2025/04/24 | 0 | 746
يقول الجسد حين يفكر ما لا تقوله الكتابة
حين تعود للكتابة بعد انقطاع طويل، لا تجد شيئا يثبت أنك عدت، لا إضاءة خافتة في ممراتها، ولا باب يطلق صريره كي يوقظ حواسك النائمة، ولا يد تزيح الغبار عن نوافذها، ولا همسات العابرين بين غرف الكلمات الضيقة، ولا تلك الطرق السرية التي لا يعرفها غيرك إلى الكتابة.
تعود وكأنك الغائب الذي لا ينتظره أحد، أو العابر الذي لا تراه العيون. تعود بخطوات بطيئة ومشوبة بحذر الهاربين الذين تتعقبهم الذئاب في الطرقات.
الجسد الذي تعود به الآن ليس هو الجسد الذي ظل يركض بقدمين راسختين سنين طويلة في مضمار الإمساك بالكتابة من قرنيها قبل هروبها إلى وديان بعيدة.
تحاول أن تسند ظهره على جذع شجرة متهالك، ولو أمكنك أيضا أن تجلب له بلمسة واحدة الظلال أو تمدّ يدك إلى غيمة عابرة مثقلة بمياه اللغة، أو تنزع عن أصابعه رجفة المرض ثم تُرمي بها النفور الذي يجتاح الكلمات من حولك.
لكن لا شيء كفيل باسترجاع الجسد ذاته، فكل الدروب إلى ماضيه هجرتها طيور الآلهة وسكنتها الغربان، وغابت عنها شمس الظهيرة، حتى ليل الشتاء الذي أهداك قميصه وأخفاك به عن الأعين في أغلب الأيام تحول الآن إلى لص محترف يسرق النعاس من عينيك، والنساء من ذاكرتك، وثمار المعنى من حديقتك.
وبالكاد تستطيع المقاومة لأن الصقيع الذي جمّد كلماتك جعل منك رجلا يهذي كالببغاء عن أحوال الناس.
وعلاوة على ذلك، قد فتح ثغرة في عظامك كان يتسرب منها على الدوام أفكار خبيثة ومرعبة:
قطيع من الشعراء يتزوجون امرأة واحدة، متظاهرون يجوبون المدن الكبرى لأجل الحصول على قطعة صغيرة من السماء، شرطة يتعقبون «هتلر» بعد أن لمحه أحد الطلبة الألمان يخرج خلسة من أحد الكتب المدرسية، بحار وأنهار ينقلب لونها إلى الأسود، ويصبح هو اللون المفضل للعالم، وهذا معناه غالبية النسوة ينفضن البياض عن وجوههن كالثلج، ويصبحن واضحين كاليقين أمام القراء.
من فتحات في الثوب يختلس جسدك النظر إلى المكان الذي تفتًحت مخيلتك تحت نوافذه وبين جدرانه وأسقفه، وتربّت مهاراتها على تنظيف أرضيته، وكبرت على مسح الأقوال المتراكمة في مجلى مطبخه.
لكنّ شحوبه عاجز عن رؤية التفاصيل، حتى لو ملأتَ كأسه ماءَ دهشتك، ستظل نظرته تدير ظهرها ولا تلتفت للأيام التي تسقط كحبات البَرَد على أسوار الكتابة.
أيها المصاب بطلقة في الرأس من أغنيته، لن تجد أحدا في المكان ذاته يناديك باسمك، أو يرسل لك بريدا صوتيا تتعرف فيه على صوت أصدقائك وجيرانك. تشم رائحة جسدك لتتأكد أنك لم تخطئ العنوان، وتفرك أصابع يديك لتقول أنك هنا بكامل لياقتك، تصغي بانتباه حين تصعد وتهبط سلالم الكلمة بسرعة فائقة كي تطمئن أن قلبك ما زال في مكانه.
لا تطوّح أيامك بعيدا عن أخطائك، ولا تبكي نهرا غرق في دمعة عصفور، ولا تطلق وعودا من شأنها أن تمنع عنك مطرا غزيرا ، كان يسقط كل يوم على أوراقك ناصعة البياض، ولا تسقط الخرائط والمواقع من يدك، ودع الفراق يمشي على قدميه، ولا تصعد دربا زلقة مدبوغة بروث ثيران الكتّاب، وقل لنفسك: مرضك يمد خيوطه على حائطك كالعنكبوت، فلماذا لا تحمل المعول وتهدّه طوبة طوبة، وتعيد بنيانه من جديد؟!!.
هذه هي وصاياك التي نسيتها وجئت عازما البحث عنها في أرض الكتابة.
جديد الموقع
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا