2023/03/18 | 0 | 967
إضاءات أحسائية في ليلة ظلماء.
الجزء الثاني .
أثناء كتابة محمد الشيخلي لمذكراته فترة ضيق للكاتب ، فكانت كلماته عن المجتمع الأحسائي تحاكي مآسيه داخل السجن ..!!
فكانت حكايات الجوع والألم والحروب التي يعانيها ابن البلد البسيط الطامح للقمة العيش متداولة من كافة أطياف المجتمع ، فكانت مذكراته ترسيخ للذاكرة الشفهية...!!
فتراه في قول الكاتب:-
[أما عن الطعام فالاغنياء طعامهم الارز المطبوخ مـع اللحم والهريس وبعض الخضروات؛ ولكنهم لا يحسنون طبخها ، والمتوسطي الحال فيأكلون الارز وأحياناً اللحم، ومثله الهريس واللبن الرائب ، والتمر للطبقتين.
وأما الفقراء فالتمرمع السمك اليابس النوع الصغير منه أو ما يسقط منه كالتراب يسمونه ( احساس ) يأتدمون به مع التمر فقط، ولا يعرفون الخبز مطلقاً].
فقد صور الكاتب في تلك الحقبة وقسم المجتمع إلى ثلاثة أقسام .. وربط المجتمع بطعامه اليومي :-
1● الأرز واللحم والهريس وبعض الخضار ويتناوله الأسر الغنية في الواحة .
2● الأرز وأحيانا اللحم والروب والهريس ويتناوله الأسر المتوسطة .
3● التمر والسمك المجفف الصغير ( حساس)وهو غذاء للفقير .
أما عن الأغذية الأخرى الهامة والتي يراها الناس هذا اليوم أنها ضرورية فقد كانت في السابق غير موجودة ...!!
أيًّا كانت رؤية الكاتب الشيخلي للمجتمع الأحسائي من معاناة للفقر والجوع والمرض والجهل ؛ فهو اعتراف ضمني بضعف الدولة العثمانية ( الرجل المريض) ، وعدم قدرتها بتوفير رغد العيش لكافة أطياف المجتمع الأحسائي أسوة بالمجتمعات الأخرى القريبة كمصر والعراق ..!!
ومن غريب ماذكر الكاتب عن أهل الأحساء ؛ وقد يعتبرها الآخرون هي من محض الخيال هو :-
في العادات :
[يحملون اللحم تحت ثيابهم لئلا يراه احد للحسد الموجود عندهم .
يلبسون العباءة مقلوبة الى ان يتغير لونها ثم يلبسونها على وجهها قدر تلك المدة لفقرهم المدقع .
القصابون يضعون اللحم على لوحات خشبية ولا يعلقونه لئلا يشبه المصلوب .
يركبون الحمير قعوداً فوقها ورجلاهم على جانب واحد وهو الايسر من الحمار.
ويقولون:- لا يليق بالرجل ان يركب الحمار كما يركب الخيل]٠
قد تكون هذه العادات وغيرها من العادات منتشرة في زمن الكاتب ؛ إلا إن الآباء والأجداد لم يذكر أو ينقل عنها صفة خاصة لركوب الحمير ، وقد تكون منتشرة في فئة معينة من جهة القصر؛ لكن لم يُنقل أواشتهر في عموم الأحساء عن هذه الطريقة.
أما عن وضع القصابون اللحم على الخشب بحيث أنها لا تُعلق خشية التشبيه بالمصلوب قد تكون العادة المتبعة موجودة ومنتشرة لكن ليس الهدف هو عدم التشبيه ؛ السبب قد يكون تسهيل التقطيع والحفظ ..!!
ومما يذكره الكاتب الشيخلي وهو وصف دقيق :-
[بطيئون في حركاتهم في البناء وغيره.
واذا ارادوا حمل شيء ثقيل مثل جذع نخله او ما اشبه اجتمع عليها رجال كثيرون ومعهم دمام يدق لهم فيحركونه ببطء كبير ...
يستعملون البخور العود يجلبونه من الهند فإذا اردت مغادرة المحل بعد شرب القهوة قال لك صاحب الدار: تطيب، تطيب، فتجلس ثانياً ،فيأخذ المبخرة وهي من الخشب، لها مقبض من اسفلها ،ومبطنة بالنحاس.
