2015/01/28 | 0 | 3143
تاريخ االدولة العيونية في سطور -تاريخ االدولة العيونية في سطور
في النصف الأخير من القرن الخامس عشر الهجري، قامت دولة في بلاد البحرين، شرق الجزيرة العربية، عرفت بالدولة العيونية؛ سميت بهذا الاسم نسبة لمؤسسها الأمير عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم العيوني.
كان العيونيون قبل استيطانهم واحة العيون الواقعة شمال مدينة الأحساء بدواً رحلاً ينتسبون لآل إبراهيم من عبد القيس بن ربيعة، لكنهم راحوا تدريجياً يألفون حياة المدن، فأقاموا أولا في العيون ثم منها إلى بقية الحواضر في الأحساء.
والظاهر أن القبيلة التي ينتمي إليها الأمير عبد الله العيوني كانت قسمين القسم الأول وهم من استوطنوا المدن وألفوا حياة الحضر، والقسم الثاني وهم الذين مازالوا على حياة البداوة والصحراء، هذا ما نستشفه من الأحداث و المعارك التي خاضوها من اجل السيطرة على الأحساء. التي ستكون عاصمة حكمهم.
قبل الحديث عن الظروف التي أدت إلى قيام الدولة العيونية لابد من الإشارة إلى ملاحظتين:
الأولى : إن حدود إقليم الدولة العيونية الحقيقية والطبيعية هي منطقة البحرين التي تمتد من كاظمة شمال شرقي الجزيرة العربية (الكويت حالياً) إلى بلاد العروض التي تشتمل على الأطراف الصحراوية المحاذية لقطر. وإن كانت مراكزها الرئيسية هي هجر (الأحساء) وجزيرة أوال و القطيف[1] .
أما الملاحظة الثانية: فهي أنه على الرغم من أن إقليم الساحل الشرقي للجزيرة العربية يشكل ظهيراً جغرافياً للدولة العباسية في بغداد ومنطقة استراتيجية عسكرية في مواجهة الساحل الإيراني، ومورداً اقتصادياً جيداً وعلى الرغم من الروابط الاجتماعية التي تربط البصرة بهذا الإقليم، فإن طبيعة التكوين القبلي فيه، والطبيعة الجغرافية شبه الصحراوية، جعلت من خضوعه تلقائياً إلى بغداد أمراً عسيراً. وإضافة إلى ذلك، فإن الدولة العباسية نفسها كانت منشغلة بأوضاعها الداخلية حتى عن المناطق التي تحكمها العشائر في أطراف العراق. ولذا كان خضوع الأطراف العربية الصحراوية لبغداد خضوعاً اسمياً. ومن المؤكد أن السلطة في بغداد كانت على استعداد لقبول أيّ حاكم قبلي محلي يستطيع أن يبسط نفوذه على أي إقليم من هذا النوع ويساهم في حفظ الأمن ويمنع العبث في الأقاليم، وقد اتضح ذلك في وقوف العباسيين إلى جانب عبد الله بن علي العيوني عندما قرر القضاء على القرامطة، فقد أرسلوا له مساعدة عسكرية بقيادة البقوش. يقول ابن المقرب ملمحاً إلى التأييد الذي حضي به الأمير عبد الله بن علي من قبل الحاكم العباسي في بغداد:
ومالَ أميرُ المؤمنينَ بودهِ
إليهِ وسماهً زعيمَ الأعاربِ[2]
لا ريب أن قيام الدولة العيونية كان نتيجة لمجموعة من العوامل والظروف التي كانت تعيشها الدولة العباسية و القوى المحلية التي كانت تسيطر على إقليم الساحل الشرقي للجزيرة العربية، حيث إن الدولة العباسية في ذلك الوقت لم تزل تعيش أطوار ضعفها ولم يتغير الحال عما هو عليه في القرن الثالث الهجري ولم تزل الحركات الانفصالية والإمارات المحلية تتمرد على سلطة الدولة العباسية وتقوم بتأسيس كيانها الخاص وإن دعت في خطبة الجمعة للخليفة العباسي شكلاً لا مضموناً.
