2018/01/25 | 0 | 2446
الشيخ حسين العباد : المعاش والمعاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. (طه: 25 ـ 28 ).
في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) أنه قال لعلي بن أبي طالب (ع): «يا علي، لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعناً إلا في ثلاث: مَرَمَّةٌ لمعاش، أو تزوّدٌ لمعاد، أو لذةٌ في غير محرم» ( من لا يحضره الفقيه، الصدوق4: 356).
1 ـ ترميم المعاش :
إن رسول الله (ص) يرسم الخطوط العريضة للعاقل في هذه الدنيا، فالمطلب الأول يتحدث فيه عن إصلاح المعاش في هذه الدنيا، والثاني عن التزود للمعاد، والثالث عن نيل اللذة في غير محرم.
أيها الإخوة المؤمنون : إن هذا الحديث على قصرة وقلة كلماته وجمله، إلا أن له معاني كثيرة وعميقة.
ففي المطلب الأول يتحدث عن السعي في طلب المعاش، فالإنسان بلا شك يسعى للبقاء في هذه الحياة، ولا بد أن يوفر المعاش له ولأهله، وهذا من ديدن العقلاء كما يشير النبي (ص).
والمعاش يحتاج باستمرار إلى الترميم والتطوير والإنماء والزيادة، فلعل الإنسان يحصل على شيء من التركة والإرث عن والديه، أو على هدية ما، أو حصل على شيء من المال أجراً على عمل معين، فإن كان عاقلاً فلا بد أن ينمي هذا المال، وأن يطوره ليعود على نفسه ومجتمعه بالفائدة والنفع، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ومن يملك المال لا شك أنه أقوى ممن لا يملك. ومن الطبيعي أن هنالك حقوقاً لله وللمؤمنين وللمجتمع في أمواله قبل أن يكون ذلك لنفسه أو عياله. فمن ينمي ما لديه من مال فسوف ينعكس أثره على المجتمع بلا شك، من إيتاء الزكاة والحق الشرعي، والمشاركة في أعمال الخير، ومساعدة الضعفاء. فنحن نجد أن الحقوق الشرعية لا تترتب على من لا يملك، حتى في إطار زكاة الفطرة في آخر شهر رمضان المبارك، أما الضعيف الفقير فلا يجب عليه شيء من ذلك، وليس مأموراً بمساعدة غيره.
جاء رجل إلى الإمام الصادق (ع) فقال له: «والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها، فقال: تُحب أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصِل بها، وأتصدق بها، وأحجّ، وأعتمر. فقال (ع) : ليس هذا طلبَ الدنيا، هذا طلبُ الآخرة»
(الكافي، الكليني5: 72).
فهذا الرجل يحب أن يجمع المال وينميه ويستثمره، فيسأله الإمام (ع) عن الهدف من ذلك، فيجيب أنه يبذل المال على نفسه وعياله بالأكل واللبس ومختلف وجوه الإنفاق، فيقول له الإمام: هذا طلب الآخرة.
إننا نلاحظ أن بعض أفراد المجتمع مع ما يملك من المال إلا أنه لا يبذل لا على عياله ولا على نفسه، ولا ينفق إلا النزر اليسير، فيقع تحت عنوان البخيل. وهذا محروم في واقع الأمر، بل حتى في منطوق بعض الروايات، وسوف يتنعم بهذه الأموال غيره، فيما يُحرم منها صاحبها وهو الأولى بها. أما إن كان لم يؤدّ حقوق الله وحقوق المجتمع وحق نفسه فهي طامة كبرى، إذ يضاف إلى حرمانه منها أنه سوف يتعرض للحساب الشديد في الآخرة.
إننا نجد أن الإنسان في حياته إذا رأى أمواله تبذر وتنفق في غير محلها فإنه يتأذى ويتألم من ذلك كثيراً، فكيف بها إذا وقعت من بعده بأيدي ورثته؟ لا شك أنهم سوف يُطلق لهم العنان في التصرف فيها، فيتحسر في قبره ويتألم، وهذا أحد أنواع العذاب الذي يعذب به من جمع المال ولم ينفقه في حقه، فهو المحاسب عليه وغيره يتنعم به.
