2017/02/06 | 0 | 1935
وهم الانتباه
يروى أن المسلمين نزعوا من جسم الإمام علي بن أبي طالب (ع) سهما أثناء صلاته لأنها الطريقة الوحيدة التي يتوجه بكامل حواسه لله سبحانه وتعالى، ومنها لم يلتفت إلى أمور دنياه أو حواسه بالألم؛ وبعيدا عن الاعتقادات الدينية والانحيازات العقائدية، يعيش أيضا بعض ممارسي رياضة اليوغا حالات من البعد عن الماديات والتركيز على ما ورائها.
في مرة من المرات، وتقريبا عام ١٩٩٨ في مدينة تلسا بولاية أوكلاهوما، نشب حريق في مجمعنا السكني ولكني لم انتبه إليه إطلاقا بالرغم من الإزعاج الخارجي ولهيب النار الذي وصل عنان السماء وصوت سيارات المطافئ والحركة الغير طبيعية التي لم تكن تبعد عنا أكثر من ٥٠ متر، والسبب في ذلك أنني كنت منغمسا في حل مسألة حاسوبية، حيث لم ألحظ أي شيء يدور حولي، ولو لم تنتبه زوجتي، والتي كانت نائمة واستيقظت، على الضجيج لما علمت بما حدث. الحمد لله الذي أنقذ زميلنا وصديقنا سعيد محمد الثنيان (أبو محمد) والذي أكلت النار شقته عن بكرة أبيها بعد أن أنقذ المرأة العجوز التي كانت تعيش فوق شقته.
هناك حالة نفسية معينة تطرأ على أكثر الناس في حال التركيز على أمر ما إذ لا يمكنهم مع هذا التركيز للانتباه لما يدور حولهم ولكي تُبان وتُؤكد هذه الحالة، قام العالمان النفسيان في جامعة هارفارد دانيال سايمون (Daniel Simon) وكرستوفر تشابريس (Christopher Chabris)؛ موجودان في المصدر الثاني والثالث على التوالي، بتجربة معينة؛ موجودة على اليوتيوب في المصدر الرابع، ولكي تشارك معنا في التجربة وقبل أن تواصل القراءة، اذهب للفيديو وستجد فريقين (أحدهما يرتدي القميص الأبيض وآخر يرتدي القميص الأسود) وما عليك سوى عد كم مرة يمرر الفريق الأبيض الكور بينهم، ونأمل أن تجيد العدّ وتأتي بالعدد الصحيح. رجاء، توقف عن القراءة الآن وعدّ التمريرات التي قام بها الفريق الأبيض وثم عد لمواصلة القراءة، وسننتظرك إن شاء الله، وهذا رابط مباشر للفيديو هنا https://www.youtube.com/watch?v=IGQmdoK_ZfY.
هل عددت كم مرة مرّر الفريق الأبيض الكرة فيما بينهم؟ واقعا، ليس هذا هو المطلوب، ولكن هل انتبهت للغوريلا التي أتى في وسط الفريقين وتخللهم وأخذ يضرب على صدره؟ إن لم تنتبه، عد للفيديو وشاهده من جديد وركز على الغوريلا. تُسمى هذه التجربة "الغوريلا الخفي"، وهي من أشهر التجارب التي تثبت نظرية "وهم الانتباه" إذ يتوهم المرء أنه مركز على كل الأمور ولكن في الواقع هو لا يركز إلا على ما يريد ويهمل الكثير من الأمور العابرة والتي لا يعيرها اهتماما أو ربما لا يلاحظها إطلاقا. نحن نكون واثقون من أنفسنا أننا على وعي تام لكل ما يحدث أمامنا، ولكن الواقع عكس ذلك.