وهكذا كان حال إقليم الساحل الشرقي الخاضع آن ذاك للدولة القرمطية[3]، فقد ضعف شأن القرامطة فاقتطع الأمراء المحليون أجزاءها كأبي البهلول ابن العياش، والثعلبي، وعمت الفوضى أرجاء الإقليم قرابة الخمسين سنة حيث إن ابن العياش والثعلبي لازالا يُعتبران عند المؤرخين وعند السلطة المركزية في بغداد امتداداً للقرامطة، ولم يستطيعا محو ذلك عن أنفسهما حتى ظهر على وجه الأحداث الأمير عبد الله بن علي العيوني عام 462[4] فبدأ في قتال الأمراء المحليين واستعان بالسلطة المركزية حيث دام الصراع قرابة السبع سنوات استتب بعدها الأمر للأمير عبد الله وأعلنت نهاية الدولة القرمطية عام 469، فالمسافة الزمنية بين سقوط الدولة القرمطية الفعلي على يد الزعماء المحليين وقيام الدولة العيونية قرابة ستين سنة.
فتكون الأحداث قد جرت كالتالي: الخليفة صمصام الدولة يواجه القرامطة في معركة حاسمة عام 375[5] فيقتل مقدمهم، ويأسر جماعة منهم، وينهب سوادهم بهذه الهزيمة بدأ زوال ناموسهم وبدا الجموح القرمطي في الانحسار. ولكن ظهور الأصفر(الأصغر) بن أبي الحسن الثعلبي من بني المنتفق على مسرح الأحداث كان إيذاناً بذهاب دولتهم، إذ تمكن عام 398 من الاستيلاء على الأحساء والخطبة للخليفة العباسي.
لكن ذهاب عقيدتهم والقضاء على ما تبقى من نفوذهم ارتبط بظهور العيونيين بقيادة أميرهم عبد الله بن علي عام 469[6] .
- تأسيس الدولة العيونية:
ما أن انتصف القرن الخامس الهجري حتى نشبت الثورات في أرجاء بلاد البحرين، وبرزت الحركات الانفصالية، فبسط أبو البهلول العوام بن محمد بن يوسف الزجاج نفوذه على جزيرة أوال، وسيطر على القطيف يحيى بن العياش، كما طمع عبد الله بن علي العيوني في ملك الأحساء[7] التي كانت تحت حكم الثعلبي آنذاك حيث كان أول من استولى عليها بمعونة سلطان عمان في عام 398[8]. مع بداية العام 461هـ بدأ الأمير عبد الله بتجميع قواته المكونة من أبنائه، وأبناء عشيرته، من بني عبدالقيس، وبعض سكان المنطقة الذين رغبوا في مساندته، بشن الهجمات على أمير الأحساء الذي كانت تسانده بقايا الجيش القرمطي وبعض القبائل كالأزد، وبني عامر.
لم يستطع الأمير عبد الله من إلحاق الهزيمة بأعدائه وفرض سيطرته على الأحساء رغم محاولاته الكثيرة، فلم يجد أمامه إلا أن يطلب المساعدة من الدولة العباسية التي ما أن وصلتها رسله حتى استجابت بإرسال سبعة آلاف مقاتل، حيث وافق السلطان السلجوقي جلال الدولة أبو الفتوح ملكشاه على إرسالها لحرب القرامطة بقيادة إكسلار الذي توجه إلى الأحساء عام 469هـ (1075م) فوصل إلى القطيف وقرر احتلالها وطرد حاكمها ابن عياش الذي فر إلى جزيرة أوال. وبعد أن دخل القطيف واستولى على جميع ما كان يملكه ابن عياش، اتجه إلى الأحساء، وهناك اشترك مع جيش عبد الله بن علي في محاصرة القرامطة. استمر الحصار وطالت مدته، فطلب القرامطة الصلح لمدة شهر مقابل بعض مال يدفعونه، فقبل القائد السلجوقي على أن يعطوه ثلاثة عشر رجلاً رهائن لديه لحين دفع المال، فانطلق القرامطة بعد فك الحصار يجمعون السلاح والمؤن بحجة جمع المال المتفق عليه، وبعد أن جمعوا ما يكفيهم دخلوا المدينة وتحصنوا بها، وأعلنوا نقضهم للصلح المبرم بينهم وبين القائد السلجوقي وشريكه عبد الله بن علي، فما كان من الأخيرين إلا أن قاما بقتل الرهائن، وتشديد الحصار على القرامطة. ولما طالت مدة الحصار ودخل الصيف، بدأ الملل يدب في نفوس جيش الخلافة، وأصيب بعضهم بالحمى والملاريا، عندها قرر القائد السلجوقي الانسحاب والعودة إلى بغداد، بعد أن اتفق مع العيوني أن يبقي لديه مائتي مقاتل بقيادة أخيه البقوش.
بعد أن رحل القائد إكسلار وجنده، هجم ابن عياش على القطيف واستولى عليها، وطمع القرامطة والقبائل المؤيدة لهم في القضاء على عبد الله بن على[9] العيوني وبقية الجيش السلجوقي، فوقعت المعركة الحاسمة بين الفريقين، حيث حشد كل واحد منهما ما لديه من قوة واستعداد، حيث دارت المعركة حول القصر الذي يسكنه القرمطي[10] .فانتهت بانتصار الأمير عبد الله الذي تمكن أخيراً من بسط نفوذه على الأحساء، التي ستصبح اللبنة الأولى في بناء الدولة العيونية.
بعد الانتصار الكبير الذي حققه عبد الله بن علي العيوني على خصومه، أحس بأن القائد السلجوقي (البقوش) ينافسه على السلطة، حيث بدت مطامعه السياسية تتمثل في رغبته بإزاحة عبد الله بن علي، وانتزاع الأحساء من يده، فوقع الخلاف بينهما، وتطور إلى الحد الذي دفع بالأمير عبد الله بن علي العيوني إلى أن يقبض على القائد السلجوقي (البقوش) ويسجنه، ثم يأمر بقتله بعد ذلك.
أثار نبأ مقتل البقوش حفيظة الخلافة العباسية المتمثلة بالسلطة السلجوقية التي اعتبرت أن قتله تهديد لسيادتها ونفوذها على بلاد البحرين، التي تعتقد أنها أصبحت جزءاً من ممتلكاتها. فما كان من الخلافة والدولة السلجوقية إلا أن سارعت بتجهيز جيش قوامه ألفا فارس بقيادة القائد السلجوقي ركن الدين[11]، الذي وصل إلى الأحساء وحاصر عبد الله بن علي لمدة عام كامل استمرت خلاله المناوشات بين الطرفين، وبعد أن مل جنود السلاجقة من طول الحصار، خرج لهم عبد الله بن علي ومؤيدوه الذين تمكنوا من إيقاع الهزيمة بهم، وإبعادهم عن الأحساء [12].
- يقول ابن المقرب ذاكرا هذه الواقعة:
والشركسية إذ جاءت تطالبنا دم البقوش وفينا تَقْسِمُ القسما
- كما قال أيضاً:
ضربنا وجوه الشركسية دونه وأقفاءها بالسيف حتى تثلما [13]
لكن البعض يرى أن الحصار الذي دام سنة كاملة والذي تخللته الكثير من السجالات والمواجهات لم ينتهِ إلا بعد أن سلم لهم علي بن عبد الله نفسه خفية عن أبيه، فأخذوه وسجنوه في مدينة كرمان حتى تمكن من التخلص منهم بعد ذلك، واستدلوا على ذلك بقول ابن المقرب:
منا الذي جاد بالنفس الخطيرة في عز العشيرة حتى استرحل العجما[14]
قرر ابن عياش الذي تمكن من استعادة القطيف - كما مر بنا- أن يهاجم عبد الله قبل أن يسترد أنفاسه من حروبه، ويستفحل أمره، فزحف بجنده إلى الأحساء ووصل إلى مشارفها عند موضع يقال له ناظرة فخرج له الأمير عبد الله بن علي بجيشه إلى ناظرة حيث دارت هناك معركة انتهت بهزيمة زكريا بن يحيى العياش، الذي فر هارباً إلى القطيف، فتبعه عبد الله بن علي، وتمكن من دخول القطيف والاستيلاء عليها بعد أن فر منها زكريا بن عياش عبر الخليج إلى جزيرة أوال. فجهز عبد الله بن علي جيشاً بقيادة ابنه الأكبر الأمير الفضل، الذي عبر إلى جزيرة أوال و هناك دارت معركة بين الطرفين، انتهت بهزيمة جيش ابن عياش، واستيلاء الفضل على الجزيرة التي هرب منها زكريا بن عياش إلى ميناء العقير، حيث لقيه عبد الله بن علي بجيشه، فتمكن من هزيمته وقتله سنة 470هـ (1077م) وبذلك يكون الأمير عبد الله قد وحد معظم بلاد البحرين (الأحساء، والقطيف، وجزيرة أوال ) تحت حكمه، وإلى ذلك يشير ابن المقرب بقوله:
- صراع الأمراء العيونيين وتعاقبهم على السلطة:
لما ملك عبد الله بن علي الأحساء قطع ما كان لرؤساء بني عامر من العوائد، والجرايات التي أجريت لهم أيام القرامطة، فأجمعوا على حربه، فاقبلوا ومعهم خلق كثير من البوادي، فالتقوا في فقور السهلة، يرى (صاحب كتاب تحفة المستفيد) أنه يوجد جنوبي قرية الجفر نخيل تعرف بالفقر وبالقرب منها وتقع جنوباً غرباً قرية غامرة تسمى السهلة، والمنسوب إليها يسمى السهلاوي فلعل الواقعه كانت هناك.
