2025/11/01 | 0 | 80
هل نريد أن نكون ورثة. أم شركاء في الحضارة؟
لماذا كانت بغداد وقرطبة ودمشق منارات للعقل والخيال، ثم صرنا نعيش على فتات ما يبدعه غيرنا؟
السؤال الأول، في جوهره، ليس عن الماضي بقدر ما هو عن قدرتنا على الإبداع في الحاضر. فهل عجزت الأمة العربية عن إنتاج ثقافةٍ جديدة، تحمل روحها الخاصة وتواكب العصر؟ أم أننا اكتفينا بترديد مقولات الأوائل دون أن نضيف سطرا جديدا ثقافة بطبيعة الحال ليست تراكما معرفيا فحسب، بل قوة إنتاجية تولد من رحم وعينا بالذات. حين كانت الأمة تعرف وتعتز بنفسها وتثق بعقلها، أنتجت فلسفة ابن رشد، وطب ابن سينا، وفقه الشافعي، وشعر المتنبي الذي ما زال يدوي بعد أكثر من ألف عام.
لكننا اليوم، في كثيرٍ من الأحيان، لا ننتج الثقافة بل نستهلكها. نترجم الكتب ولا نكتبها، نعيد صياغة أفكار الغرب بلغتنا ونظن أننا أبدعنا.
انحسر السؤال، وتراجع النقد، وغابت الجرأة الفكرية، حتى صرنا نقدس القديم أكثر مما ننتجه من جديد. بعض الأسباب التي قد تفسر هذا التغير.. التغيرات الاقتصادية.. أثّرت الأزمات الاقتصادية أو السياسات الاقتصادية غير الفعالة على مكانة الدول أو الشركات. وعدم مواكبة التطورات التكنولوجية أدى إلى تراجع في القدرة التنافسية. والسياسات الحكومية غير المدروسة أو الفساد أثر سلبًا على النمو والتقدم. إضافة الى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي أدت إلى تغير في الأولويات والاهتمامات. التنافس الدولي مع ظهور منافسين جدد وتحسّن في أداء الدول الأخرى أثّر سلبًا على مكانة معينة. إضافة الى الأزمات البيئية والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد والمجتمع. لذلك، من المهم دراسة هذه العوامل بشكل شامل لفهم سبب التغير في المكانة. الحضارة الخلاقة لا تولد في بيئة الخوف، ولا تنمو تحت ظل الوصاية. ففي العصور الذهبية، كانت حرية التفكير مفتاح النهضة، وقد سمح في الماضي بترجمة كتب اليونان، لا لتقليدها، بل ليحاورها.
وفتح بيت الحكمة للعلماء من كل الأديان والمذاهب. تلك الروح المنفتحة هي التي أنجبت حضارة إنسانية تجاوزت حدود اللغة والعرق. أما اليوم، فقد ضاقت المساحة بين المبدع والرقابة، بين السؤال والاتهام. تحولت مؤسساتنا الثقافية إلى منابر للتكرار لا للاكتشاف، وصار المفكر الحقيقي يعامل كمتمرد على المألوف، لا كمستنير. فكيف يمكن لأمة أن تنتج حضارة خلاقة وهي تخاف من السؤال أكثر مما تخاف من الجهل؟
ومع ذلك، لا يمكن القول إن الأمة ماتت إبداعيا. فبين هذا الواقع غير المرضي، تظهر محاولات مضيئة. في الفكر والثقافة محمد عابد الجابري قدم نموذجا لعقل عربي قادر على محاورة الحداثة دون أن يتنكر لجذوره. وترك مالك بن نبي مشروعا حضاريا متكاملا، يحلل أسباب القابلية للاستعمار ويقترح طريقا للنهوض.
