2020/11/10 | 0 | 2128
التجاذبات الاجتماعية واحتواء المرجعية الرشيدة
لا شك ولا ريب أن لكل مجتمع وجهة ثقة وصمام أمان يستطيع الفرد استئمان مصيره ومواقفة طبقاً لمرجعية فكرية أو عقائدية أو كلاهما وهذه المرجعية أساسها تراكم تاريخي أفرز تجارب متعددة نجحت عبر تجاوزها المحن من تأصيل ثقة المجتمع بها ، كما أن هذا الأمر لا يخص عوام المجتمع فقط وانما يندرج تحت هذا العنوان النخب وأهل الفنون في كل صرح معرفي.
ومن الطبيعي وجود مجموعة تحيط بمثل هذه المرجعيات مهمتها الاساس شرح المواقف المستعصية بمزيد من التحليل المتوافق مع المزاج العام وبالتالي تقوم بدور أساس كذلك في التبليغ الايجابي وهذا هو ما نشأت عليه جميع الدعوات الالهية والتي جسدها الانبياء والرسل وسار عليها الاولياء والعلماء .
ولكن يشوب هذه الديناميكية شذوذ يتفاوت بين المستتر والتخفي وبين الوضوح الجلي كما أن مهمة التبليغ عن المرجعيات تصاب بانتكاسة نتيجة مواقف متتالية أو شطح لسقف أعلى وقد تكون نتيجة ردود فعل مغتضبة تعززها حملات مسعورة هدفها النيل من أي موقف ذو صبغة اختلاف .
هذه الحالة صحية اذا جانبت الشذوذ السلوكي وحافظت على الاتزان في الاختلاف المعرفي أما وأن تستسلم للنزعات الفطرية والمواقف الانفعالية فهي تسير بالمشهد نحو التعقيد وقد تقلب الطاولة حتى تتبعثر الاوراق ويكون الصوت المرتفع صاحب الكلمة الفصل كما أن الحكمة قد تداس بالأقدام بلا اعتبار للقيم أو أي مكتسبات .
يحدثنا التاريخ عن نماذج متعددة من الانقسام بين اتباع الانبياء وكذا الامر بين أتباع الائمة عليهم جميعاً الصلاة والسلام فليس بالعجب انقلاب الاتباع على المنهج الإلهي وبإقرار القرآن الكريم لذا فليس بالعجب كذلك أن ينقلب أتباع العلماء على منهج اساتذتهم السلوكي والمعرفي ولتكن هذه قاعدة لنبني عليها ما يلي من مقال .
ان نظرية المنفعة كما يحددها الفلاسفة "وهي درجة الإرضاء أو الإشباع التي تكتسب من اقتناء سلعة أو الاستفادة من خدمة للمستهلك، وهذه المنفعة هي هدف المستهلك" إذن فالمنفعة من العلماء تقضي بخدمات التوجيه المعنوي والديني والسلوكي لتحقيق هدف خلافة الله للإنسان وفق قانون اتباع النبي (ص) في التشريع وبما يحقق المقاصد مجملة وأهم هذه المقاصد تعزيز السلوك والمعاملة وتحقيق غايات الدين الاصيلة كحد أدنى .
ما لاحظناه خلال أزمة الاساءة للنبي (ص) من الغرب بالرسومات المهينة وتعمد واصرار بعض الساسة على تبنيها كرد على بعض المتطرفين ممن يدعون تمثيل الاسلام ،وما شدني أن غالبية التعديات بما تشمله من خسائر بالأرواح واقتتال عنيف وخارج المنظومة الانسانية أنه باسم الدين وهذا الامر ليس حصراً بالإسلام وانما غالبية الحروب الاوربية هي نتاج اختلاف المسيحية بشطريها البروتستانت والكاثلوكية، وادعاء الرئيس الفرنسي ماكرون أن العلمانية لم تدعوا قط للاقتتال كما يدعمها الاسلاميون في العصر الحالي ، هذه الكلمة وإن بنيت على مفهوم شاذ للإسلام الا أنها لا تخلو من جذور حقيقية أصلتها الاحداث في زرع مبادئ العدوانية المتوحشة لبعض المنسوبين على الدين .
أما ما يتعلق بالبناء الداخلي للبيت الشيعي فقد جهد علماء الطائفة في تأصيل مبادئ أكثر موائمة للامة في شياع التسامح والاخوة ورغبة الوحدة الاسلامية وهذه الدعوات ليست وليدة أحداث وانما منهج أصيل أسسه أئمة آل البيت عليهم السلام وتبعهم أصحابهم والعلماء عبر تاريخ حافل بالمشاهد المشرفة في هذا المجال حتى وصلت الينا بأروع نموذج وأجلى مصداق بالكلمة الشهيرة لمرجع الطائفة في لقاءه بعلماء اهل السنة " أنتم أنفسنا " هذه العبارة التي اختزلت الموقف وأسست لمرحلة تخرس معها دعوات الترهيب من شطر الاسلام الآخر وتدعو للأخوة الحقيقة في المشتركات الواسعة وحصر الاختلاف مع تكريس الاحترام .
هذه الكلمة التاريخية ينبغي ان تخط بماء الذهب لأنها أظهرت للعيان أصالة مدرسة آل البيت في احتواء الآخر وأسهمت في تأسيس قانون ردع الفتن وتحجيمها بما يخدم مقاصد الدين .
وكما أسسنا بداية الحديث أن للعلماء أصحاب قادرون على ترجمة التوجيهات بإيجابية كذلك يوجد من تضيق عليهم السبل فيجدون ثغرات تحايل يستطيعون تمرير قناعاتهم عبر تغليفها بكلمات المرجعية أملا في تصفية خصومهم وباسم المرجعية وهذه هي الطامة التي لم نستطع حتى الآن معالجتها .
فتأصيل العقائديون كما يحلو لهم هذا المصطلح لمناهج متعددة للنظر بالآخر سواء من داخل مدرسة آل البيت أو من خارجها وبما يتعارض وصريح توجيهات المرجعية وعلى أسس رنانة كفيل بهدم جهود سلسلة من العلماء عبر القرون في الاحتواء الايجابي بل ويؤسسون لانقسام داخلي لمدرسة آل البيت عبر الاستفزاز المضطرب والمبني على ما توصل اليه البعض من نتاج بحث استدلالي علمي وضمن القواعد المعرفية ومهاجمته بعنف لإختلافاته وقناعاتهم أو مفاهيمهم ، كل ذلك مؤشر لتوهين المرجعية في الوسط العام والله أعلم ان كان ذلك بقصد أو بدونه ولكن اليقين أن نتاجه لا تخلو من ضرب المرجعية بسوط من ذهب .
الأكيد أنه يخفى على هذه الفئة أن اصول التوزيع العادل للقناعات قد تغيرت بفعل التقنية والتكنلوجيا كمصدر للمعرفة ، ويجب عليهم اعادة النظر بالاعتبارات المستجدة فمرحلة تقديس كل عمامة قد ولت بلا رجعة ونحن على أعتاب تقييم المعلومة وفق ضوابط القناعة العقلية ، وهذه تحتاج لأفق واسع في التصدي ، لذا من اللازم الاهتمام بسعة الافق وتوليتها الشطر الأكبر من العناية حتى تتحقق المصداقية .
جديد الموقع
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .
- 2024-04-18 مختارات من الرسائل
- 2024-04-18 الأمير سعود بن طلال يرعى توقيع عقد إنشاء بوابة الأحساء
- 2024-04-17 أحدث إصدارات الشيخ اليوسف: «الإمام العسكري: الشخصية الجذابة»
- 2024-04-17 تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ 44 تنطلق في شهر صفر القادم 1446هـ بمكة المكرمة
- 2024-04-17 الطبيب أشرف العيسوي يرزق بمولود هاشم