يخالفونه في الرأي في بعض الشعائر الحسينية وطريقتها ، لكن لم يثبت أن تعرض لأحدهم بذم أو استنقاص ، وهذا انعكاس على صعيد الواقع لملكة التقوى ودورها في مواقفه ، وتأثيرها في تعاملاته .
فحمل السيد العلي رحمه الله رؤية ثاقبة في ممارسة وإقامة الشعائر والترويج للمآتم الحسينية بنفسه ، ودعا إلى ممارستها بصورتها المألوفة التي عايشها الناس منذ مئات السنين ، لأن من يروج لشعائر الإمام الحسين (ع) ويشارك فيها بشكل مباشر يكون أكثر تأثيراً ، وأعظم ثواباً من غيره .
فمثل إصرار السيد العلي رحمه الله على إقامة الشعائر الحسينية قمة الثبات على العقيدة ، والتديّن الصحيح ، والالتزام بالأحكام الشرعية ، فضلاً عن القيم الأخلاقية والإنسانية التي يتصف بها العالم الرباني المنتسب لمدرسة أهل البيت (ع) .
فلا غرابة أن يحظى عالماً كالسيد العلي رحمه الله بملازمة شعائر الإمام الحسين(ع) بالذكر الحسن ، والوجاهة الدنيوية والأخروية المرتبطة بالإمام الحسين (ع) بحيث سيستذكره الأجيال القادمة في ذكرى فاجعة عاشوراء .
حينها لا ضير أن نلقب السيد العلي رحمه الله الذي ترك ملذات الدنيا ، واشتغل بطلب العلم والعبادة والورع والتقوى ، وخدم مذهب أهل البيت (ع) ، وأقام شعائر الإمام الحسين (ع) ، وسعى في خدمة المؤمنين بلقب خادم الإمام المنتظر عجل الله فرجه : لذلك قال أمير المؤمنين (ع) : هلك خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة .
مع ذبلان زهرة السيد العلي وموتها تقل معها عدد الزهور الجميلة التي نحتج بها أمام أصوات تتهم العلماء بجمع الأموال ، والتباهي بالممتلكات ، والتكالب على الدنيا وزخارفها.
نتمنى أن نحظى بعلماء ربانيين كأمثال السيد العلي رحمه الله زاهدين بالدنيا قولاً وفعلاً ، لا تنظيراً وتعبيراً ، بحيث نرى فيهم طيف العالم الرباني المرتقي لسلم العلم والفقاهة ، والمتنكر للمقامات والبروتكولات ، والمتشبث بملكة التواضع والتقوى أولئك ممن قال الله عنهم: إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا.
جديد الموقع
- 2024-04-20 مركز بر حي الملك فهد يقيم احتفالا للمتطوعين بعيد الفطر ١٤٤٥
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .
- 2024-04-18 مختارات من الرسائل