مسجد الامام علي بالمطيرفي ومسجد العباس بالمطيرفي ومسجد الشيخ الاوحد بالمطيرفي
2018/01/07 | 0 | 2255
الشيخ حسين العباد : العلم والعبادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ ( آل عمران: 110).
قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع): «يا علي، ركعتان يصليها العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد» (الوافي، الفيض الكاشاني 26: 178).
حديثنا اليوم عن العبادة، والفرق بين العالم العابد، والعابد غير العالم، فهنالك فرق واضح جليّ سوف يتبين إن شاء الله تعالى من خلال الحديث.
فالعبادة هي أسمى ما جعله الله تعالى وسيلةً للقرب منه والارتقاء المعنوي، ولكنها العبادة التي يكون منطلقها العلم والمعرفة، أما العبادة المجردة التي لا تنطوي على شيء من العلم والمعرفة فلا تندرج تحت هذا العنوان الذي ذكرناه.
فإذا ما قُرنت العبادة بالعلم، والمعرفة بالمعبود، فإنها تُعد من أرقى أنواع العبادات. ولهذا بيّن رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب في الحديث السابق، المختصر في ألفاظه، العميق في معانيه، تلك الخصوصية المهمة، وهي أن ركعتين يصليهما العالم أفضل مما يقوم به العابد الذي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. وفي هذا تنبيه لنا بأن تكون الصلاة والعبادة عن علم ومعرفة.
ولا بد هنا أن نبين من هو العالم، فهل يشترط في العالم أن يكون رمزاً بارزاً من رموز الأمة في العلم والمعرفة، كما هو الحال في مراجعنا العظام حفظهم الله تعالى مثلاً؟ الجواب: كلا، إنما يكفي في ذلك حدّ المعرفة بما أراده الله تعالى من العبد، وما يجب على العبد معرفته عن خالقه في الحد الأدنى. ففي الصلاة مثلاً، ينبغي أن يكون عارفاً بأجزائها وشرائطها ومقدماتها، من الوضوء وغيره، فهذا يصح أن يطلق عليه لفظ العالم، ويندرج تحت هذا العنوان.
فالعلم والمعرفة لهما الأثر الكبير في العبادة، وأن الكثير من العبادات يرفع من شأنها العلم، والعكس بالعكس. فقد ورد في الحديث الشريف: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الظمأ والجوع، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء. حبذا صوم الأكياس وإفطارهم» (وسائل الشيعة، الحر العاملي1: 72).
فهذا الصائم وإن كان يؤجر على عمله، إلا أنه لا يرتقي إلى تلك الدرجات التي أرادها الله جل وعلا. وكذا الحال في الصلاة، فالعبد يصلي، ويسقط عنه تكليف الصلاة، ولا يُطالب ولا يُحاسب، لكن صلاته تلك لا ترتقي إلى ذلك المستوى من الكمال الذي تُصلى فيه الصلاة عن علم ومعرفة.
وعن رسول الله (ص) قال: «رب تالي القرآن، والقرآن يلعنه» (جامع الأخبار، الشعيري: 48). فالقرآن يلعن الظالمين مثلاً، وقد يكون القارئ ظالماً بدرجة ما من الظلم. والقرآن يشير إلى حرمة الغناء مثلاً، وربما كان هذا القارئ من المستمعين للغناء، فيندرج تحت عنوان المذنبين الملعونين. والقرآن يحذر من الربا وينهى عنه، إلا أن هذا القارئ قد يتعامل بالربا. فمن يقرأ القرآن لا بد أن يكون مهتدياً به، ومتّعظاً بما اشتمل عليه من المواعظ، وإلا فإن قراءته القرآن ستعود عليه بالسلب، وقد يلعنه القرآن.
ومن الشواهد على ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (ع): «من أتى الحسين (ع) عارفاً بحقه كان كمن حجّ مئة حجة مع رسول الله (ص)» (جامع الأخبار، الشعيري: 26). وهي رواية صحيحة، فهنالك الكثير ممن يزورون الحسين (ع) غير عارفين بحقه، وهذه الزيارة لا تقاس بمن زاره عارفاً بحقه. وأقل المعرفة أن تعرف أنه إمام مفترض الطاعة، كما ورد عن الأئمة (ع) بمعنى أن التزام أمره ونهيه واجب لا يمكن مخالفته وعصيانه، والسير على منهجه، وإلا فلا يمكن تحصيل ذلك الثواب وهو مئة حجة مع رسول الله (ص). بل في بعض الروايات ألف ألف حجة.