وأقبل بنو عامر يسوقون الإبل أمامهم، وصاحوا عليها فكانت تدق الجموع. وخرج عبد الله بن علي لقتالهم، ولما رأى ما تفعله الإبل بالناس، أمر بضرب الدبادب والأبواق في وجوهها فنفرت ورجعت على أعقابها، فحطمتهم فانهزموا وحمل عليهم عبد الله بن علي فقتلهم قتلاً ذريعاً، ولم ينجُ منهم إلا رئيسهم أحمد بن مسعر، وأبو فراس بن الشباش، في جماعة قليلة هربوا إلى العراق، وجهز عبد الله بن على نساءهم وذراريهم والضعفة منهم ووجههم إلى عُمَان[16] .
هكذا يكون الأمير عبد الله بن علي تخلص من خطرين محدقين به الأول القائد العسكري السلجوقي ركن الدين الذي جاء مع قوة عسكرية قوامها ألفا فارس، والثاني القوى المحلية القبلية المتمثلة في بني عامر.
بهذا يكون الأمير عبد الله أقام دولة قوية، مرهوبة الجانب، جعل عاصمتها الأحساء دام حكمه لها قرابة النصف قرن كما ذكر البعض، انتعشت فيها الزراعة و الحركة التجارية وساد نوع من الرخاء والاستقرار الاجتماعي.
توفى عبد الله في حدود سنة 500هـ بعد أن حكم ما يقرب ستين عاماً وخلفه ابنه الفضل الذي تعقب المفسدين وقطاع الطرق حتى استتب الأمن في عهده [17] .
وشرع الحمى لإبله وإبل المستضعفين من رعيته، فحمى المنطقة الممتدة من ثاج شمالاً إلى يبرين جنوباً، وكان لا يقيم في بلد واحد، بل كان كثير التنقل والتجوال، فهو مرة في الأحساء، ومرة بالقطيف، ومرة بجزيرة أوال، وعلى ما يبدو أنه أسند الأمور الداخلية لأخويه وابنه، فاستمر أخوه علي أميراً على جزيرة أوال في حين جعل أخاه الحسن أميراً على الأحساء، بينما محمد يخلفه على القطيف أثناء تنقله بين مدن بلاد البحرين وبذلك يكون هو قد تفرغ لإدارة شؤون الدولة العيونية التي اتسعت في عهده، وتبوأت مكانة مرموقة بين القوى المحيطة بها[18] .
ويعتقد أن الفضل تولى الأمر بعد والده لمدة تقارب عقدين من الزمان على أقل تقدير[19] .
تولى الحكم بعد وفاة الفضل بن عبد الله ابنه أبو سنان محمد الذي اتخذ من القطيف عاصمة لدولته، وعين عمه علياً أميراً على الأحساء، وأخاه غريراً بن الفضل أميراً على جزيرة أوال وكان أبو سنان مشهوراً بالشجاعة والكرم البالغ الذي تعدى إلى حد الإفراط والتبذير، فيروى أن عامله على جزيرة أوال أتاه بأموال كثيرة فيها اللؤلؤ والذهب والفضة، وصادف وقتها أن كان في بلاطه شاعر من أهل العراق يعرف بالثعالبي يمدح الأمير بقصيدة نالت إعجاب أبي سنان فأمر عامله أن يسلم جميع الأموال التي جاء بها للشاعر، فاستعظم عامله ذلك، فسقط مغشياً عليه، ومات غماً من ساعته، وفي ذلك يقول ابن المقرب:
منا الذي مِن نداهُ مَاتَ عاملهُ غماً وأصبح في الأموات مُخترما
يبدو أن ذلك دليل على أن الدولة العيونية شهدت استقراراً سياسياً وانتعاشاً اقتصادياً في عهد الأمير أبي سنان، الذي كان بلاطه حافلاً بالعديد من شعراء عصره وأدبائه[20] .
استمر حكم أبو سنان محمد بن الفضل ثماني عشرة سنة وكان له وزيراً خاصاً يسمى الحاج علي بن الفارس الكازروني، ومات أبوسنان مقتولاً على يد عميه أبي منصور وأبي علي، وكان هذا الحدث بداية سيئة في الأسرة العيونية إذ ظل التطاحن قائماً فيما بينهم يقتل بعضهم بعضاً فيما بعد[21] .
وقد لاحت علامات عدم الاستقرار في عهد الأمير أبو سنان بعد أن اشتد الصراع بينه وبين عميه علي والحسن وذلك إما لخلافات إدارية تدخلت فيها المصالح والنقود أو لأنهما يرون أنهم أحق بالحكم من ابن أخيهما.
ازداد الصراع بين الأمير وعميه، وبلغ أشده بعد أن نزل زعيم بني عامر عفيلة بن شبانة بجماعته وإبله على القطيف بغرض الانتجاع فيها خلال فصل الصيف فما كان من الأمير أبي سنان إلا أن طلب منه الرحيل، إلا أن غفيلة رفض ذلك، فخرج له الأمير محمد بن الفضل ودارت معركة بين الطرفين وانتهت بهزيمة بني عامر الذين لجؤوا إلى الأحساء، لكن الأمير العيوني خسر معظم جيشه. عندها أحس أبو سنان أن لعميه يداً فيما حدث له، واتهمهم بالتآمر مع غفيلة ضده خاصة بعد أن لجأ الأخير إلى الأحساء، إثر هزيمته، فقرر محاربة عميه وجهز جيشاً زحف به على الأحساء 538هـ(1143م) فخرج له عماه ودارت معركة طاحنة بينهما، قتل فيها الأمير أبو سنان محمد بن الفضل وأخوه جعفر، وعاد الجيش المنهزم بجثتيهما إلى القطيف حيث دفنا فيها[22] .
لما مات أبو سنان بايع أهل القطيف والجند الذي فيه غرير بن محمد، وبايع أهل الأحساء والجند الذي فيه علي بن عبد الله، لأنه أكبر أفراد الأسرة المالكة، فتجهز غرير بن محمد لغزو عمه بالأحساء بجيش كبير، فاستعد الأمير علي ويكنى أبو منصور للحرب وفتح خزائن الأطعمة، وفرقها على السكان، وأعطى كل بيت ما يكفيهم سنة، وخرج أبو منصور بمن معه من الجند، لصد الأمير غرير، فالتقى الجمعان بموضع في الأحساء يعرف (بالسليمات) واشتد القتال، وقتل الأمير أبو منصور، وانهزم جنده[23] .
لم تستمر مدة حكم أبي فراس غرير بن الفضل طويلاً، فقد توفى سنة 539هـ(1144م) وقيل إنه قتل على يد ابن أخيه، الذي تولى السلطة من بعده، ولصغر سن الأخير، فإنه لم يتمكن من ضبط الأمور، وبالتالي ساءت الأحوال، واضطربت البلاد الأمر الذي سهل على عم ابيه الحسن بن عبد الله أن يستولي على القطيف، بمساعدة ابن أخيه أمير الأحساء، وبذلك تم إبعاد آل الفضل بن عبد الله عن الحكم في بلاد البحرين، التي سيطر عليها أبناء علي بن عبد الله في الأحساء، والأمير الحسن بن عبد الله في القطيف وأوال[24] .