فيضع فيها من جيبه كيساً صغيراً يأخذ منه قطعة من العود .
وبعـد ان يرطبها في فيه يضع الجمر، ثم يخرج فوق الجمر وينفخ عليها، وعند صعود الدخان يتطيب بها هو أولا، يسوق الدخان بكفه الى جانبه ويشمه بأنفه بصوت مسموع، ويضعها تحت لحيته تم تحت عبائته وثيابـه، ثم يعطيها للجالس بجانبه....].
هنا أضاءات جميلة من الكاتب للعمالة الأحسائية البناءة ، الماهرة والدقيقة العمل ؛ فكان وصفه لهم بأنهم بطيئون ، وهو وصف صحيح ...!!
تجسد فيهم قول الرسول ( ص) للأشج بن عبدقيس :-
[ إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله : الحلم ، والإناة ].
أما عن إكرام الضيوف واستعمال القهوة والعود فهو أمر اعتاد عليه غالبية المجتمع الأحسائي ، وخاصة من يمتلكون مؤنةيومهم ...!!
فعطر نسائهم المشموم ، وعطر رجالهم العود ...!!
ولا ينبغي صرف النظر عن أسلوب الكاتب التفصيلي الاطنابي ؛ ويتمثل ذلك في وضع العود وتليينه تنقل المبخر من شخص إلى آخر ...!!
أما عن الصفات الأخرى المتداولة حتى عهد غير بعيد وهو الزي ، فيصفه بالتالي :
[الجميع يلبسون الدشداشه ويسمونهـا الثوب من البز الخام الابيض او الاسمر اذا كانوا من الفقراء .
أما الاغنياء فيلبسون فوقها الدكله وهي كالزبون عندنا في بغداد ؛ إلا أن قسمها الامامي لا يزيد فينطبق الواحد فوق الآخر؛ بل يبقى مسدولا على خط مستقيم كالجبه ولا يشدون حزاماً فوقها وفوق ذلك .
أما العباءة فللجميع ولباس الرأس العمامه البيضاء للعلماء، والغترة (الكوفية) البيضاء ،او المطرزة، أو الشماغ الاحمر للبالغين، وفوقها العقال ذو الطيتين وفي أرجلهم النعال .
والفقراء لا يغسلون ثيابهم إلا فيما ندر ،واذا رأوا أحدهم نظيف الثياب قالوا له:- هل أنت مطوع؟! ( أي عالم دين )] .
تلاحظ من خلال النقلات الصورية الوصفية السريعة للكاتب في عملية لا يكاد أن تراها إلا عند القليل من الرحالة ؛ فقد وصف العناية الشخصية للرجل بالتالي :
1● لباسهم من الدشداشة من الخام الابيض للمقتدر ، والفقير لباسه الاسمر ، وإن كنت أشك في اللون ؛ فهو عبارة عن بقايا الأوساخ ، وقد أوضح ذلك في نهاية المقطع .
2● لباسهم للدكلة وهي حسب توصيفة تشبه الدكلة البغداية مع اختلاف بسيط ، وهي خاصة للأغنياء .
3●لبس البشت ( العباءة الرجالية ) للجميع .
4● لبس الغترة والعقال للجميع ، والرجال الدين العمامة .
5●التركيز من قبل الكاتب عن الجزء الأضعف من المجتمع من حيث العناية الشخصية بالاستحمام ، فوصفهم بأنهم لايستحمون ، وإذا رأوا شخصا نظيفا ، قال عنه : أنه مطوع [ رجل دين ].
والحقيقة أن الاستحمام حتى للفقير ؛ لوجود عشرات العيون في الواحة الخضراء ؛ لكنه قد يصعب امتلاك المال الكافي لتجديد ملابسهم ، وأعتقد أنها صفة منتشرة حسب وصفه لهم ، ومايتناقله الأجيال قبيل استخراج النفط .
مراحل الحياة في الفترة المظلمة ومابعدها -- محمد رؤوف الشيخلي 1321هجرية.
جديد الموقع
- 2024-05-03 نوستولوجيا الحنين للذكريات -قراءة لكتب الأستاذ عبدالله عبدالمحسن الجسم
- 2024-05-03 مشروع الشريك الأدبي وإدارة العمل الثقافي
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"