أقلام وكتابات
2017/10/02 | 0 | 1353
الرهبة من شبح الموت
بسم الله الرحمن الرحيم: ... «184» كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ «185» ... صدق الله العلي العظيم – آل عمران.
من الملاحظ على سماحة العلامة السيد منير الخباز (حفظه الله) أنه يُقَسِّم محاضراته تقريبا إلى ثلاثة أثلاث؛ ثلثين لمحاضرة علمية (قد نتفق أو نختلف - ولا بأس)، وثلث للمادة الكربلائية. في العادة استمع للثلثين الأولين بورقة وقلم وأكتب ملاحظاتي ليس رغبة في تقديم اختصار للمحاضرة لأن هناك من يقوم بالأمر على أكمل وجه ولكن لمحاولة التوضيح أو الإضافة أو النقد (البنّاء طبعا).
ريتشارد دوكنز يتهم الدين أنه يستغل الموت لتخويف الناس ويقول إن الملحدين لا يخافون من الموت؟! يبدو أن الحيوانات ليست ملحدة لأنها تخاف من الموت وتهرب منه أو أنها متدينة وتنزل عليها أنبياء؟! الخوف من الموت فطرة زرعها الله في جميع المخلوقات للحفاظ على النوع والنفس ولإعمار هذه البسيطة. في الواقع، المتدينون أقل الناس خوفا من الموت حتى الذين ضلوا منهم ليفجروا أنفسهم في أبرياء. منطق دوكنز هنا ساقط ولا يقوم، ولكن علينا أن نلحظ أن الكثير من الديانين يمارسون المماطلة والخمول والاتكالية في كثير من الأمور لدرجة أن يعطل البعض منهم عقله إذ يريد أن يدخل الجنة بجهود غيره، وإذا لاحظ دوكنز مثل هذه الممارسات الظاهرية فلا ملامة عليه. يبدو أنه خلط بين الدين وبين أتباع الأديان والتبس عليه الأمر. لقد لاحظت ما يرمي إليه دوكنز في المسلمين اللاجئين في بلدان الغرب؛ سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية حيث يعيش أكثر من 80% منهم على المعونات الحكومية والإحسانية ويرفض الكثير منهم العمل بحجة أنْ لا فائدة منه لأن المحصلة النهائية لا تختلف كثيرا سواء عمل أو لم يعمل. وسأذكر لكم قصة، واعتذر عن الإطناب، ولكن لعموم الفائدة إن شاء الله. عندما كنت في كندا التي تعتبر دولة اجتماعية (social) فلا هي بالشيوعية ولا هي بالرأسمالية ونظامها مقارب تقريبا لأنظمة الدول الإسكندنافية، كنت أعمل يوميا، ومع المواصلات أقضي ما يقارب 12 ساعة ذهابا وإيابا، وكان عندنا جار مسلم عربي لاجئ ولم يكن يعمل. أنا ادفع إيجار البيت، وهو لا يدفع لأن الحكومة تكفل له هذا الشيء. أنا أدفع ضرائب (مجموع الضرائب يصل إلى أكثر من 50%) وهو لا يدفع بل تعطيه ما يلبي احتياجاته للزاد. في النهاية، الفرق بيني وبينه أن يدخل لي 500 دولار أكثر منه في جيبي. فقال لي متكهما: "وِلَكْ أبو مصطفى، على هالمراكض والتعب أنت تحصل أكثر مني بس 500 دولار". قلت له: "يابا، أنا ما أعيش على الإحسان ونفسي تأبى هذا الشيء، وكذلك عندي أولاد بالبيت أريد أن أصير لهم قدوة حسنة". المهم، صدفة ذهبت لأزور ابني بأمريكا في الجامعة التي يدرس بها في كولورادو وقابلت رئيس قسم الحوسبة لأتناقش معه بخصوص الولد والمقررات، وأثناء الحديث اكتشف أنني أتكلم اللغة نفسها وأخذ يسأل كيف وأين فعرض عليّ أن أعمل معهم في أبحاثهم في مشروع لناسا لمحاكاة تصعيد مركبات فضائية للمريخ مأهولة وغير مأهولة ومنها أيضا مواصلة مشوار دراساتي العليا، فوافقت. أخونا الذي بكندا سمع وتحمس وأراد اللحاق بنا. قالوا له: طيب تعال اختبر لنرى كفاءتك في تخصصك. اختبر ولم ينجح، وبعد محاولات مضنية يئس أن يتخطى الامتحان. كيف يتخطاه وهو لا يزاول مهنته، وكيف