يقول دوبلي صاحب المصدر الأول هذه القضية مشابهة لقضية "الفيل في الحجرة" حيث لا ينتبه إليه أحد لأن الأمر محظور على الجميع بالرغم من وضوح القضية، وقد يأتي أحد من الخارج ليكتشف أمر هذا الفيل ولكنه يلاقي معارضة منقطعة النظير من جالسي هذه الحجرة لأنهم برمجوا أدمغتهم على عدم وجود هذا الفيل الضخم، ومثل هذه الأمور تتجلى عندما تكون هناك مثالب في معتقد ما ولا يراها أصحابه ولكن تكون الأمور جلية لكل مشاهد خارجي، وما يضحك أكثر في هذه القضية أن الذي يرى الفيل في حجرة غيره لا يرى الدينصورات في حجرته هو.
ذكر دوبلي بعض القصص الواقعية والتي حدثت وتسببت في إفلاس بعض الشركات التي ركزت على أهداف معينة حيث أعماهم الأمر عن قضايا أخرى قاتلة، ومثل هذه المؤسسات شركة الطيران السويسرية التي حاولت التوسع باللتيا والتي إلى أن خسرت كل مواردها دون أن تلحظ، إلى أن أعلنت إفلاسها عام ٢٠٠١م. ولو نظرنا حولنا اليوم لنجد هذه الأمور تتكرر وبكثرة في القضايا السياسية والدينية وغيرهما من الأمور، والسعيد من اتعظ بغيره دون الحاجة لأن ينبئه المخلصون، ليتهمونهم لاحقا بالخيانة والخروج عن الجادة فقط لأنهم استطاعوا رؤية ما لم يره الأكثرون.
القصة لا تنتهي بتعامينا عن قضايا ضخمة نحاول تجاهلها عمدا أو جهلا، الموضوع أكبر مما نتصور حيث أننا في كثير من الأحيان نهمل ونتقاضى عن أمور مفصلية حيث تكون نتائجها موت حتمي لا مفر منه. هذا يحدث حينما نظن جهلا أننا ملمّون بكل ما يدور حولنا.
ما هو المطلوب منا للتعامل مع مثل هذه الأمور؟ هناك نصائح وربما مسكنات على الأقل إذ لا نستطيع منفردين أن نرى مثل هذه الأمور إلا إذا وحدّنا جهودنا وضافرناها للمصلحة العامة بعيدا عن المصالح الخاصة الضيقة، كتلك التي أدّت في النهاية إلى أكل الثور الأحمر. علينا أولا أن نطهّر أنفسنا من الظن بأننا واعون لكل ما يحدث حولنا وأننا أذكياء ولا يمكن أن تمرّ علينا مثل هذه الأمور. ثانيا، علينا أن ندرس جميع الاحتمالات حتى التي نراها غير ممكنة. ما الأمور التي لا نتوقعها ولكن حدوثها وارد؟ ما الذي يتربص لنا وبنا وراء الستار؟ ما الشيء الذي لم ينتبه له أحدنا لغاية الآن؟ ركز على الهدوء والصمت كما تركز على الفوضى والإزعاج. ركز على الجوانب كما تركز على القلب. فكر فيما لم تفكر به من قبل. في أحيان كثيرة، تكون هناك أشياء كبيرة قد لا نلاحظها أو نشاهدها وهذا لا يعني أنها ليست موجودة، وعلينا توقع وجودها وإن كان ذلك من ضرب الخيال.
جديد الموقع
- 2025-12-30 (قصيدةُ نثرِكَ بلا لاءاتِ فنائِها)
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-29 ارتفاع ملفت في وفيات النوبات القلبية خلال موسم الأعياد ورأس السنة
- 2025-12-28 تكريم العبدرب الرضاء نظير جهوده 3 سنوات مشرفاً لخدمات المرضى للقطاع الشرقي التابع لتجمع الأحساء الصحي
- 2025-12-28 165 متبرعاً يختتمون حملة "عطاء الفضول" للتبرع بالدم
- 2025-12-28 بين الكتب والخبز
- 2025-12-28 (الرحلات الآمنة) بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 الجلطات الدماغية بمستشفى الملك عبدالعزيز بالأحساء
- 2025-12-28 إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة
- 2025-12-27 جمعة وفاء وتقدير في ضيافة جمعية البر مركز المطيرفي