2020/05/28 | 0 | 2738
الاديب الاستاذ محمد الحرز في حوارات وجيهة الحويدر
1. حسب علم السيكولوجيا ان الطفولة هي اهم مرحلة في حياتنا، حيث منها تتشكل معالمنا الشخصية وتترسخ التجارب في عقلنا الباطن ولا تغادرنا ابدا . انت وعيت على الدنيا في البحرين .. كيف كانت السنين الاولى للطفل محمد الحرز في تلك الجزيرة الجميلة؟
ج1 - الطفولة بالنسبة للشاعر منجم ذهب للكتابة , محاولة الوصول إليه من خلال الحفر في أنفاق اللغة هي مهمة شاقة , وتتطلب الكثير من الخبرة والتأمل والصفاء الذهني والروحي. لكن مجرد المحاولة هي في حد ذاتها مغامرة , تلح كثي ار على أغلب الشع ارء , مهما أخفقت هذه المحاولة أو اكتسبت قد ار من النجاح . الالتفات إلى الوارء يعني فيما يعنيه هو تثبيت اللحظة وتوسيع مداركها , تثبيت الماضي الشخصي للشاعر وإعمال اللغة في تفاصيله الصغيرة , بل إعطاء هذه التفاصيل معنى مغاير في الاتجاه والدلالة مثلما كان مترسخا في الذاكرة ومثلما تفرضه المسافة الزمنية بين لحظة التثبيت والتأمل وبين واقع الطفولة التي مضت عليها أكثر من خمسين سنة .
أعتقد بهذا المعنى وجدت طفولتي التي عشت سنواتها الأولى في مدينة المحرق في منزل جدي لوالدتي. فأهم ما يميزها وأتذكره دوما ولا يغيب عن ذاكرتي بوصفه أث ار ظل يحفر لنفسه في تركيبتي الروحية والنفسية ولا فكاك , هو البحر. لقد كان عمرى لم يتجاوز السابعة من العمر حين كان أبي يأخذني معه من البحرين للأحساء حيث يعمل , ومن الأحساء للبحرين في رحلة بحرية في م اركب ) لنج( تكررت كثي ار طوال العقد الأول من عمري , قبل أن استقر نهائيا في الأحساء . هذا هو الأهم والباقي مجرد تفاصيل لأن ما اكتشفته لاحقا هو احساسي أن للأشياء عمقا ينبغي البحث عنه كما هو عمق البحر الذي أتذكر كيف تذهب نظرتي الطفولية في مداه الشاسع ولا تعود إل ي ثانية. كنت دائما أتساءل أين تذهب هذه النظ ارت؟ وإلى إي جهة أو عمق يمكن أن ألتقيها. وهكذا تشكل عندي هاجس العمق والغياب في ذات الوقت وهذا واضح في أغلب نصوصي.
٢. قصيدتك "انا الوحيد يا أبي" قلت انها "كانت أشبه بالحصان النافر، والومضة الخاطفة"
انا الوحيد يا أبي
دربت الوحشة لي ومضيت شمسك غادرتني عند الضحى والشعاع في المدن يتس ول.
وأخوتي تركوا الوصية تكبر في الصح ارء في رحل طرفة بن العبد
في كلمة كانت تحوم كالطير فو ق رؤوسنا فلا بأس إذن
لو كان النهار يرتد مع السهم ليعود إلى القوس ثانية .
لو كانت التعويذة المدفونة تحت سور البيت القديم أصبحت في عتمة الجذور نوا ة لمواسم التمر والرطب" يقال ان الاب هو ذَاك الذِي إن طلبته نَجمة ، أتاك و هُو يَحمِلُ على ظهره السمَاء.. هل فيه من والدك؟
ج2/ والدي لم يكن نجمة فقط , ولم يكن يحمل السماء على ظهره , بل كان مركز الكون بالنسبة لي . كنت أكثر أخوتي التصاقا به , بل الأكثر شبها به جسمانيا , وأخذت من صفاته الكثير, أهمها شغفه بالق ارءة ورغبته الجارفة أن يكون ابن عصره وثقافة اللحظة التي يعيش فيها . لذلك في ذاكرتي تعيش أدق التفاصيل المرتبطة بحياته , لا يمكن أن تسعها قصيدة , ولا رواية يمكن أن تزيح ثقل هذه التفاصيل .