وفي رواية أخرى أن النبي (ص) قال لابن عباس في فضل زيارة الحسين (ع): «يا ابن عباس، من زاره عارفاً بحقه كُتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة» (كفاية الأثر، في النص على الأئمة الاثني عشر، الخراز القمي: 17).
فزيارة الحسين (ع) عبادة من أرقى العبادات، لكنها مشروطة بالمعرفة، وكذلك الصلاة والصيام وقراءة القرآن وغيرها من العبادات. فهذه العبادات لا ترتقي إلى ذلك المستوى من الكمال ما لم تكن مقرونة بالمعرفة. وبناء على ذلك فهناك من تراه متعبداً إلا أنه لا يرتقي في مستوى العبادات درجة واحدة، وهناك من يرتقي درجات ودرجات، كل ذلك بسبب العلم والمعرفة، كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين (ع) بقوله: «لو كشف لي الغطاء ما ازددتُ يقيناً» (عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 41 ). وهذه أعلى الرتب التي وصلها أمير المؤمنين (ع).
فعلى المرء أن يسعى ويبذل الجهد في مستوى العلم والمعرفة لكي يرتقي في العبادة إلى مستوى الكمال. فعلي بن أبي طالب (ع) وصل إلى مقام من اليقين بحيث لو كُشف له الغطاء لما زاد على يقينه شيئاً من اليقين.
وعن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «سكّنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون، حتى ينفعكم ما تحركون من الجوارح بعبادة من تعرفون» (تحف العقول، ابن شعبة الحراني: 223). فلا بد للمرء أن يُسكّن في نفسه معرفة ومعنى العبادة التي يريد أن يقدم عليها، من قراءة القرآن وصلاة الليل وأمثال ذلك، لكي تكون الحركات العبادية نافعة مفيدة وعلى أتم الوجوه.
ويقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في علم ليس فيه تفكُّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» (تحف العقول، ابن شعبة الحراني: 204). فالعبادة بلا تفقه لا تكفي.
ومما يذكر في هذا الباب أن هنالك عابداً من عبّاد بني إسرائيل، بلغ مرتبة في العبادة بحيث إنه كان يقرأ على المجنون فيشفى، إلا أنه لم يكن متفقهاً، غاية الأمر أنه كان يتعبد بإخلاص. فجيء له ذات يوم بفتاة ، فوسوس له الشيطان فوقع عليها، فحملت منه، وبان حملها، فأراد التخلص منها، فوسوس له الشيطان مرة أخرى، فقتلها ثم دفنها، فجاء الشيطان إلى إخوتها وقال لهم : إن فلاناً العابد هو الذي قتل أختكم، فلم يصدقوا، فأخذهم إلى المحل الذي دفنها فيه، فرأوها مقتولة، فرفعوا أمرهم إلى الحاكم، فصدر بحقه الحكم، أن يُصلب.
فلما أحضروه للصلب جاءه الشيطان مرة ثالثة، فقال له : أنا الذي أوقعتك في هذه المشكلة، وأنا أنقذك منها. قال: كيف؟ قال: اسجد لي سجدة واحدة. فقال: أنا الآن مصلوب ولا أستطيع. قال إبليس : اسجد بالإيماء، فسجد له إيماءً، فنكث إبليس بوعده، ولم ينقذه مما هو فيه.
إن هذا العابد مع ما كان عليه من المستوى العالي من العبادة، إلا أنه لم يستطع الاستمرار بذلك، بل نكص على عقبيه وتراجع، ثم قُتل وهو كافر، والعياذ بالله؛ لأنه لم يكن متفقهاً. وهذا حال العبادة التي لا تفقه فيها.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَريءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِيْنَ﴾ (الحشر: 16) .
خلاصة الأمر: أن العابد العالم، يستطيع بما لديه من علم أن يتخلص من كل الشبهات والإشكاليات التي ترد عليه، خلاف العابد غير المتعلم، فإنه كثيراً ما يقع في شرك الشيطان.
وعن رسول الله (ص) قال: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها طالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورَّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر» (الكافي، الكليني1: 34). وطالب العلم ليس ذلك الذي يتوجه لمراكز العلم البعيدة عن موطنه ويتغرب فحسب، إنما هو معنىً شامل لكل من ينخرط في طريق العلم، ولو بتحصيل مسألة شرعية واحدة ليتفقه فيها. فهذا يقع مصداقاً من مصاديق الحديث الشريف المذكور.
وقال رسول الله (ص): «يا علي، نوم العالم أفضل من عبادة العابد، يا علي ركعتين يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد» (من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 367). فأهل البيت (ع) رسموا لنا الطريق بذلك لكي نصل، فمن يريد أن يسافر فلا شك أنه يبحث عن أقصر الطرق وأسرعها. فنوم العالم طريق مختصر وسريع بالقياس مع ألف ركعة يصليها العابد. فالعالم ينام، لكن ما يطرحه للناس من أفكار من أجل هدايتهم تبقى سارية وفاعلة في المجتمع، وينتفع بها الآلاف من الناس.
ومن جهة أخرى أن نوم العالم له أثر كبير في الحفاظ على صحته الجسدية، لكي يتقوى على البحث وطلب العلم وخدمة الأمة والمجتمع. وفي الحديث: «إن لجسدك عليك حقاً» (مجموعة ورام، ورام بن أبي فراس1: 2). ففي وقت النوم لا بد للإنسان أن ينام، وهذا حق الجسد. فإذا نام العالم اكتسب جسده وذهنه الراحة اللازمة لمواصلة البحث والخدمة العلمية. وهو بذلك يكون أفضل من ذلك العابد الذي لا يخدم سوى نفسه في عبادته.
ومن جهة ثالثة يتفوق العالم في نومه على العابد من جهة الثواب، فرب مسألة يلقيها العالم فينتفع بها المجتمع لينقذ نفسه من ظلمات الجهل، فيترتب عليها الثواب العظيم له، وهذا أفضل من حيث الثواب من العابد الذي يخدم نفسه فقط.
ومن جهة رابعة ربما تكون الأفضلية ناظرة إلى الاتقان في العمل، فربما يكون العابد الذي يصلي ألف ركعة غير متقنٍ لهذا العمل، فالعالم الذي ينام على وضوء مثلاً، يكون قد حصل على فضل العبادة الكبير الذي قد لا يجده العابد الذي لا يتقن العبادة التي هو عليها.
ولذلك ورد عن أهل البيت (ع) في أفضل الليالي، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أن أفضل الأعمال فيها هو التعلم والتفقه. مع كثرة الأحاديث الواردة في أعمال تلك الليلة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة التفقه والعلم والمعرفة.
وعن الإمام الكاظم (ع) قال: «فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه، لينقذهم من يد إبليس ومردته، فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد، وألف ألف عابدة» (الاحتجاج، الطبرسي1: 17). فمن يصوم أو يصلي أو يقرأ القرآن بتفقّه، له الفضل الكبير على العابد بلا تفقه ولا علم.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله قال للعابد: انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: فاشفع للناس بحسن تأديبك لهم» (بصائر الدرجات، محمد بن حسن الصفار1: 7). فكلاهما إلى خير، إلا أن من يقف هذا الموقف من الشفاعة للناس، يكون في موقف عظمة بلا أدنى شك.
نسأله تعالى أن يجعلنا ممن يتفقه في الدين، وفي كل عمل عبادي لكي نرتقي ونحظى بذلك السمو الذي أشارت إليه روايات أهل البيت (ع).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-14 جمعية دار الرحمة تزور وكيل الأمين للخدمات بأمانة الأحساء
- 2024-05-14 حسن الصوت ليس من مستلزمات الغناء الغربي
- 2024-05-14 التجربة الشعرية في أطباق أحمد الرمضان الشهية
- 2024-05-14 اكتشاف وحدة تحكم رئيسة للجهاز المناعي مما قد يفتح الباب على مصراعيه لاكتشافات واعدة لإدارة وعلاج الكثير من الاضطرابات والأمراض المناعية
- 2024-05-14 أمير الشرقية يدشن عدة مباني لجمعية التنمية الأهلية بالمنطقة
- 2024-05-14 أمير الشرقية يطلع على التقرير السنوي لشركة مطارات الدمام
- 2024-05-14 المهندس علي سلمان الخليفة يلتحق بكفاءات ابناء المطيرفي تهانينا
- 2024-05-14 أبناء عائلة السلطان يشكرون المعزين في وفاة والدهم
- 2024-05-14 عمادة تطوير التعليم الجامعي بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تكرم 40 عضو هيئة تدريس بشهادة الزمالة المهنية
- 2024-05-14 ياسر جمال رئيسًا للجمعية الدولية خبرة 4 عقود عن اكتشاف وتحديد وتصحيح الجنس حاضرة في مؤتمر عالمي