بعد قدوم الأمير أبو علي الحسن بن عبد الله من الأحساء لبسط نفوذه على القطيف التي ساءت الأمور فيها بعد موت غرير إتخذ من القطيف عاصمة لملكه[25] . الذي اتسم بالاستقرار، عدا ما حدث في بداية عهده من تعرض جزيرة أوال لهجمات متعددة من حاكم قيس أبي كرزاز بن سعد بن قيصر، الذي كانت تدفعه مطامعه الاقتصادية للاستيلاء على جزيرة أوال لما تتمتع به من موقع استراتيجيي لسيطرتها على معظم الطرق التجارية في الخليج العربي. لكن العيونيين تمكنوا من هزيمة جيش ملك قيس، وقتل عدد كبير منهم، وأسر نام سار قائد هذه الحملة والذي عفا عنه الأمير الحسن بن عبد الله وأكرمه، وأعاده إلى أخيه في جزيرة قيس[26] .
بعد أن انتصر أبو علي الحسن بن عبد الله في معركة سترة، ساد الأمن والاستقرار ما تبقى من عهده. وشهدت البلاد ازدهاراً وانتعاشاً في الأوضاع الاقتصادية تمثل في حدوث حركة تجارية نشطة تطلبت سك نقود تفي بمتطلبات السوق المحلية في مدن بلاد البحرين، ولعل شخصية الحسن بن عبد الله لعبت دوراً كبيراً في حدوث الاستقرار والانتعاش الاقتصادي الذي شهدته بلاد البحرين خلال مدة حكمه، فعلى ما يبدو أنه كان يتمتع بحنكة وخبرة في إدارة شؤون الدولة اكتسبها خلال المدة التي قضاها منذ عهد والده المؤسس وحتى توليه زمام الحكم إلى جانب ذلك فهو يتمتع بسمو النفس ونبل العاطفة، كان محباً للخير، يقدر الرجال كريماً[27] .
في سنة 549هـ (1154م) توفى الأمير الحسن بن عبد الله العيوني بعد أن حكم بلاد البحرين (القطيف وأوال) مدة إحدى عشرة سنة، تاركاً فراغاً سياسياً كبيراً لم يستطع أبناؤه الثلاثة شكر، وعلي، والزير ملأه لصغر سنهم.مما شجع الطامعين من أفراد البيت العيوني اقتناص هذه الفرصة، وفرض سيطرتهم على القطيف وأوال، حيث تمكن غرير بن منصور بن علي بن عبد الله العيوني من الاستيلاء عليهما، وكانت مدة حكمه سبع سنين تمكن بعدها هجرس بن محمد بن الفضل من قتله، والقبض على زمام السلطة سنة 556هـ(1160م)[28] . ولازالت الأحساء تحت حكم أبناء عمومتهم من العيونيين.
تمكن شكر بن الحسن بن عبد الله من استعادة ملك والده بعد وفاة هجرس بن محمد سنة 557هـ(1161م)، حيث تمكن هو وإخوانه من تثبيت حكمهم في القطيف وأوال فقد استمرت مدة حكم الأمير شكر بن الحسن ثمانية عشر عاماً وبعد وفاته سنة 575هـ(1179م)خلفه أخوه علي بن الحسن الذي لم يستمر في الحكم طويلا، حيث قتله أخوه الزير بن الحسن سنة 575هـ، الذي تولى الحكم لمدة سنتين قتل بعدها فساءت الأوضاع في القطيف وأوال، واشتد الصراع بين أفراد البيت العيوني، وكثر بينهم القاتل والمقتول من أجل السلطة[29] . فأصبحت بلاد البحرين مقسمة بين أفراد البيت العيوني، لا يجمع بينها إلا الاختلاف والتناحر.
لكن فجأة تخرج شخصية تحتل مكانة لها في الأحداث، بظهور عماد الدين محمد بن أبي الحسين أحمد بن أبي سنان محمد بن الفضل في تلك الفترة الحرجة، حيث أدرك بأن الدولة العيونية تسير في طريقها للانهيار والزوال نتيجة للصراعات الداخلية بين أفراد البيت العيوني من جهة، والأخطار الخارجية المحدقة بها من جهة أخرى. فعقد العزم على انتزاع السلطة من آل أبي منصور علي بن عبد الله، الذين كانت لهم اليد الطولى في معظم بلاد البحرين، تمكن محمد بن أحمد من الاستيلاء على القطيف سنة 587هـ(1191م) بعد أن أخرج منها أميرها آنذاك عبد الله ابن منصور بن علي، ثم عبر إلى جزيرة أوال وضمها إلى ملكه الذي أخذ يتسع شيئاً فشيئاً، حتى شمل جميع بلاد البحرين بعد استيلائه على الأحساء سنة 599هـ(1202م) ليعيد بذلك وحدة الدولة العيونية وإعادة هيبتها إلى وسط الجزيرة العربية، وعمان، وأطراف بلاد الشام و العراق.