لكن بين فينة وأخرى أحاول الاقت ارب واجترح بابها ما أمكنني ذلك بالقصيدة وغيرها من فنو ن الكتابة. عندي آلاف من الصور تشبه الحلم في ليل ضبابي كلما حاولت أن استدعيه في القصيدة ,صوته المتهدج من أثر المرض في أواخر أيامه, مشيته الهادئة حين كان يحملني على كتفه يوم كنت أ ارفقه في صغري . أبي كان إنسانا كتوما لأجل ذلك كم عانيت لأتعرف على داخله بما يكفي كي أكون عنه الصورة التي أحب أن يكو ن عليها. لكن يذهب الآباء بعد فوات الأوان , ويكون عليك أن تعاني طوال عمرك كي تعيد تركيب صورته في ذهنك قبل الكتابة.
3. يرون الباحثون في الشأن العربي والحداثة، ان الحداثة غُرست قص اًر في مجتمعاتنا ولا جذور لها، هي مجرد امتدادا مسخ للحداثة الغربية، لذلك لا تنمو ولا تثمر . كيف حصلت تلك القطيعة وذلك الاستهجان للت ارث العربي من قبل الحداثيين العرب انفسهم ولم يقتبسوا شيئا منه؟ لماذا حداثتنا لم تبني أسسها من ت ارثنا؟ حيث يوجد طلائع وآباء للحداثة العربية عاشوا في العصور ال ازهية للثقافة العربية مثل الجاحظ وابي حيان التوحيدي والحلاج وابي نواس والتنويرين المعتزلة وغيرهم.
ج3/ موضوعة الحداثة أشبعت بحثا وتحليلا منذ منتصف القرن العشرين وبالخصوص بعد هزيمة العرب عام 67م. لقد تحولت من موضوعة يتم تداولها في المجال المعرفي إلى موضوعة في المجال الإيديولوجي. وهذا له دلالات كبرى في مسيرة الثقافة العربية في علاقتها بموروثها الفكري والسياسي والفلسفي . في بداية عصر النهضة العربية , جيل الرواد من التنويريين رفاعة طه الطهطاوي , خي ارلدين التونسي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني كانوا في حدود المجال المعرفي يبحثون عن حلول للنهوض بالعالم العربي والإسلامي إلى مصاف الدول المتقدمة , ولم تكن روحهم العربية والإسلامية انكسرت بروح الهزيمة والاستعمار , كانت نرجسية الروح العربية لا ازلت تعمل عملها في رؤيتهم وسلوكهم ونظرتهم للعالم . لذلك مقولة الحداثة والتقليد وأسئلتهما المؤرقة للباحثين حدثت لا حقا بعد الهزيمة على الخصوص وأصبحت مقولة الحداثة واجهة مشاريع سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى , وأصبح الفكر الباحث عن أصالته إ ازء مشروع الحداثة الغربي لم يكن في أغلبه سوى خطاب تبريري للمواقف والرؤى التي تتخذها السلطة إ ازء الأمبريالية وأعداء الأمة , بينما الفكر المنفتح دون عقد من الغرب وضغط الماضي تلاشى نوعا ما . لكنه لم يختفي تماما. هذه واحدة من أكثر المعوقات التي أدت إلى عدم وجود مشاريع حداثية عربية ترتبط بموروثها بقدر انفتاحها على مكتسبات الحداثة الغربية.
4. يَخلقُ من الشبه أربعين، بينما تظل الروح هي الفارق بينهم جميعاً.. "رجل يشبهني" اول اصدا ارتك الشعرية في علم ١٩٩٩ .. كان ذاك الديوان كقطرة لأول الغيث، وبعده تتالى سيلُ عارم من المؤلفات والد ارسات في الشعر والنقد والأدب. هل الرجل الذي كان يشبهك انذاك تر جل ليترك الساحة للشاعر والناقد محمد الحرز ان يحلق بعيداً ويُبدع؟
ج4/ منذ أول إصدار لي " رجل يشبهني " آمنت بأن الكتابة مغامرة بالدرجة الأولى , ولم أكن أتصور أبعاد مثل هذه المغامرة على الإطلاق . تفكير البدايات دائما ما تكون مغلفة بالب ارءة والسذاجة , فأنت تستحوذ على روحك فكرة معينة , بتأثير ما , ثم تجد نفسك منساقا وارءها دون أن تدرك عواقب هذا الانسياق . هذا ما كنت عليه مع هذه المغامرة. لقد كان إيماني بالكتابة لا حدود لها, الكتابة المتحررة من كل قيد أو شرط , وكان الرهان عليها انطلاقا من حريتي ككاتب . لذلك كان شغفي للكتابة وفي جميع المجالات والحقول هو بالنسبة لي تعلة لاكتشاف عوالم أخرى لم يطأها تفكيري ولا ذهني. ناهيك عن أن هاجس الكتابة أصبح يهيمن على إيماني وعقيدتي , بل ويزيح صورتها القديمة في ذهني الذي تربيت عليها في صغري وفي محيطي الاجتماعي والأسر ي , ويستعيض عنها بصورته ومعانيها المختلفة التي تتمظهر في الكثير من المنج ازت التي حققتها على مستوى الكتابة . أظن هذا هو السر في تعدد مسا ارتي الكتابية. لكن يظل الشاعر في داخلي هو الأساس وحتى الناقد أو المفكر هما بناء لا حق على الشعر في دخيلة نفسي.