إننا نسير في خطى رسول الله (ص) وأهل البيت (ع) وهذا هو نهجهم في التعامل مع المال، وهو أنهم يحثون على جمع المال من الحلال أولاً، وإنفاقه في البر ثانياً، فالله تعالى لم يحرم على عباده جمع المال والتوسعة على العيال، بل هو المطلوب في الأصل.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «الكمال كل الكمال في ثلاثة. وذكر في الثلاثة التقدير في المعيشة»
(الكافي، الكليني5: 87). فمن الكمال التقدير في المعيشة، لا في الإسراف والتبذير ولا في البخل والتقتير.
قال تعالى: ﴿الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُوْنَ﴾
( البقرة: 274). فهؤلاء يبذلون في سبيل الخير سراً وجهراً، في الليل والنهار، لذلك يقع أجرهم على الله تعالى، وهو المالك الحقيقي لهذا المال، وليس صاحب المال، لأن صاحب المال لا يتعدى حدود التخويل في التصرف، لأنه بمجرد موته تنتهي ملكيته للمال، أو يصاب في عقله مثلاً، فهذه الملكية اعتبارية وليست حقيقية. ومن هنا كان الأجر على الله تعالى بصريح الآية الشريفة: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾.
2 ـ التزود للمعاد:
المعاد أصل من أصول الدين الإسلامي الحنيف، والنبي (ص) في هذا الحديث يصرح أن من صفات العاقل التزود للمعاد، فالعاقل عندما يريد أن يسافر لمكان ما، كزيارة النبي (ص) في المدينة المنورة، فإن أول عمل يقوم به هو تهيئة وسيلة النقل، ثم الأكل والشرب، لأنه سوف يقطع مسافة تفوق الألف كيلو متر، ولا بد أن يتزود ويتهيأ، وهذا من صفات العقلاء. ومن لا يفعل ذلك لا يُعدّ من العقلاء.
هذا في مسير قصير، فكيف الحال في المسير الحقيقي نحو الهدف الحقيقي، وهو الله تعالى واليوم الآخر؟ فالجميع يرجو الجنة، إلا أن العبرة بالزاد الذي نأخذه معنا لنيلها وبلوغها. فمن لا يلتزم الأوامر الإلهية، ولا ينتهي عن النواهي الإلهية بشكل عام، فهو الخاسر، والخسران الأكبر إنما يكون يوم القيامة.
ومن المؤسف أن الإنسان لا يدرك ذلك إلا عند الموت، أو عند القبر، أو عند حضور المحشر، مع أنه يعلم مسبقاً أنه سوف يموت حتماً. يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: 35). فلا مناص من المعاد الذي أجمعت عليه جميع الطوائف، بل جميع الأديان السماوية. فمن لم يتزود لمعاده فسوف يكون نصيبه الحسرة في الآخرة.
إن الدنيا تعني قنطرة العبور إلى الآخرة، وهي المحطة الأولى التي يعبرها الإنسان، فعندما يولد الإنسان تكون بداية المسير والرحلة إلى الآخرة، ثم يموت وينتقل إلى عالم البرزخ، ثم يكون المعاد بعد ذلك، ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة صدرت منه في هذه الدنيا.
3 ـ اللذة في غير الحرام :
والأمر الثالث الذي ذكره الحديث الشريف عن النبي (ص) هو اللذة في غير محرم، وهو ما يستحق السفر والتنقل من أجله، فاللذة في الحلال أمر مشروع للإنسان، لأن الله تعالى جعل للإنسان روحاً وبدناً، وكلاهما يحتاج الغذاء، فالروح غذاؤها الدعاء والذكر والعلم والمعرفة والتنزه عن كل معصية، والبدن يحتاج إلى الأكل والشرب لكي يبقى، وإلى الجنس، وغير ذلك. وبالنتيجة يحتاج الجسم إلى اللذة.
