2021/04/01 | 0 | 2113
البرستيج
إن كلمة (البرستيج) هي كلمة أجنبية وتعني: (هيئة أو شكل أو وضع)، وأصبحت هذه اللفظة متداولة في اللهجة المحلية والعامية وتعني: (الوضع أو الإطار الاجتماعي الذي وضع مستخدمها نفسه فيه، وما يتعلق بذلك الوضع من أمور تناسب المكانة أو الوضع الاجتماعي الذي حدده الشخص لنفسه أمام الآخرين.
فتجد أن بعض الأشخاص خصوصاً أولئك الذين يضعون اعتباراً كبيراً جداً لـــ(البرستيج) لا يستخدمون بعض الكلمات المعينة لأن (برستيجهم) لا يسمح لهم بذلك، وتجدهم لا يذهبون إلى بعض الأمكنة المحددة لأن (برستيجهم) لا يسمح لهم بذلك، وتجدهم لا يطلبون شيئاً أو يسألون أحداً شيئاً لأن (برستيجهم) لا يسمح لهم بذلك، فتجدهم لا يقومون بالكثير من الأمور ليس لأنها محرمة أو مكروهة أو لأنهم لا يستطيعون القيام بها ولكنهم لايقومون بها لأن (برستيجهم) لا يسمح لهم بذلك، فهم يراقبون (البرستيج) ويهتمون به كثيراً أكثر من مراقبتهم لله عز وجل وخوفهم منه.
إن صورتنا الخارجية لدى الناس مهمة جداً ، فيجب أن تكون بمستوىً عالٍ جداً من المثالية ، ويجب أن تكون صورتنا كما نحب أن يراها الآخرون (البرستيج)، وكما يفرضه المجتمع والوضع الاجتماعي ، ولا يمكن أن نسمح لأي أحدٍ كائناً من كان أن يخدش هذه الصورة النمطية التي نحب أن نظهر بها أمام الناس (البرستيج)، حتى لو كانت طبيعتنا وحقيقتنا تختلف اختلافاً كلياً وجوهرياً عن ظاهرنا الذي نتمظهر به وعن (البرستيج) الذي نتزين به ويرانا الناس به.
فيجب أن نظهر بالصورة والمظهر الذي نحب أن يرانا به الآخرون، ويعني ذلك أن نتصنع الأخلاق تصنعاً بدلاً من أن تكون أصيلةً في نفوسنا وهذا ما يسمى بــ(الأخلاق التجارية)، أي: تلك الأخلاق التي فرضتها المصلحة والمنفعة المتبادلة مع الآخرين في السوق، فهي أخلاق دخيلة على أصحابها فرضها واقع التعاملات التجارية والمنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة بينهم وليست أخلاقاً أصيلةً في نفوسهم وفي طبائعهم.
ولكن في الحقيقة يجب أن تكون أخلاقنا أصيلةً في نفوسنا كما يريدها الله عز وجل منا وتكون أخلاقنا مبنية على أساسٍ متين من التقوى والورع والإيمان بالله عز وجل وباليوم الآخر.
ولتوضيح الفكرة والمطلب في الموضوع فإنك تجد أنَّ بعض الأشخاص أخلاقهم سيئة جداً داخل منازلهم ومع أهلهم وذويهم بينما تجدهم قمة في الأخلاق والنبل خارج منازلهم ومع الآخرين، وتجد بعضهم عبوساً قمطريراً داخل منزله ومع أهله وأقاربه بينما تجده بشوشاً ومبتسماً خارج منزله ومع الآخرين، وربما تجده بخيلاً شحيحاً حريصاً داخل منزله ومع أهله وأقاربه بينما تجده كريماً سخياً معطاءً مع الآخرين، وهكذا تتكرر الصورة النمطية (البرستيج) وتتباين وتختلف في الكثير من أخلاقيات بعض الناس بين الداخل والخارج وبين حقيقته وجوهره وظاهره الذي تراه.