5. تعد الشاعرة الع ارقية نازك الملائكة هي ارئدة الشعر العربي الحر حين نشرت اول قصيدة لها بعنوان " الكولي ار" في ١٩٤٧، لكن الشاعر الع ارقي بدر شاكر السياب اخذ تلك الشهرة واعتبر هو ال ارئد الحقيقي لحركة الشعر الحر، واختفت نازك وارء الكواليس وتلاشى ذكرها. هل حدث ذلك لكونها أم أرة، أم لانها ابتعدت عن الأضواء وعاشت في عزلة اختيارية لأكثر من ربع قرن ونسيها المؤرخون؟
ج5/ مع تقديري لمجهودات نازك الملائكة التنظيرية حول مقترح شعر التفعيلية , وهذه القضية طرقت كثي ار وأصبحت من الماضي وحتى الد ارسات حولها توقفت منذ الستينات . لكن ما لا م ارء فيه هو قامة بدر شاكر السياب تتجاوز موهبتها وعبقريتها نازك الملائكة. بدر شاكر السياب شاعر من الط ارز الأول وهو مجدد بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وليس للأسباب بانزواء نازك عن الأضواء أو بسبب الشاعر بدر شاكر السياب انطلاقا من ثقافة ذكورية. لا هذا ولا ذاك بدر شاكر شاعر استطاع أن يبتز مجايليه في الستينات ولولا مرضه المبكر وموته السريع , لاستطاع أن يعطني ربما منج از كبي ار في مسار الشعر العربي.
٦- جائحة كورونا في غضون أسابيع جعلت العالم كله يقبع تحت الإقامة الجبرية..
أصبحنا في حالة ترقب وخوف شديدين.. هل تتصور اننا نعيش حاليا في مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة، حيث ان زوبعة ستأتينا لا محالة وستغير كل مفردات حياتنا؟
ج6/ نحن الآن في عين العاصفة حقا. لكن لكوننا لسنا من الفاعلين الحقيقيين المؤثرين في العلاقات الدولية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي والفكري
والعلمي , فنحن في العالم العربي لا نشعر بهذه العين التي هزت أكتاف العالم وهي في طور اقتلاعه من جذوره. لذلك شكل العالم بعد هذه الجائحة لا يمكن التنبوء بها . الكل أصبح يعطي دروس في مستقبل العالم , واختلط الحابل بالنابل , فترى عالم الاجتماع بإ ازء الدجالين والمهرجين , وترى المفكر إ ازء التافهين والسطحيين . وكأننا دخلنا في مرحلة ضبابية مقصودة, وما يزيد الطين بله نحن نعيش في عصر المعلومات وتدفقها بسرعة لا يستوعبها العقل الإنساني . هذه جميعها عوامل تضعنا في حيرة وحذر في ذات الوقت ,وتجعلنا نتأنا في إصدار أي تصور يقيني لا نستطيع تحمل توابعها إذا ما عملنا وفقها واقعيا.
قبل ان انهي هذا اللقاء الشيق معك.. اود يا سيدي ان تختمه بقصيدة من اختيارك..
وشكرا جزيلًا لوقتك وذوقك ..
المقصلة
الرجل ذو الشارب الكثيف المتهدل على شفتيه مثل عشب لم يجز الواقف على مقصلة أيامه جالبا الماء للذكريات العطشى الخارجة من الرؤوس المقطوعة.
أ اره دائما في منامي ينزع نفسا حا ار من رئتيه ويشعل به الموقد القديم المهمل في آخر الركن من مطبخي.
فيضاء ما كان لا ي ار ه أحد من ح ارس وحدتي.
لا أنوي التفسير , ولا استدعي المعنى على عجل في سيارة فاخرة.
ولا أجلب قرب سريري سماعات ضخمة كي أصغي إلى صوت المقصلة.
فقط
أترك نومي ينزف دمه حتى يجف
حيث المقصلة لا تلفت إلا حين تصطدم بجدار يقظتي.
جديد الموقع
- 2024-03-29 بالبطولات التاج يزرع الفرحة تهانينا
- 2024-03-29 الكتب والعزلة
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
تعليقات
احمد الشمري
2021-01-11أين الاستاذه وجيهه الحويدر اخبارها مقطوعه نسال الله ان تكون بخير