واستطاع الطيب صالح ومحمود درويش أن يعيدوا للعربية نكهة الجمال والكرامة. أما ماهي العوامل التي يمكن أن تخفف من تأثير هذه العوامل السلبية، والتي تؤدي إلى تراجع مكانة الدول! يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية. 1. التخطيط الاقتصادي السليم وتعزيز السياسات الاقتصادية المستدامة والاستثمار في البنية التحتية لدعم النمو. 2. الابتكار والتكنولوجيا وتشجيع البحث والتطوير واستثمار في التكنولوجيا الحديثة لمواكبة التطورات العالمية 3. تحسين الشفافية ومكافحة الفساد وتعزيز المؤسسات الحكومية لضمان إدارة فعالة. 4. التعليم والتدريب وتعزيز التعليم والتدريب المهني لزيادة كفاءة القوى العاملة والتكيف مع التغيرات في سوق العمل. 5. التعاون الدولي، عبر إقامة شراكات مع دول أخرى لتعزيز التجارة والاستثمار وتبادل المعرفة. 6. التكيف مع التغيرات الاجتماعية وتعزيز القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية، مثل التسامح والمساواة، لضمان الاستقرار الاجتماعي. 7. استدامة البيئة، وتنفيذ سياسات بيئية مستدامة وتقليل انبعاثات الكربون لحماية البيئة والتكيف مع التغيرات المناخية. 8. التنوع الاقتصادي وتشجيع تنوع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على قطاع واحد لتقليل المخاطر. باستخدام هذه العوامل، يمكن تعزيز القدرة على مواجهة التحديات والتكيف مع التغيرات السريعة في العالم.
هذه العوامل والنماذج تبين أن العجز ليس في الجينات العربية، بل في البنية التي تخنق المبدع وتمنع المبادرة. ليست المشكلة أن العرب لا يعرفون، بل أنهم لا يربطون المعرفة بالفعل. فالثقافة الخلاقة هي التي تترجم الوعي إلى مشروع، والفكرة إلى مؤسسة، والعاطفة إلى انجاز. حين نحرر التعليم من الحفظ، والإعلام من التلقين، والدين من التعصب، سيتنفس الإبداع العربي من جديد.
الثقافة هي الدرع الوحيدة التي تحمي الأمة من التلاشي. وما لم ندرك أن الخلق الثقافي هو مقدمة النهوض الحضاري، سنظل نعيش على أمجاد ماض لا يبني مستقبل.
لم تعجز الأمة العربية عن إنتاج ثقافة مبدعة، لكنها ترددت في مواجهة ذاتها. ولم تتقاعس عن صناعة حضارة خلاقة، لكنها استبدلت الابتكار بالتكرار. والسؤال اليوم: هل نريد أن نكون ورثة أم شركاء في الحضارة؟
فالميراث يستهلك، أما الشراكة فتبدع. وبين هذين الخيارين، يكتب مصير أمة.
جديد الموقع
- 2025-11-01 غرفة حفرالباطن وبنك التنمية الاجتماعية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك
- 2025-11-01 سر القوة المذهلة للتنهد العميق والشعور بالسعادة الكامنة وراءة
- 2025-11-01 المهندس عمار القطان عريسا بالهفوف
- 2025-10-31 العالم الرقمي وعقلية القرد
- 2025-10-31 (الشاعر الضائع)
- 2025-10-31 بإجمالي جوائز 50 ألف ريال.. المسعودي يتوج أبطال المملكة في الشطرنج
- 2025-10-31 سمو محافظ الأحساء يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للزراعة العضوية
- 2025-10-31 زراعة الخلايا الجذعية تحت الدراسة في علاجات العظام... استشاري جراحة عظام: المملكة تقدمت في اجراء العمليات واستبدال المفاصل باستخدام الذكاء الاصطناعي والرويبوت
- 2025-10-31 جائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي في دورتها الثامنة تفتح باب الترشيح في 6)) مجالات نظرية وتطبيقية
- 2025-10-31 تجمع الأحساء الصحي يحقق نموًا لافتًا في خدمات جراحة وسرطان الثدي