إن من يجعل صورته النمطية (برستيجاً) اجتماعياً ورداءً كالثوب يرتديه مع من يشاء وينزعه مع من يشاء، ويرتديه إذا خرج من منزله وينزعه عندما يدخل إلى منزله، هو من أسوأ الناس إذ جعل رضا الناس غايته ومراده وهدفه فغفل وغاب عن ذهنه ونفسه وضميره ووجدانه حب الله عز وجل ورضاه واليوم الآخر، فلو كنا نسعى لرضا الله عز وجل لما اهتممنا بـ(البرستيج)، ولما التفتنا إليه، ولعلمنا بأن (الأقربون أولى بالمعروف)، ولعلمنا بأن (الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)، ولعلمنا بأن (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، فالإنسان المسلم الواعي إذا تخلق بأخلاق فيجب أن تكون تلك الأخلاق أخلاقاً إسلامية أصيلةً في نفسه لا دخيلةً عليها، ويجب أن تكون تلك الأخلاق مبنيةً على سمو الغاية والأهداف وهي تقوى الله عز وجل، ونيل رضاه، والفوز بالدار الآخرة، والنجاة من سخطه وعقابه.
فإذا تخلق أي شخصٍ منا بالأخلاق الفاضلة والحميدة فيجب أن تكون تلك الأخلاق طبعاً أصيلاً من طبائعه، ورفيقاً مصاحباً له في كل الأمكنة والأزمنة داخل بيته وخارجه، بل وفي كل مكان، مع أهله وأقاربه وأصدقائه وجيرانه ومع غيرهم، فلا تكون تلك الأخلاق كالرداء الذي يلبسه وينزعه متى شاء، وأينما شاء، ومع من شاء، وكيفما شاء، فمن يطلب رضا الله عز وجل ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وآله وقربه، فعليه أن يلتزم بمكارم الأخلاق كمنهج أصيل في حياته؛ ليحظى بتلك المنزلة الرفيعة والجليلة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا)، ومن كان هدفه وغايته رضا الله عز وجل والفوز والنجاة في الدار الآخرة فلا يهمه رضا غير الله عز وجل أو سخطهم، ولا يؤثر فيه تقييم الآخرين له ونظرتهم إليه، فإن الله عز وجل إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض، ومن أحبه الله رفعه، ومن رفعه الله لا يمكن لأحد أن يضعه، وأما من يريد أن يمشي بــ(البرستيج) وعلى كيف الناس فمثله كمثل المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن، وعليه فإني أقول لأمثال هؤلاء الأشخاص الذين يفسدون في المجتمع ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، عندما توضع في حفرتك (قبرك) وحيداً فريداً خل (البرستيج) والتصنع في هذه الحياة الدنيا ينفعك، وعندما تقف بين يدي جبار السماوات والأرض خل (البرستيج) ينفعك، وخل نظرة الناس لك تنفعك.
( َفإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله قُضِيَ بالحق وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون)
جديد الموقع
- 2024-05-17 (نادي ابن عساكر) يستضيف الباحث (المطلق) في فعالية (الآراء التاريخية الشاذة)
- 2024-05-17 أفراح الجزيري تهانينا
- 2024-05-17 الكتاب الذي ينسيك أنك تقرأ
- 2024-05-17 انقطاع العلاقات بعد التقاعد.
- 2024-05-16 خطط مرحلية لإنجاز مشاريع ( سفلتة مخططات المنح ) بالأحساء
- 2024-05-16 سمو محافظ الأحساء يستقبل وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان للتخصيص والاستدامة المالية
- 2024-05-16 " لوحات تفاعلية " في المواقع الحرجة مرورياً بالاحساء
- 2024-05-16 مكافحة متلازمة المحتال والهدف هو مساعدة الطلاب الذين لا يثقون بأنفسهم محاضر في علم النفس يركز على مكافحة العقلية السلبية
- 2024-05-16 24 مشروعا رياديا في ختام برنامج منشآت بالأحساء
- 2024-05-16 الخطوط الفنية والعملية مع كتاب عقلية فقيه (مع الشيخ حبيب بن قرين الأحسائي ) للمؤلف / الشيخ عبد الجليل البن سعد)