في هذه الفترة توطدت العلاقة بين الأمير عماد الدين محمد بن أبي الحسين مع الخليفة الناصر لدين الله الذي أعانه على توحيد بلاد البحرين والوصول إلى سدة الحكم وأوكل إليه خفارة الحاج، إذا خرج من بغداد حتى يصل إلى مكة ويرجع منها وقرر له الخليفة كل سنة ألفاً وخمسمائة حمل من البر، وألفاً ومائتي ثوب من عمل مصر[30] .
فقد استطاع أن يبسط يده على القبائل التي كانت تشكل خطراً على قوافل الحج والتجارة، حتى عم الأمن والرخاء كما يرى الشاعر العيوني ابن المقرب:
كانت به البحرين جنة مأربٍ أيام بهجتها وطيب حياتها[31]
وقد يعكس شعر ابن المقرب صرامة الأمير محمد وحزمه في اتخاذ القرار وقمع المتمردين والمتآمرين، يقول:
أجرى نزاراً كيف شاء ويعرباً بالكره من مُرادها وعُتاتها
ما حاربته قبيلة إلا غدت أحياؤها وفداً على أمواتها[32]
لكن الحال لم يدم خصوصاً في وسط مجموعات متنافسة متناحرة، فقد نشط خصومه، بنو عقيل في تدبير المؤامرات ضده حتى تمكنوا من التخلص منه باغتياله سنة 605هـ(1208م)[33] .
يقال في قصة اغتياله: أن راشداً بن عميرة بن غفيلة رئيس قبيلة بني عامر اتفق مع غرير بن الحسن العيوني على خطة لاغتياله، على أن يكون لراشد بن عميرة جميع ما يملكه الأمير محمد من الأموال والذخائر، ولغرير حكم البلاد، فتمكنوا من قتله وقيل أن ذلك كان على يد غرير بن الحسن بن شكر بن علي بن عبد الله العيوني الذي تولى السلطة بعد ذلك.
- نبذة عن الشاعر ابن المقرب العيوني:
لا يمكن الحديث عن الدولة العيونية إلا ويتبادر إلى الذهن شخصية فذة وعبقرية شعرية رائعة،عرف ولقب بابن المقرب العيوني، عدَ من فحول الشعراء وله الكثير من الفضل في حفظ تاريخ الدولة العيونية بأحداثها وشخصياتها،
إنه الشاعر الكبير علي بن عبد الله ابن محمد بن إبراهيم بن محمد الربعي، البحراني، العيوني، الأحسائي[34] ، ومؤسس الدولة العيونية هو الجد السادس للشاعر ابن المقرب[35] .
أطلق عليه الربعي نسبة لقبيلة ربيعة، و ربيعة جد شاعرنا الأعلى، وقبيلتة فخذ من عبد القيس العدنانية، ذات الأمجاد والذائعة الصيت في الجاهلية، والإسلام[36] .
البحراني نسبة إلى الاسم القديم لمنطقة الساحل الشرقي للجزيرة العربية، العيوني نسبة إلي قرية العيون التي تبعد خمسة عشر كيلو متراً عن مدينة الهفوف الحالية، والأحسائي نسبة لمدينة الأحساء عاصمة الدولة العيونية، ومحل ولادته وتربيته.
ولد حوالي سنة 572هـ في بلدة العيون المعروفة بالأحساء وتوفي حوالي سنة 630هـ[37] .
نستطيع أن نتعرف على ملامح شخصيته من أشعاره وقصائده، فقد كان عزيز النفس، سامي الهمه طموحاً إلى المجد، يقول في إحدى قصائده:
|
يظن نحولي ذو السفاهة والغبا
غراماً بهندٍ واشتياقاً إلى دعدِ
ولم يدر أني ماجد شف جسمه
لقاء همومٍ خيلها أبداً تردي
قليل الكرى ماضٍ على الهول مُقدمٌ
على الليل والبيداء والحروالبردِ
عدمت فؤاداً لا يبيتُ وهمهُ
كرامُ المساعي وارتقاءُ إلى المجدِ[38]
|
جديد الموقع
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي
- 2025-12-27 العالم الرقمي و خصوصيتنا