2025/09/03 | 0 | 1808
لماذا تجذبنا المعلومة النظرية أكثر من التطبيقية؟
يميل الإنسان بطبيعته إلى الراحة والبحث عن المكاسب السريعة، خصوصًا إن ارتبط ذلك بشعورٍ بالإنجاز ولو كان وهميًا أو نسبيًا. لذلك قد نجد بعضاً ممن يحب العلم والثقافة ينجذب إلى قراءة الكتب، أو متابعة المحاضرات، أو مشاهدة الأفلام الوثائقية، لأنها تمنحنا معرفة سهلة بلا عناء الدراسة وما يلزمها من التطبيق والجهد والتقييم.لكن حين ننتقل إلى أرض الواقع، نكتشف أن تطبيق ما تعلمناه ليس بتلك السهولة.
وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: لماذا يعجز الكثيرون عن تحويل المعلومة إلى ممارسة؟
على الرغم من ان حكم العقل يرشدنا الى ذلك ولكن الواقع ليس كما ينبغي، ما دفعني للتأمل في هذه الحالة وأسبابها الجذرية ، فتوصلت لبعض الأسباب من وجهة نظري وهي كالتالي:-
١. أول هذه الأسباب هو الأسلوب التعليمي المتَّبع من قبل بعض المعلمين، الذي يدفع الطالب منذ الصغر إلى الحفظ دون التطبيق، خصوصًا في العلوم التطبيقية. فبدل أن تُقدَّم هذه العلوم كمساحة للتجربة والاكتشاف، يتم تجريدها من روحها العملية لتتحول إلى تعاريف جامدة نحفظها ومن ثم نكتبها في ورقة الامتحان. هذا الأسلوب لا يزرع فينا حب الممارسة، بل يعزز انجذابنا إلى كل ما هو نظري ويُبعدنا عن العملي.
٢. سبب اخر هو وهم الانجاز هو الشعور الذي يعترينا عند الانتهاء من قراءة كتاب جديد أو سماع محاضرة عن موضوعٍ ما. ذلك الشعور الكاذب بالإنجاز لمجرّد تعلّم شيء جديد – إذ يُسكِّن فينا دوافع التطبيق ، والتعلّم في حد ذاته أمرٌ عظيم – لكن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بما نتعلمه فقط، بل بما نُطبّقه مما تعلمناه، فكل معلومة لا تُترجم إلى فعل، تبقى مجرّد وهمٍ لطيف.
٣. التسويف، وما أدراك ما التسويف!
تُعرّف الدكتورة خولة في كتابها (المنهج الذي لا يُدرس) التسويف بأنه: “الفجوة بين ما نعلمه وما نفعله”. ولعلّ هذا المقال الذي بين يديك خير شاهد؛ فقد كان من المفترض أن يُكتب منذ شهور، لكنه لم يرَ النور إلا بعد تأخير طويل، شأنه شأن مقالات كثيرة ما زالت حبيسة النية.
طالما وقفتُ متأملًا بين خيارين: أن أطبّق ما سبق أن تعلّمته، أم أبدأ في تعلّم مهارة جديدة. وكان هذا السؤال يستوقفني كثيرًا، وكأنه يهمس لي بأن كثرة المعرفة دون تطبيق ليست ميزة، بل عبئًا مؤجلًا. فتطبيق الأبجديات أولى بكثير من حشو العقل بمزيد من المفاهيم التي لا تجد طريقًا إلى الواقع.
الأسباب كثيرة، ولكنني آثرت تسليط الضوء على هذه الامثلة لما لهما من أثر مباشر على النفس والسلوك.أما الحلول، فهي عديدة، ولكن جوهرها واحد: أن نبدأ.
ليس المطلوب أن نعرف أكثر، بل أن نُفعّل ما نعرفه. نعم، أن نبدأ بخطوة، ولو كانت ١٪ فقط مما نملكه من معرفة. أن لا نسمح للتسويف بأن يسرق أعمارنا، ولا نترك نشوة التعلّم تُنسينا ضرورة العمل بما تعلمناه، وأن نستكمل درب التعلّم بالتطبيق، فـ “إذا علمتَ فاعمل”.
﴿ حَتّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
تأمل في هذه الآية: لم يقل الميت “لعلّي أتعلم”، بل قال: “لعلّي أعمل”، إشارة إلى عِظَم العمل.
(سورة المؤمنون: 99–100) فلنبدأ اليوم، قبل أن يُصبح طلب الرجعة بلا جدوى، والندم بلا فرصة.
ولنسأل أنفسنا هذا السؤال الذي لا يزال يُؤرّقني: كيف ستكون حياتنا الآن، لو أننا طبّقنا ٢٠٪ فقط مما تعلّمناه؟
جديد الموقع
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا
تعليقات
علي الزيلعي
2025-09-04ما شاء الله تبارك الله مقال عميق ومهم جدًا يا حسام، فعلاً وضعت يدك على جرح يعيشه كثير من الناس. لفت انتباهي بشكل خاص حديثك عن وهم الإنجاز، لأنه يفسر لي كثيرًا من المواقف اللي نمر بها جميعًا. أعجبني أيضًا ختمك بالآية الكريمة، فهي تلخّص الرسالة بأبسط وأبلغ صورة: العبرة بالعمل لا بالعلم وحده. جزاك الله خير على هذا التذكير، وألهمنا وإياك التطبيق قبل فوات الأوان. سؤالي لك: برأيك، ما هي أبسط خطوة عملية ممكن يبدأ فيها الواحد اليوم عشان يكسر دائرة التسويف ويحوّل المعرفة إلى ممارسة
حسام الزيلعي
2025-09-06تشكر على وقتك الثمين في قراءة المقال عزيزنا .. سوال عميق جدا ويحتاج له متسع من المجال للجواب عنه .. برأي المتواضع جدا : التسويف هو نتيجة غياب الإرادة فلو اننا ذوي همة كبيرة لما كان للتسويف مجال بيننا .. اول الحلول هو البدأ وثانياً تجزئة العمل لكي نتمكن من انجازه بدلا ان نثّقل انفسنا دفعة واحدة. ثالثاً الانضباط النفسي والصبر حتى إنجاز العمل. كتاب العادات الذرية كفيل ان يجيبك بشكل اعمق بكثير انصحك به. شكرا لك.