2013/04/24 | 3 | 3360
الأحساء الحاضرة - ثقافتها مدفونة بأيدينا
فيقول (( تتداخل عوامل التجذر الثقافي في هذه البقعة من سواحل الخليج الأخضر الممتدة من البصرة شمالاً إلى عمان جنوباً في عاملين رئيسين :-
1- قدم السلالات البشرية الحضارية في هذه المنطقة.
2- بكور دخول الدعوة الاسلامية إلى هذه المنطقة.
ويرجع العامل الأول إلى طبيعة (الاستقرارالاستيطاني) الذي كان يتمتع به أبناؤها – ولا يزالون - , من حيث وقوعها عند ساحل البحر , وعلى حافة البادية , وبسبب توفر مياه العيون في أرضها وصلاحيتها بذلك للزراعة.)) ثم يقول بعد ذكر بعض النتائج المتفرعة عن العامل الأول
((وهذا ما تهيأ لمنطقة الأحساء منذ أن كانت موطنا من مواطن أقدم السلالات البشرية في الساحل الغربي لهذا الخليج. فقد كشفت الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية عن مستوطنات في المنطقة ترقى إلى العصر الحجري , وأخرى إلى عصر العُبيد. ومن أهمها
1- الموقع الذي أُكتشف قرب قرية المراح والذي يتكون من عدة طبقات سكنية.
2- مدينة الجرعاء التي أُكتشفت عند ميناء العقير من قبل البعثة الدانماركية عام 1388 هـ. ومن أبرز السلالات البشرية التي كانت في هذا الساحل:-
- الفنيقيون , الكنعانيون. ومنه إمتدت هجراتها إلى شمال الجزيرة , والهلال الخصيب مستبضعين معهم حضارة هجر وليس تمرها))
المقدمة السابقة هي معبر مطل على حضارة المنطقة وثقافتها التي هيأت الأحساء لاستقبال الدعوة الإسلامية وتجاوب أهلها مع رسول النبي محمد صلى الله عليه وآله إليها وإعلان إسلامها والتزامها بالدين الجديد طواعية عن وعي ودراية بدون عناء الحروب , ثم مشاركتها الفاعلة في الأحداث والحروب الكبيرة التي جرت منذ وصول وفدها الأول في العام السابع للهجرة النبوية الشريفة وتوجت حضورها المكثف في العقد الرابع الهجري بمشاركتها الواسعة في حروب الجمل وصفين والنهروان حيث تجلت شجاعة أبنائها , وفصاحة وبلاغة قادتها , ومنذ ذلك التاريخ إلى عصرها الحالي بقيت حاضرة ثقافية اتسمت بتنوع مكوناتها الاجتماعية ومشاربها الفكرية وتعايشها السلمي وإن مرت بمرحلة غموض ثقافي من أواخر القرن الثاني إلى القرن السابع كما يشير العلامة الفضلي في نفس مقدمته المشار إليها في المقال , وتتقاطع هذه الفترة مع زمن دولة القرامطة في أغلب مدتها التي يقول عنها حسين الملاك في بحثه الجميل بعنوان الأحساء بين واقعية الحدث ونمطية التوصيف المنشور في العدد الستين من مجلة الواحة الإلكترونية (( مما يؤسف له أننا فقدنا التراث القرمطي بما فيه تراثهم التاريخي ، ومدوناتهم الخاصة والتي تحمل رؤيتهم، وتؤرخ لمسيرتهم، وما لدينا من كتابات هي كتابات الآخر المختلف معهم عقائدياًّ وفكرياًّ وسياسياًّ)) وعن نفس الفترة يعتبر ناصر خسرو كما يشير حسين الملاك في بحثه أن الحاكم القرمطي حاكم عادل يمنح الحرية في الدين ويوزع الثروة على الرعية ويتعهد الفقير ويعطي المرأة مكانة متقدمة في المشاركة الاجتماعية والسياسية لكنه يعطي صورة مناقضة وسوداوية عن المواطن الأحسائي في سلوكه وطبائعه.
المئات من رموز و أعلام الأحساء الفكرية والثقافية رصدتها أقلام الباحثين في كتبهم التاريخية كما غابت عن الرصد أعداد أكبر من الشخصيات الأحسائية الأقل تأثيراً في المشهد الثقافي المدون والأكثر وضوحاً في الأمثال الشعبية والقصص والحكايات المتوارثة والأهازيج وفي موروثات الأحساء المادية ومنها الحرف والمهارات المهنية والصناعات الخزفية والمنسوجات اليدوية والأثاث الزراعي و الشعبي وغيرها من الآثار الدالة على هوية المنطقة وثقافتها في العصور السابقة , وكثير من النتاج الثقافي والأدبي بمختلف أشكاله ضاع و اندرس بموت أعلامه السابقين.
ما يهمني في هذا المقال ليس الوقوف على الأطلال والتباكي على ما خسرته الأحساء في ماضيها بل الخسارة الكبيرة في تراثنا الأحسائي المعاصر الذي نخسره يوميا نتيجة التهاون الكبير في تدوين وتوثيق الحركة الثقافية كتابيا بالخصوص في العقود الأربعة الماضية بسبب التواضع السلبي والتقاعس والاكتفاء بالحضور في الفعاليات الثقافية وعدم الوعي بأهمية وقيمة عطاء المنطقة الذي يبقيها في دائرة الخمول والغياب عن المشاهد الثقافية المنتجة رغم كثافة المشهد الثقافي في المنطقة , فقد برزت في الأحساء نشاطات وفعاليات ثقافية ضخمة في المنتديات الثقافية والأدبية والاجتماعية والدينية وشارك فيها كل مكونات الأحساء بمختلف مدارسهم الفقهية والمذهبية وتكونت فيها مؤسسات دينية واجتماعية منها الأندية الرياضية والجمعيات الخيرية واللجان الأهلية ولجان الزواج الجماعي وغيرها الكثير وتأثر الجميع بالمتغيرات السياسية في المنطقة وأهمها انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتفكك الاتحاد السوفيتي والحروب التي دارت رحاها في المنطقة كما كان للطفرة الاقتصادية والتعليم الرسمي للأولاد والبنات والقنوات الفضائية ووسائل الدعاية , أفرزت هذه العوامل وغيرها ثقافة استهلاكية وصراع طائفي غير معلن متأثر بالشحن الاعلامي في المنطقة وخارجها وتبدلت موازين التركيبة التنوعية وغابت فيها مدارس وتغلب منهج الآحاد والتشدد وتبدلت طبائع الأكل الشعبية وحلت مكانها الوجبات السريعة كما يشير الدكتور أحمد اللويمي في كتابه " المجتمع الأحسائي المعاصر قراءة في طباعه وأفكاره"
الكثير من هذا التراث الضخم في الأحساء لهذه الفترة مخزن في صور فوتوغرافية وأفلام مصورة بعضها على أشرطة فيديو والبعض في أقراص مدمجة وبعضها مسجل على أشرطة كاسيت , ومعلومات المؤسسات الاجتماعية وروادها لا يزال محفور في ذاكرة جيل المؤسسين , هذا التراث المبعثر في أيدي هواة التصوير , هؤلاء الهواة يحتفظون بثروة تراثية هائلة , سوف تضيع و تفقد كما فقد غيرها , الآن يوجد في الأحساء بعض المهتمين بحفظ التراث الشفوي وتحويله إلى تراث مكتوب وتوجد عند البعض أفكار جيدة يمكن تحويلها إلى مشاريع واعدة , منها جمع الوثائق التاريخية في قواعد بيانات مفهرسة وتحويلها إلى نصوص مكتوبة تسهل الإطلاع عليها والبحث فيها , ومنها جمع شتات الكتابات الصادرة بأقلام أحسائية مبعثرة في الصحف والمجلات والكتب الصغيرة وفي المواقع على الشبكة , في موسوعات ضخمة ولكن يواجه هذه الأمنيات عقبات أهمها التمويل المالي !!!!
متى يدرك أصحاب الملايين إن حفظ التراث قيمة ثقافية يمكن لهم أن يحصلوا على الثواب من الله إذا قصدوا به التقرب إلى الله ويمكن لهم أن يحصلوا على السمعة الطيبة والعمر الممتد لقرون قادمة إذا أرادوا تخليد أسمائهم في ذاكرة التاريخ ويمكن لهم الحصول على الحسنيين إذا صدقت نياتهم.
جديد الموقع
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .
- 2024-04-18 مختارات من الرسائل
- 2024-04-18 الأمير سعود بن طلال يرعى توقيع عقد إنشاء بوابة الأحساء
- 2024-04-17 أحدث إصدارات الشيخ اليوسف: «الإمام العسكري: الشخصية الجذابة»
- 2024-04-17 تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ 44 تنطلق في شهر صفر القادم 1446هـ بمكة المكرمة
- 2024-04-17 الطبيب أشرف العيسوي يرزق بمولود هاشم
تعليقات
علي الوباري
2013-04-27شكرا لك سيد محمد على هذا العرض الجميل الذي يدل على سعة اطلاعك تقديري و احترامي لك
عبدالله البحراني
2013-04-25اخي الفاضل السيد محمد طرح موفق ورائع, ينم عن حب وحرص لموطنك وموطن ابائك واجدادك. نعم .. نحتاج لجهة تلملم تراثنا المتناثر, وحفظه وتوفيره للباحثين. يحتاج هذا المشروع لدعم مادي والاهم المعنوي. دمت موفقا.
بونزار
2013-04-25أستعراض لائق بالمكانة الجيوسياسي والاقتصادي والديني لأرث المنطقة - وبما ان الخواص الجينية و الانثروبولوجيا للمجتمع غنية بالمكتسبات ، هذا دليل على ان هناك محفز للانتاج على جميع محاور متطلبات الحياة ، يستدعي ذلك في ظني من قبل المؤسسات العامة و الخاصة والافراد تعزيز وتعظيم خواص الفرد ،،، وعمل منتجات فكرية واقتصادية تدفع على أستقلال أفضل لهذا الانسان وخواصة في المنطقة موضوع البحث والاستعراض... :) موفق ان شاء الله