وتنقسم الملذات إلى قسمين: قسم منها محلل، أباحه الله عز وجل، والآخر محرم. فعندما يريد الإنسان مثلاً أن يستمر نسله ونوعه في هذه الدنيا، فهنالك لذة محللة وأخرى محرمة. فإن كانت اللذة محللة فلا بأس للعاقل ولا مانع له أن يتبعها ويسعى لتحصيلها. وكذا الحال في الأكل والشرب واللذائذ الأخرى، فرسول الله (ص) لا يمنع الإنسان العاقل أن يحصل على اللذة المحللة، إنما يمنعه من السعي وراء اللذة المحرمة.
فناء الدنيا وزوالها:
وبعد أن اتضحت لنا الأمور الثلاثة التي يسوغ للعاقل أن يسعى في تحصيلها، نجد أن رسول الله (ص) في الحديث المذكور يصور لنا الدنيا كأنها قافلة، وكأن المرء فيها ظاعن، والقافلة لها مبدأ ولها منتهى، فلا بد من المحافظة منذ البداية على المسار، فالإنسان منذ بداية التكليف يكون ملزماً بما ألزمه الله تعالى به، ومن ذلك ما ورد في حديث النبي (ص) من الأمور الثلاثة.
ولادة السيدة زينب (ع) :
والنقطة الأخرى التي أحببت الإشارة إليها أننا نعيش هذه الأيام وفي الخامس من جمادى الأولى تحديداً، ذكرى ولادة عقيلة الطالبيين، السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (ع) التي ولدت في المدينة المنورة، ونشأت فيها، وتزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
ولعظمة هذه المرأة أنها عندما ولدت جاءت بها أمها الزهراء (ع) إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) ليسميها، فقال (ع): ما كنت لأسبق رسول الله (ص) باسمها، وانتظر حتى عاد النبي (ص) من خارج المدينة، وطلب منه أن يسميها، فقال رسول الله (ص): ما كنت لأسبق ربي باسمها، وإذا بجبريل ينزل من السماء، ويقرئه السلام من السلام، ويقول له: سمها زينب. فكانت تسميتها من الله تعالى تعظيماً لشأنها.
ثم أخبره الوحي المقدس بما يجري عليها من المصائب والمحن، فبكى رسول الله (ص) وهي بين يديه. وعُرفت بأم المصائب، فقد عاشت المحن المتتالية منذ فقد رسول الله (ص) وفقد أمها الزهراء (ع) ثم أبيها علي (ع) وأخيها الإمام الحسن (ع) وما فقد الإمام الحسين (ع) وإخوتها في مصيبة كربلاء عنكم ببعيد، وما صاحب ذلك من حضورها في واقعة الطف، ومشاهدتها كل ما جرى، ثم أكملت المشوار من بعده وشاهدت بأم عينيها ما جرى من مآسٍ، حتى قال بعض العلماء: إن ما شاهدته السيدة زينب (ع) من المآسي بعد قتل الحسين (ع) كان يفوق جميع المآسي والمحن التي مرت بها قبل ذلك على الإطلاق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-15 "تقنية الأحساء " تطلق مبادرة طريق ضيوف الرحمن في نسختها الثانية
- 2024-05-15 شركة جواثا للترفيه تبرم اتفاقية تعاون مع الجمعية التعاونية السياحية بالاحساء
- 2024-05-15 سمو محافظ الأحساء يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية
- 2024-05-14 جمعية دار الرحمة تزور وكيل الأمين للخدمات بأمانة الأحساء
- 2024-05-14 حسن الصوت ليس من مستلزمات الغناء الغربي
- 2024-05-14 التجربة الشعرية في أطباق أحمد الرمضان الشهية
- 2024-05-14 اكتشاف وحدة تحكم رئيسة للجهاز المناعي مما قد يفتح الباب على مصراعيه لاكتشافات واعدة لإدارة وعلاج الكثير من الاضطرابات والأمراض المناعية
- 2024-05-14 أمير الشرقية يدشن عدة مباني لجمعية التنمية الأهلية بالمنطقة
- 2024-05-14 أمير الشرقية يطلع على التقرير السنوي لشركة مطارات الدمام
- 2024-05-14 المهندس علي سلمان الخليفة يلتحق بكفاءات ابناء المطيرفي تهانينا