يتطور ويلاحق المستجدات وهو قابع في بيته؟! الغرض، عندما ذهبت لكولورادو 80% من الجالية الإسلامية يمشون على نفس المنوال. كل هذه الأمور تُختزن في قواعد بيانات إحصائية يطلع عليها الجميع ويتم نشرها سنويا، على الأقل لتبرير ميزانية الولاية. هذا الذي من ضمن الثمانين بالمئة، جالس ببيتهم ويأتي الحسينية ويبكي بحرقة لأنه يريد أن يكون من ضمن الغر المحجلين؛ يريد معاملة ديلوكس في الجنة بدون أي عمل في الدنيا لأن هناك واقعا من خدعه وقال له الدمعة على الحسين (ع) تبني لك قصور في الجنة، وهذا المسكين يصدق هذا القول ولا يلتفت لقوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. واقعا، هؤلاء يتعرضون إلى غش ويعطون ريتشارد دوكنز وأمثاله مسوغات ودلائل على ادعاءاتهم. يابا لا الرسول (ص) ولا الإمام علي (ع) ولا أحد من الأئمة الأطهار قعد ببيتهم ليعيش على الصدقات والإحسان حتى يُذكر أن الإمام محمد الباقر (ع) كان يتأبط اثنين من غلمانه لمباشرة أعماله بنفسه حتى تهكم عليه أحد المعاندين، فرد عليه الإمام أنه يعمل بنفسه لكيلا يحتاج لأمثال ذلك المتهكم.
بعد المقدمة تطرق سماحته للحياة وطاقة الروح، وقد أشار إلى القانون الأول للثيرموديناميكية (الديناميكا الحرارية) وهي أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث وهذا قانون أساسي في الفيزياء يتعلمه طالب المرحلة المتوسطة، وذكر أيضا برنامج الجينات التي تعمل على بناء الكائن الحي وليته أشار لقانون الديناميكا الثاني والذي ينص على أن العشوائية (الفوضى) لا يمكن لها أن تخلق نظاما، بل العكس؛ الفوضى إما تبقى على حالها في أحسن الأحوال أو تزيد في معظم الأوقات (المصدر الخامس يناقش هذه القضية)، وهذا يعني أنه لا يمكن لنظام الجينات العشوائي أن يخلق نظاما بعده وإلا خالفنا هذا القانون. الانتقال من حالة فوضى إلى نظام بحاجة لتدخل مباشر من كيان عاقل أو مسبب ولا يمكن أن نتوقع نظاما يأتي من عشوائية لما في ذلك مخالفة لقوانين الطبيعة: فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا. بعدها تطرق السيد لنظريات علماء النفس مثل فرويد وكيف اتفق مع المرحوم الشيخ ملا صدرا محمد بن إبراهيم القوامي الشيرازي المتوفي عام 1640م، ونقاش سماحته في هذه القضية واضح وليس بحاجة إلى تفصيل أكثر، ولكن أود أن أشير أنَ الأمراض النفسية تأتي على نوعين؛ هناك ما أشار له سماحة السيد رجوعا لفرويد وهو مرض النفس بعيدا عن أي خلل فسيولوجي وهذا أمره عويص جدا (psychological)، وهناك أيضا أمراض نفسية تعود أسبابها لخلل فسيولوجي في الدماغ مثل أمراض الصرع والفصام وهذا ما يطلق عليه اصطلاحا (psychiatric) ولا أجد له مرادفا باللغة العربية، وعادة يكون علاج مثل هذه الأمراض أكثر سهولة من الأمراض النفسية المحضة وذلك لمعرفة المسبب لها ومحاولة مكافحته. أما بخصوص الروح، فعلينا أن نلزم الناس بما ألزموا به أنفسهم لأن ليس كل البشر يؤمنون بوجود هذه الروح، كما أن هذه الروح تخمد أحيانا ولا تشعر بأي شيء حولها، ومن وقع تحت تأثير التخدير الكامل أثناء العمليات يعرف ما أقول حيث يعيش المرء حالة من السبات (oblivion) التي لا يشعر فيها بوجوده لا من خلال جسد أو روح، وربما تكون هناك إشارة لمثل هذا الشعور في القرآن: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) وكأن هذه إشارة لفقدان الشعور بالزمن.
في القسم الثاني من المحاضرة تطرق سماحته للثوابت الكونية الستة ومن ضمنها الثابت الكوني الدقيق الذي يعمل كمضاد للجاذبية، وهو من الدقة بما يفوق كل أجهزتنا الحاسوبية وكل تقنية وصل إليها الإنسان، وهذا واقعا أمر في غاية العجب. وتساءل السيد إن كانت الأهداف تتحقق في حياة واحدة، والمنطق والتجربة تقف في صالح ما يطرحه سماحة السيد. الطلاب يذهبون للجامعة؛ من يثابر ينجح ومن يتخاذل لا يحظى بالتخرج، وأيضا كلما ثابر الطالب حصل على فائدة أكثر وحصد درجات أعلى. النظام الجامعي ابتكار بشري لتنظيم الأمور، ومن الأولى أن يبتكر البارئ عز وجل ما يصون حقوق البشر، على الأقل من دواعي العدل وذلك من خلال تعويض المظلوم ومعاقبة الظالم كما يتعامل أهل القضاء اليوم مع الناس.
في القسم الثالث، تطرق سماحة السيد لديمومة الحدث، وكم كنتُ أتمنى لو أسهب قليلا، ولكن هو ملتزم بوقت محدود ووعي جمهوري معين لا يمكن له أن يتجاوزه. العالم الفيزيائي الأمريكي المميز براين گرين أخذ يشرح هذا الشيء في كتابه المعروف بالنسيج الكوني (موجود في المصدر الأول) من خلال باب كامل مقسم على ثلاثة فصول فيما يقارب مئة صفحة، والشكر للسيد الذي اختصر مثل هذه المفاهيم في وقت قصير جدا. السيد قال إن الكون يتمدد بسرعة الضوء وفي ذلك عمق فسلفي دفين. في الواقع، بعض أجزاء الكون تتوسع بأسرع من الضوء وبعضها بسرعة الضوء وبعضها أبطأ من الضوء، والمصادر من الثاني إلى الرابع تتحدث عن مثل هذه الخصائص ويبدو أن سماحته أراد أن يختصر الموضوع ليصل للنتيجة الحاسمة، ولكن علينا ملاحظة أن تدفق الزمن (وهو جزء لا يتجزأ من الكون) يسرع بسرعة الضوء، ومجازا يطلق العلماء على هذه الظاهرة أن الكون يسير بسرعة الضوء وذلك رجوعا إلى أحداث الكون المتعلقة بالزمن. وبغية للتوضيح، نقول إن الزمن يسرع بسرعة الضوء وسرعتنا التي نسير بها تضادد سرعة الزمن؛ كلما سرعنا قل تأثير الزمن علينا، أي أن كل سرعة نسرعها تطرح من سرعة الزمن ألا وهي سرعة الضوء، والفارق هو الزمن الذي نشعر أو نتقدم به. لذلك، لو سرعنا بسرعة الضوء فإن الزمن حينها يتوقف عندنا لأننا وصلنا للسرعة المعاكسة لسرعة أحداث الكون، فتكون حينها محصلة الزمن صفرا. أما إذا استطعنا تخطي سرعة الضوء فإننا في الواقع نتجه نحو الماضي وليس نحو المستقبل، وهكذا يظن بعض العلماء في لو أننا قدرنا على صنع هذه الآلة فإننا حينها سنستطيع الذهاب للماضي، ولا أظن أن هذا متاح اليوم أو سيتاح في المستقبل ولو كان كذلك لاستقبلنا كل يوم زوارا آتين من المستقبل. ومن يرد أن يتعرف على المزيد فليتواصل معي مباشرة لأنني الآن مشغول بتأليف كتاب يتطرق لمثل هذه القضايا وأكون من الشاكرين لمن يطلع عليه مسبقا وذلك طلبا للاستفسار ومعرفة ردود الفعل واكتشاف الأخطاء المطبعية والأغلاط العلمية والمغالطات المنطقية.
اعتذر للإطالة وأرجو ممن يرد النقاش أن يرجع للمحاضرة المشار لها هنا ضمن المصادر لأنه حصل من قبل سوء تفاهم وتواصل مع آخرين استمعوا لمحاضرة مختلفة وكانت في نفس الليلة عن تلك التي استمتعت إليها ومن خلالها كتبتُ، ولكن محتوى المحاضرتين كان مختلفا بصورة كبيرة وذلك لأن سماحة السيد جزأها إلى قسمين، ولم أكن أعلم بذلك.
جديد الموقع
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي