 
                            2025/10/28 | 0 | 293
سيرة الدكتور عبدالجليل الخليفة
الفصل الأول: البذرة التي أنبتت معرفة
في أحساء النخيل ومبرز الحارَّة حيث تمتزج رائحة الطين بعذوبة الماء ولد عبدالجليل عبدالله الخليفة في بيت يرى في العلم قداسة لا تقل عن الصلاة وفي التفكر عبادة لا تقل عن الدعاء لم يكن مولده حدثاً عابراً في سجل عائلة من الأسر العلمية وبس بل كان ميلاد فكرة جديدة في جغرافيا النفط والهندسة والمعرفة .
تفتح وعي الطفل الجليل على عالم تتقاطع فيه الأرض والسماء من جهة تهمس الحقول بأصوات النخيل بسعفاتها والرياح ، ومن جهة أخرى كانت مدارس المبرز تبذر في ذهنه أولى بذور السؤال: كيف يمكن أن ينطق الحجر؟ 
وكيف يمكن للزيت الخام أن يكون ضوءاً في ليل الإنسانية؟
تلك الأسئلة المبكرة لم تكن عبثاً 
 كانت نواة مشروع فكري مبكر سيتطور لاحقاً في أطروحات تتناول العلاقة بين الإنسان والطاقة ، بين البترول والوعي.
ومثلما قال الفيلسوف الألماني هايدغر:
“الإنسان لا يسكن الأرض فحسب، بل يسكن المعنى.”
كان عبدالجليل يسكن المعنى قبل أن يسكن المهنة حمل في قلبه شغفًا بالمعرفة لا تحده المقررات ، فكان يرى في كل تجربة معملا للفهم ، وفي كل معمل تربة لنمو الإنسان.
الفصل الثاني: الرحلة إلى ضوء ستانفورد
لم تكن رحلته إلى الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي مجرد انتقال جغرافي ، بل هجرة معرفية نحو عمق العالم. هناك، في جامعة ستانفورد، تتلمذ على يد أساتذةٍ جمعوا بين الدقة العلمية ورحابة الفكر. نال الدكتوراه في هندسة البترول عام 1988، غير أنّه عاد يحمل أكثر من شهادة:
عاد يحمل وعيًا جديدًا بالعلم بوصفه مشروعًا إنسانيًا قبل أن يكون صناعةً اقتصادية.
في غربته تلك، كان يردّد في رسائله لأصدقائه قول أفلاطون:
“العلم الحقيقي هو الذي يقود الروح إلى الخير.”
ومن هنا بدأ يتكوّن مشروع الخليفة الفكري: أن تُدار الطاقة بضمير، وأن يُوجَّه الاقتصاد نحو خدمة الإنسان لا استغلاله.
الفصل الثالث: بين المختبر والمكتب — الإنسان في وجه الصناعة
عاد إلى الوطن، فوجد في شركة أرامكو ميدانًا يجمع بين نظريات الأمس وتحديات الغد. لم يكن موظفًا عاديًا، بل مهندسًا يرى في كل بئرٍ قصةً، وفي كل حقلٍ سؤالًا عن العدالة بين الإنسان والبيئة.
ومن هناك، مضى إلى المناصب العليا في شركاتٍ عالمية، أبرزها دراغون أويل (Dragon Oil)، حيث ترك بصمته الإدارية والفكرية، وجعل من تطوير الكفاءات البشرية أولويةً تفوق بناء المنشآت.
يقول جون ديوي، الفيلسوف الأمريكي الذي آمن بأن التعليم هو الحياة ذاتها:
“الخبرة هي المختبر الأول للفكر.”
وهكذا كان الخليفة، لا يرى في المكتب نهاية الحلم، بل امتدادًا للمعمل وللإنسان معًا.
الفصل الرابع: البصمة الأخلاقية — فلسفة المسؤولية
في خطاباته ولقاءاته، تتجلى فكرةٌ متكررة: “الإنسان أولًا.”
عبارةٌ تتجاوز حدود الشعارات لتصبح مبدأً في الإدارة والقيادة. كان يرى أنّ التنمية لا تبدأ من المشروعات، بل من النفوس التي تشغّلها.
وكم كانت عبارته هذه امتدادًا لما قاله إيمانويل كانط في نقد العقل العملي:
“عامل الإنسان دائمًا كغاية، لا كوسيلة.”
بهذه الرؤية، بنى الخليفة منظومة فكرية قوامها الوعي والمسؤولية. فالنفط عنده ليس موردًا يُستنزف، بل عقدٌ أخلاقيٌّ مع الأرض والإنسان، وهذا ما جعله صوتًا مؤثرًا في الحوارات العالمية حول الاستدامة والاقتصاد الإنساني.
الفصل الخامس: الفيلسوف الصناعي
على الرغم من انشغاله في الميادين التقنية، ظلّ الخليفة صوتًا تأمليًا في قضايا الفكر والإدارة.
كان يكتب ويحلل بلغةٍ شاعريةٍ عقلانيةٍ نادرة، كأنّه يمارس الفلسفة بلغة المهندس.
وحين تحدّث عن الطاقة، لم يكتفِ بأرقام الاستهلاك والإنتاج، بل تساءل عن معنى “الاعتماد” و“الاستقلال”، عن مصير الإنسان حين تصبح التقنية سيدة قراراته.
هنا يلتقي فكره مع جاك إيلول الذي كتب عن “التقنية كقوة اجتماعية مهيمنة”، ومع ألبرت شفايتزر الذي رأى أن “الأخلاق تبدأ حين نحسّ بمسؤوليتنا عن كل كائنٍ حيٍّ حولنا.”
الفصل السادس: من المحلية إلى الكونية
ما يميز سيرة الدكتور عبدالجليل الخليفة هو قدرته على أن يكون عالميًّا دون أن يفقد محليّته.
فهو ابن الأحساء، أرض العلم والضيافة، لكنه أيضًا مواطنُ العالم الذي يرى أن المعرفة لا وطن لها إلا الإنسان.
في المنتديات واللقاءات الدولية، يتحدث بلسانٍ عربيٍّ فصيحٍ يقطر فكرًا وتجربة، ويستشهد بأمثال الحكماء من الشرق والغرب، جامعًا بين عقلية الفيزيائي وروح الشاعر.
كما قال طاغور:
“الوطن ليس حيث وُلدت، بل حيث تتفتح روحك.”
وفي روحه، تفتحت جذور الأحساء حتى صارت تمتدّ إلى العالم كلّه.
الفصل السابع: في ميزان الذاكرة — إرث لا يُختتم
اليوم، حين يُذكر الدكتور عبدالجليل الخليفة، لا يُذكر بوصفه مديرًا أو مهندسًا فقط، بل رمزًا لجيلٍ جمع بين العقل والضمير، بين المهنة والرسالة.
ترك أثرًا في صناعةٍ يراها كثيرون جامدة، فحوّلها إلى مساحةٍ للإنسان.
ولذلك يمكن أن نقول إن سيرته ليست تاريخًا يُروى، بل مرآةٌ يُتعلّم منها.
كما قال سبينوزا في “الأخلاق”:
“كلّما فهمنا، ازددنا حرية.”
والخليفة جعل من الفهم طريقًا إلى الحرية، ومن الحرية وسيلةً للخير العام.
الفصل الثامن: الخاتمة — الإنسان الذي استخرج الضوء
ليس النفط وحده ما استخرجه الخليفة من الأرض، بل استخرج من الحياة معناها: أن تكون المعرفة وفاءً، وأن تكون القيادة مسؤولية، وأن يكون النجاح رحلةَ ضوءٍ لا سباقَ مال.
ففي عالمٍ يضجّ بالاستعراض، يبقى هو نموذجًا نادرًا لقيادةٍ هادئةٍ تتكلم بلغة الفعل لا الادعاء، بلغة الأخلاق لا الأرقام.
ومن الأحساء إلى العواصم الكبرى، تمتدّ سيرته مثل شعلةٍ منضبطة، تنير ولا تحرق، تذكّر ولا تتفاخر.
وهكذا تُختصر الرحلة:
من الطفل الذي تأمل بئر الماء، إلى الرجل الذي فهم أن أعظم الثروات هي التي تسكن في الإنسان نفسه.
جديد الموقع
- 2025-10-30 علاقة محتملة بين القراءة والرشاقة
- 2025-10-29 (شُعلَة المَعْبَـد) شعلةُ العَـوْدة
- 2025-10-29 غسان الناصر يحصد المركز الأول في النسخه الأولى من جائزه الأسره المثاليه
- 2025-10-29 متحف زمني في بيتك
- 2025-10-29 تجمع الأحساء الصحي يحقق إنجازًا طبيًا متقدمًا في جراحات الروبوت
- 2025-10-29 طلبة الأحساء يقدمون 125 بحث علمي محكّم في معرض " إبداع 2026 "
- 2025-10-29 العلاقة بين التدخين وضغط الدم العالي أصبحت مؤكدة علميًا
- 2025-10-29 العلاقة بين التدخين وضغط الدم العالي أصبحت مؤكدة علميًا
- 2025-10-29 الأحساء تحتفي بسلسله الثقافة الشعبيه غير الماديه في كيوب بارك
- 2025-10-28 فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة القصيم يحصل على شهادة الأيزو
 
					 
                                 
                                 
                                 
                                 
                                 
                                
تعليقات
السيد نلصر السلمان
2025-10-29ما أعمق هذا السرد وما أصدق ما فيه من إنسانية! سيرة ومسيرة الدكتور عبدالجليل الخليفة ليست مجرد حكاية نجاح مهني، بل مرآةٌ لرجلٍ جعل من العلم رسالةً، ومن المسؤولية خلقًا، ومن الإنسانية هويةً. إن ما يميّز هذا الرجل العظيم أنه لم يكن أسير الأرقام ولا أسير المناصب، بل كان إنسانيّ الهوى والهوية؛ يرى في كل إنجاز قيمةً أخلاقية، وفي كل معرفة طريقًا إلى خدمة الإنسان قبل أي شيء آخر. في زمنٍ تتراجع فيه القيم أمام الماديات، يظل الدكتور عبد الجليل الخليفة شاهدًا على أن العقل حين يتّحد بالضمير يصنع الفرق، وأن البصمة الحقيقية لا تُترك في النفط أو الأوراق، بل في القلوب والعقول. رحلته من أحساء الطين والماء إلى جامعات العالم ومجالس الفكر ليست مجرد مسارٍ مهني، بل رحلة وعيٍ إنسانيٍّ متوهج، تشهد بأن الأصل ثابتٌ والجذور ضاربة في القيم، وأن الإنسان حين يكون وفيًّا لأرضه وإنسانيته، يصبح عالميًّا دون أن يفقد ملامحه. حفظ الله هذا الرجل الكبير، الذي استخرج من الأرض ضوءًا، ومن الحياة معنىً